آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
ﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

فَوْقَهُمْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا فَوْقُ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ وَهُوَ الْغُرْفُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْعِقَابُ وَالثَّوَابُ الْجُسْمَانِيَّانِ، لَكِنَّ الْكَافِرَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، فَيَكُونُ فَوْقَهُ طَبَقَاتٌ مِنَ النَّارِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَكُونُونَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فَلَمْ يَذْكُرْ فَوْقَهُمْ شَيْئًا إِشَارَةً إِلَى عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ وَارْتِفَاعِ مَنْزِلَتِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ [الزُّمَرِ: ٢٠] لا ينافي لِأَنَّ الْغُرَفَ فَوْقَ الْغُرَفِ لَا فَوْقَهُمْ وَالنَّارُ فَوْقَ النَّارِ وَهِيَ فَوْقَهُمْ، وَمِنْهَا أَنَّ هُنَاكَ ذكر من تحت أرجلهم النار، وهاهنا ذَكَرَ مِنْ تَحْتِ غُرَفِهِمُ الْمَاءَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّارَ لَا تُؤْلِمُ إِذَا كَانَتْ تَحْتُ مُطْلَقًا مَا لَمْ تَكُنْ فِي مُسَامَتَةِ الْأَقْدَامِ وَمُتَّصِلَةً بِهَا، أَمَّا إِذَا كَانَ الشُّعْلَةُ مَائِلَةً عَنْ سَمْتِ الْقَدَمِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهَا، أَوْ تَكُونُ مُسَامِتَةً وَلَكِنْ تَكُونُ غَيْرَ مُلَاصِقَةٍ بَلْ تَكُونُ أَسْفَلَ فِي وَهْدَةٍ لَا تُؤْلِمُ، وَأَمَّا الْمَاءُ إِذَا كَانَ تَحْتَ الْغُرْفَةِ فِي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَعَلَى أَيِّ بُعْدٍ كَانَ يَكُونُ مُلْتَذًّا بِهِ، فَقَالَ فِي النَّارِ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ليحصل الألم بها، وقال هاهنا مِنْ تَحْتِ الْغُرَفِ لِحُصُولِ اللَّذَّةِ بِهِ كَيْفَ كَانَ، وَمِنْهَا أَنَّ هُنَاكَ قَالَ ذُوقُوا لِإِيلَامِ قلوبهم بلفظ الأمر وقال هاهنا نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ لِتَفْرِيحِ قُلُوبِهِمْ لَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ/ بَعْدَهُ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِأَجِيرِهِ خُذْ أُجْرَتَكَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ بِذَلِكَ يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ مَا أَتَمَّ أُجْرَتَكَ عِنْدِي أَوْ نِعْمَ مَالُكَ مِنَ الْأَجْرِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُلْ هاهنا خُذُوا أُجْرَتَكُمْ أَيُّهَا الْعَامِلُونَ وَقَالَ هُنَاكَ: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ذُوقُوا إِذَا كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ الِانْقِطَاعُ فَعَذَابُ الْكَافِرِ يَنْقَطِعُ، قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا قَالَ ذُوقُوا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ جَزَاءَهُمْ وَانْقَطَعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ دَائِمًا وَلَا يَنْقُصُ وَلَا يَزْدَادُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ إِذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا فَلَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَا أَعْطَاهُ بَلْ يَزِيدُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي النِّعَمِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يُونُسَ: ٢٦] أَيِ الَّذِي يَصِلُ إِلَى الْكَافِرِ يَدُومُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَالَّذِي يَصِلُ إِلَى الْمُؤْمِنِ يَزْدَادُ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَمَّا الْخُلُودُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لَكِنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِغَيْرِهِ من النصوص. ثم قال تعالى:
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٥٩]
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩)
