آيات من القرآن الكريم

لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ

٤١ - قال الله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
١ - أخرج مسلم وأحمد والبخاري، والترمذي والنَّسَائِي أن مروان قال: اذهب يا رافع - لبوَّابه - إلى ابن عبَّاسٍ فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل، معذباً لنعذبن أجمعون. فقال ابن عبَّاسٍ: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عبَّاسٍ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ). هذه الآية. وتلا ابن عبَّاسٍ: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا). وقال ابن عبَّاسٍ: سألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.
٢ - أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا قدم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا... ) الآية.

صفحة رقم 347

* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذين السببين وغيرهما مما لا يستند إلى حجة في الإسناد وتباينت مواقفهم عند النظر فيهما فذهب بعضهم إلى الجمع بينهما وأن الآية نزلت بسببهما ومن هؤلاء القرطبي وابن كثير رحمهما اللَّه تعالى.
قال القرطبي: (والحديث الأول خلاف مقتضى الحديث الثاني، ويحتمل أن يكون نزولها على السببين لاجتماعهما في زمن واحد فكانت جواباً للفريقين واللَّه أعلم).
وقال ابن كثير: (ولا منافاة بين ما ذكره ابن عبَّاسٍ وما قاله هؤلاء - أي نزولها بشأن المنافقين - لأن الآية عامة في جميع ما ذكر والله أعلم).
وذهب بعض المفسرين إلى أنها في أهل الكتاب خاصة ومن هؤلاء الطبري وابن عاشور، قال الطبري بعد أن ساق الأقوال في نزولها: (وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا.. ). الآية قول من قال: عنى بذلك أهل الكتاب الذين أخبر اللَّه جل وعز أنه أخذ ميثاقهم ليبينن للناس أمر محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يكتمونه، لأن قوله: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) في سياق الخبر عنهم، وهو شبيه بقصتهم، مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك).
وقال ابن عاشور بعد أن ساق الآية: (تكملة لأحوال أهل الكتاب المتحدث عنهم ببيان حالة خُلقهم بعد أن بيّن اختلال أمانتهم في تبليغ الدين، وهذا ضرب آخر جاء به فريق آخر من أهل الكتاب فلذلك عبّر عنهم بالموصول للتوصل إلى ذكر صلته العجيبة من حال من يفعل الشر والخسة ثم لا يقف عند حد الانكسار لما فعل أو تطلب الستر على شنعته، بل يرتقي فيترقب ثناء الناس على سوء صنعه ويتطلب المحمدة عليه) والراجح - واللَّه أعلم - ما ذكره ابن

صفحة رقم 348

عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في شأن نزولها في أهل الكتاب وما ذكره من الدليل على ذلك؛ لأنه لما قال: ما لكم ولهذه الآية إنما أُنزلت في أهل الكتاب تلا قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) وهذا نظر ظاهر منه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى السياق القرآني وأثره في تفسير كلام اللَّه وهذا هو اللائق بترجمان القرآن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أقرب طريق إلى الصواب في معرفة التفسير واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في سؤال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهود عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه وذلك لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن. ولم يظهر لي من وجه صحيح ما هو الشيء الذي سألهم عنه فكتموه. وأما الحديث عن المنافقين وتخلفهم عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسيأتي في موضعه مع قصته في سورة براءة إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه أعلم.
* * * * *

صفحة رقم 349
المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة
عرض الكتاب
المؤلف
خالد بن سليمان المزيني
عدد الأجزاء
1