قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِمَ تَصُدُّونَ) : اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ وَ «مِنْ» مَفْعُولُهُ. وَ (تَبْغُونَهَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَصُدُّونَ، أَوْ مِنَ السَّبِيلِ ; لِأَنَّ فِيهَا ضَمِيرَيْنِ رَاجِعَيْنِ إِلَيْهِمَا ; فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ تُجْعَلَ حَالًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَ: (عِوَجًا) : حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِيَرُدُّوكُمْ، وَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِـ (كَافِرِينَ) وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مِثْلَ قَوْلِهِ: (كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) [آلِ عِمْرَانَ: ٨٦].
قَالَ تَعَالَى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)).
فِي قَوْلِهِ: (وَلَا تَفَرَّقُوا) : الْأَصْلُ تَتَفَرَّقُوا، فَحَذَفَ التَّاءَ الثَّانِيَةَ، وَقَدْ ذُكِرَ وَجْهُهُ فِي الْبَقَرَةِ، وَيُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ سَكَّنَ التَّاءَ الْأُولَى حِينَ نَزَّلَهَا مُتَّصِلَةً بِالْأَلِفِ، ثُمَّ أَدْغَمَ. (نِعْمَةَ اللَّهِ) : هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ. وَ (عَلَيْكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ، كَمَا تَقُولُ أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ النِّعْمَةِ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. (
إِذْ كُنْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلنِّعْمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلِاسْتِقْرَارِ فِي عَلَيْكُمْ، إِذَا جَعَلْتَهُ حَالًا. (فَأَصْبَحْتُمْ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّاقِصَةَ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ " بِنِعْمَتِهِ " ; فَيَكُونَ الْمَعْنَى " فَأَصْبَحْتُمْ فِي نِعْمَتِهِ، أَوْ مُتَلَبِّسِينَ بِنِعْمَتِهِ، أَوْ مَشْمُولِينَ. وَ (إِخْوَانًا) : عَلَى هَذَا حَالٌ يَعْمَلُ فِيهَا أَصْبَحَ أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (إِخْوَانًا) خَبَرَ أَصْبَحَ، وَيَكُونُ الْجَارُّ حَالًا يَعْمَلُ فِيهِ أَصْبَحَ، أَوْ حَالًا مِنْ إِخْوَانٍ ; لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِأَصْبَحَ ; لِأَنَّ النَّاقِصَةَ تَعْمَلُ فِي الْجَارِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ (إِخْوَانًا) ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: تَآخَيْتُمْ بِنِعْمَتِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَصْبَحَ تَامَّةً، وَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي " بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " قَرِيبًا مِنَ الْكَلَامِ فِي النَّاقِصَةِ.
وَالْإِخْوَانُ: جَمْعُ أَخٍ، مِنَ الصَّدَاقَةِ، لَا مِنَ النَّسَبِ.
وَالشَّفَا: يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَهِيَ مِنَ الْوَاوِ، تَثْنِيَةُ شَفَوَانِ.
و ﴿من النَّار﴾ صفة لحفرة وَمن للتَّبْعِيض وَالضَّمِير فى ﴿مِنْهَا﴾ للنار أَو للحفرة
قَالَ تَعَالَى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)).
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ " كَانَ " هُنَا التَّامَّةَ، فَتَكُونُ " أُمَّةٌ " فَاعِلًا، وَ " يَدْعُونَ " صِفَتُهُ، وَمِنْكُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَكُنْ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ، عَلَى أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِأُمَّةٍ قُدِّمَ عَلَيْهَا فَصَارَ حَالًا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّاقِصَةَ، وَأُمَّةٌ اسْمَهَا، وَيَدْعُونَ الْخَبَرَ ; وَمِنْكُمْ إِمَّا حَالٌ مِنْ أُمَّةٍ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِكَانَ النَّاقِصَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَدْعُونَ صِفَةً وَمِنْكُمُ الْخَبَرُ.