ذَكَرَ أَمْرَيْنِ الصَّبْرَ وَالتَّوَكُّلَ لِأَنَّ الزَّمَانَ مَاضٍ وَحَاضِرٌ وَمُسْتَقْبَلٌ لَكِنَّ الْمَاضِيَ لَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا يُؤْمَرُ الْعَبْدُ فِيهِ بِشَيْءٍ، بَقِيَ الْحَاضِرُ وَاللَّائِقُ بِهِ الصَّبْرُ وَالْمُسْتَقْبَلُ وَاللَّائِقُ بِهِ التَّوَكُّلُ، فَيَصْبِرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْأَذَى فِي الْحَالِ، وَيَتَوَكَّلُ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ وَالتَّوَكُّلَ صِفَتَانِ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَالْعِلْمِ بِمَا سِوَى اللَّهِ، فَمَنْ عَلِمَ مَا سِوَاهُ عَلِمَ أَنَّهُ زَائِلٌ فَيَهُونُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إِذِ الصَّبْرُ عَلَى الزَّائِلِ هَيِّنٌ، وَإِذَا عَلِمَ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ بَاقٍ يَأْتِيهِ بِأَرْزَاقِهِ فَإِنْ فَاتَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَتَوَكَّلُ عَلَى حي باق، وذكر الصبر والتوكل هاهنا مناسب، فإن قوله: يا عِبادِيَ
كَانَ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَمَنْ يُؤْذَى فِي بُقْعَةٍ فَلْيَخْرُجْ مِنْهَا. فَحَصَلَ النَّاسُ عَلَى قِسْمَيْنِ قَادِرٌ عَلَى الْخُرُوجِ وَهُوَ مُتَوَكِّلٌ عَلَى رَبِّهِ، يَتْرُكُ الْأَوْطَانَ وَيُفَارِقُ الْإِخْوَانَ، وَعَاجِزٌ وَهُوَ صَابِرٌ عَلَى تَحَمُّلِ الْأَذَى وَمُوَاظِبٌ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
[سورة العنكبوت (٢٩) : آية ٦٠]
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)

صفحة رقم 71

لَمَّا ذَكَرَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ذَكَرَ مَا يُعِينُ عَلَى التَّوَكُّلِ وَهُوَ بَيَانُ حَالِ الدَّوَابِّ الَّتِي لَا تَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ، وَيَأْتِيهَا كُلُّ يَوْمٍ بِرِزْقٍ رَغَدٍ. وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَأَيِّنْ لُغَاتٌ أَرْبَعٌ [لَا] غَيْرُ هَذِهِ [وَ] كَائِنْ عَلَى وَزْنِ رَاعٍ وَكَأْيِنْ عَلَى وَزْنِ رَيْعٍ وَكَيْ عَلَى دَعْ وَلَمْ يُقْرَأْ إِلَّا كَأَيِّنْ وَكَائِنْ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَأَيِّنْ كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَيٍّ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ مَنْ وَمَا رُكِّبَتَا وَجُعِلَ الْمُرَكَّبُ بِمَعْنَى كَمْ، وَلَمْ تُكْتَبْ إِلَّا بِالنُّونِ لِيَفْصِلَ بَيْنَ الْمُرَكَّبِ وَغَيْرِ الْمُرَكَّبِ، لِأَنَّ كَأَيٍّ/ يُسْتَعْمَلُ غَيْرَ مُرَكَّبٍ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ رَأَيْتُ رَجُلًا لَا كَأَيِّ رَجُلٍ يَكُونُ، فَقَدْ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَيُقَالُ رَأَيْتُ رَجُلًا لَا كَأَيِّ رَجُلٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يكون كأي مركبا، فإذا كان كأي هاهنا مُرَكَّبًا كُتِبَتْ بِالنُّونِ لِلتَّمْيِيزِ كَمَا تُكْتَبُ مَعْدِيكَرِبَ وَبَعْلَبَكَّ مَوْصُولًا لِلْفَرْقِ.
وَكَمَا تُكْتَبُ ثَمَّةَ بِالْهَاءِ تَمْيِيزًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ ثُمَّتْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: كَأَيِّنْ بِمَعْنَى كَمْ لَمْ تُسْتَعْمَلْ مَعَ مِنْ إِلَّا نَادِرًا وَكَمْ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ مِنْ، يُقَالُ كَمْ رَجُلًا وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ، وَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ كَأَيِّنْ بِمَعْنَى كَمْ وَكَأَيٍّ الَّتِي لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ كَأَيٍّ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُرَكَّبَةً لَا يَجُوزُ إِدْخَالُ مِنْ بَعْدَهَا إِذْ لَا يُقَالُ رَأَيْتُ رَجُلًا لَا كَأَيٍّ مِنْ رَجُلٍ، وَالْمُرَكَّبَةُ بِمَعْنَى كَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا فَالْتُزِمَ لِلْفَرْقِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا قِيلَ: لَا تَحْمِلُ لِضَعْفِهَا وَقِيلَ هِيَ كَالْقُمَّلِ وَالْبُرْغُوثِ وَالدُّودِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ لَا تَدَّخِرُ اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَيْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ رِزْقَهَا لَيْسَ إِلَّا بِاللَّهِ فَكَذَلِكَ يَرْزُقُكُمْ فَتَوَكَّلُوا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ الدَّوَابَّ بَلِ النَّبَاتُ فِي الصَّحْرَاءِ مُسَبَّبٌ وَالْحَيَوَانُ يَسْعَى إِلَيْهِ وَيَرْعَى، فَنَقُولُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ نَظَرًا إِلَى الرِّزْقِ وَإِلَى الْمُرْتَزَقِ وَإِلَى مَجْمُوعِ الرِّزْقِ وَالْمُرْتَزَقِ، أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى الرِّزْقِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَخْلُقِ النَّبَاتَ لَمْ يَكُنْ لِلْحَيَوَانِ رِزْقٌ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى الْمُرْتَزَقِ فَلِأَنَّ الِاغْتِذَاءَ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الِابْتِلَاعِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَشَبُّثِهِ بِالْأَعْضَاءِ حَتَّى يَصِيرَ الْحَشِيشُ عَظْمًا وَلَحْمًا وَشَحْمًا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ خَلَقَ فِيهِ جَاذِبَةً وَمَاسِكَةً وَهَاضِمَةً وَدَافِعَةً وَغَيْرَهَا مِنَ الْقُوَى وَبِمَحْضِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ فَهُوَ الَّذِي يَرْزُقُهَا، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى الْمُرْتَزَقِ وَالرِّزْقِ، فَلِأَنَّ اللَّهَ لَوْ لَمْ يَهْدِ الْحَيَوَانَ إِلَى الْغِذَاءِ لِيَعْرِفَهُ مِنَ الشَّمِّ مَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ اغْتِذَاءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنَ الْحَيَوَانِ مَا لَا يَعْرِفُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْغِذَاءِ حَتَّى يُوضَعَ فِي فَمِهِ بِالشِّدَّةِ لِيَذُوقَ فَيَأْكُلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مَا يَكُونُ الْبَعِيرُ لَا يَعْرِفُ الْخَمِيرَ وَلَا الشَّعِيرَ حَتَّى يَلْقَمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَيَعْرِفَهُ فَيَأْكُلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يَصِحُّ قِيَاسُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَيَوَانِ فِيمَا يُوجِبُ التَّوَكُّلَ وَالْحَيَوَانُ رِزْقُهُ لَا يُتَعَرَّضُ إِلَيْهِ إِذَا أَكَلَ مِنْهُ الْيَوْمَ شَيْئًا وَتَرَكَ بَقِيَّةً يَجِدُهَا غَدًا، مَا مَدَّ إِلَيْهِ أَحَدٌ يَدًا، وَالْإِنْسَانُ إِنْ لَمْ يَأْخُذِ الْيَوْمَ لَا يَبْقَى لَهُ غَدًا شَيْءٌ؟
وَأَيْضًا حَاجَاتُ الْإِنْسَانِ كَثِيرَةٌ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى أَجْنَاسِ اللِّبَاسِ وَأَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَأَيْضًا قُوتُ الْحَيَوَانِ مُهَيَّأٌ وَقُوتُ الْإِنْسَانِ يَحْتَاجُ إِلَى كَلَفٍ كَالزَّرْعِ وَالْحَصَادِ وَالطَّحْنِ وَالْخَبْزِ فَلَوْ لَمْ يَجْمَعْهُ قَبْلَ الْحَاجَةِ مَا كَانَ يَجِدُهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ، فَنَقُولُ نَحْنُ لَا نَقُولُ إِنَّ الْجَمْعَ يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الزَّارِعُ الْحَاصِدُ مُتَوَكِّلًا وَالرَّاكِعُ السَّاجِدُ غَيْرَ مُتَوَكِّلٍ، لِأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ يَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَى اللَّهِ وَاعْتِقَادُهُ فِي اللَّهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ يُرِيدُ يَرْزُقُ مِنْ غَيْرِ زَرْعٍ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ لَا يَرْزُقُ مِنْ ذَلِكَ الزَّرْعِ فَيَعْمَلُ وَقَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ هُوَ مُتَوَكِّلٌ حَقَّ التَّوَكُّلِ، وَمَنْ يُصَلِّي وَقَلْبُهُ مَعَ مَا فِي يَدِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو هُوَ غَيْرُ مُتَوَكِّلٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: حَاجَاتُ الْإِنْسَانِ كَثِيرَةٌ، فَنَقُولُ مَكَاسِبُهُ كَثِيرَةٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ بِيَدِهِ كَالْخَيَّاطِ وَالنَّسَّاجِ وَبِرِجْلِهِ كَالسَّاعِي وَغَيْرِهِ، وَبِعَيْنِهِ كَالنَّاطُورِ وَبِلِسَانِهِ كَالْحَادِي وَالْمُنَادِي، وَبِفَهْمِهِ كَالْمُهَنْدِسِ

صفحة رقم 72
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية