آيات من القرآن الكريم

لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : الْآيَات ٦٥ إِلَى ٦٦]

فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦)
أَفَادَتِ الْفَاءُ تَفْرِيعَ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَالْمُفَرَّعُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ لَيْسَ هُوَ وَاحِد مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِخُصُوصِهِ وَلَكِنَّهُ مَجْمُوعُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ قُوَّةُ الْحَدِيثِ عَنْهُمْ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْفَاءُ. وَالتَّقْدِيرُ: هُمْ أَيِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَا وُصِفُوا بِهِ مِنَ الْغَفْلَةِ عَنْ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَإِلْغَائِهِمْ مَا فِي أَحْوَالِهِمْ مِنْ دَلَائِلِ الِاعْتِرَافِ لِلَّهِ بِهَا لَا يَضْرَعُونَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ، فَضَمَائِرُ جَمْعِ الْغَائِبِينَ عَائِدَةٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَهَذَا انْتِقَالٌ إِلَى إِلْزَامِهِمْ بِمَا يَقْتَضِيهِ دُعَاؤُهُمْ حِينَ لَا يُشْرِكُونَ فِيهِ إِلَهًا آخَرَ مَعَ اللَّهِ بَعْدَ إِلْزَامِهِمْ بِمُوجِبَاتِ اعْتِرَافَاتِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ أصنامهم فِي شؤون مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَيَسْتَنْصِرُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ إِذَا أَصَابَهُمْ هَوْلٌ تَوَجَّهُوا بِتَضَرُّعِهِمْ إِلَى اللَّهِ.
وَإِنَّمَا خَصَّ بِالذِّكْرِ حَالَ خَوْفِهِمْ مِنْ هَوْلِ الْبَحْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ مَا فِي سُورَةِ يُونُسَ وَمَا فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّ أَسْفَارَهُمْ فِي الْبَرِّ كَانُوا لَا يَعْتَرِيهِمْ فِيهَا خَوْفٌ يَعُمُّ جَمِيعَ السَّفَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ قَوَافِلَ، مَعَهُمْ سِلَاحُهُمْ، وَيَمُرُّونَ بِسُبُلٍ يَأْلَفُونَهَا فَلَا يَعْتَرِضُهُمْ خَوْفٌ عَامٌّ، فَأَمَّا سَفَرُهُمْ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُمْ يَفْرَقُونَ مِنْ هَوْلِهِ وَلَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ وَفْرَةُ عَدَدٍ وَلَا قُوَّةُ عُدَدٍ، فَهُمْ يَضْرَعُونَ إِلَى اللَّهِ بِطَلَبِ النَّجَاةِ وَلَعَلَّهُمْ لَا يَدْعُونَ أَصْنَامَهُمْ حِينَئِذٍ.
فَأَمَّا تَسْخِيرُ الْمَخْلُوقَاتِ فَمَا كَانُوا يَطْمَعُونَ بِهِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَيْضًا كَانَ يُخَامِرُهُمُ الْخَوْفُ عِنْدَ رُكُوبِهِمْ فِي الْبَحْرِ لِقِلَّةِ الْفَهْمِ بِرُكُوبِهِ إِذْ كَانَ مُعْظَمُ أَسْفَارِهِمْ فِي الْبَرَارِي.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْدِيَةُ الرُّكُوبِ بِحَرْفِ (فِي) عِنْدَ قَوْلِهِ وَقالَ ارْكَبُوا فِيها فِي سُورَةِ هُودٍ [٤١]. وَالْإِخْلَاصُ: التَّمْحِيضُ وَالْإِفْرَادُ.
والدِّينَ: الْمُعَامَلَةُ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدُّعَاء، أَي ادعوا اللَّهَ غَيْرَ مُشْرِكِينَ مَعَهُ أَصْنَامُهُمْ. وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ.

صفحة رقم 32
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية