آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

- ٥٦ - يا عبادي الَّذِينَ آمَنُوا إِن أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
- ٥٧ - كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
- ٥٨ - وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
- ٥٩ - الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
- ٦٠ - وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، بِالْهِجْرَةِ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي لَا يَقْدِرُونَ فِيهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ، إِلَى أَرْضِ اللَّهِ الْوَاسِعَةِ، حَيْثُ يُمْكِنُ إِقَامَةُ الدِّينِ، بِأَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ وَيَعْبُدُوهُ كَمَا أَمَرَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: ﴿يا عبادي الذين آمنوا إِن أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فاعبدوا﴾. عن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، فَحَيْثُمَا أَصَبْتَ خَيْرًا فَأَقِمْ» (أخرجه الإمام أحمد عن الزبير بن العوام)، وَلِهَذَا لَمَّا ضَاقَ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ مُقَامَهُمْ بِهَا، خَرَجُوا مُهَاجِرِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ لِيَأْمَنُوا على دينهم هناك، فوجدوا خير المنزلين هناك (أصحمة النجاشي) ملك الحبشة رحمة الله تعالى، فآواهم وأيدهم، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة الباقون إلى المدينة المطهرة، ثم قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ، فَكُونُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَحَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا مَحِيدَ عَنْهُ، ثُمَّ إِلَى اللَّهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، فَمَنْ كَانَ مُطِيعًا لَهُ جَازَاهُ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ ووافاه أتم الثواب، ولهذا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أَيْ لَنُسْكِنَنَّهُمْ مَنَازِلَ عَالِيَةً فِي الْجَنَّةِ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهَا، مِنْ مَاءٍ وَخَمْرٍ وَعَسَلٍ وَلَبَنٍ، يُصَرِّفُونَهَا وَيُجْرُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا، ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ﴾ أي ما كثين فِيهَا أَبَدًا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ نِعْمَتْ هَذِهِ الْغُرَفُ أَجْرًا عَلَى أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ أَيْ عَلَى دِينِهِمْ وَهَاجَرُوا إِلَى اللَّهِ، وَنَابَذُوا الْأَعْدَاءَ، وَفَارَقُوا الْأَهْلَ وَالْأَقْرِبَاءَ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَرَجَاءَ مَا عِنْدَهُ.

صفحة رقم 42

وفي الحديث: «أن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وتابع الصلاة والصيام، وقام بالليل والناس نيام» (أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي مالك الأشعري مرفوعاً) ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ فِي أَحْوَالِهِمْ كُلِّهَا فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى أَنَّ الرِّزْقَ لَا يُخْتَصُّ بِبُقْعَةٍ، بَلْ رِزْقُهُ تَعَالَى عَامٌّ لِخَلْقِهِ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ كَانُوا، بَلْ كَانَتْ أَرْزَاقُ الْمُهَاجِرِينَ حَيْثُ هَاجَرُوا أَكْثَرَ وَأَوْسَعَ وَأَطْيَبَ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ قَلِيلٍ صَارُوا حُكَّامَ الْبِلَادِ فِي سائر الأقطار والأمصار، ولهذا قال تَعَالَى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ أَيْ لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تدخر شيئاً لغد، ﴿والله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ أَيِ اللَّهُ يُقَيِّضُ لَهَا رِزْقَهَا عَلَى ضَعْفِهَا وَيُيَسِّرُهُ عَلَيْهَا، فَيَبْعَثُ إِلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ مِنَ الرِّزْقِ مَا يُصْلِحُهُ حَتَّى الذَّرِّ فِي قَرَارِ الْأَرْضِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَالْحِيتَانِ في الماء، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾، وروى ابن حاتم عن ابن عمر قال: خرجت مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ يَلْتَقِطُ مِنَ التَّمْرِ وَيَأْكُلُ، فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ عُمَرَ مَا لَكَ لَا تَأْكُلُ؟» قَالَ، قُلْتُ: لَا أَشْتَهِيهِ يَا رسول الله، قال: «لكني أشتهيه وهذا صُبْحُ رابعةٍ مُنْذُ لَمْ أَذُقْ طَعَامًا، وَلَمْ أَجِدْهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِي مِثْلَ ملك كسرى وقيصر، فَكَيْفَ بِكَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَتِهِمْ بِضَعْفِ الْيَقِينِ؟» قَالَ فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْنَا وَلَا رِمْنا حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله عزَّ وجلَّ لم يأمروني بِكَنْزِ الدُّنْيَا، وَلَا بِاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، فَمَنْ كَنَزَ دُنْيَاهُ يُرِيدُ بِهَا حَيَاةً بَاقِيَةً، فَإِنَّ الْحَيَاةَ بِيَدِ اللَّهِ، أَلَا وَإِنِّي لَا أَكْنِزُ دِينَارًا ولا درهماً ولا أخبأ رزقاً لغد (الحديث أخرجه ابن أبي حاتم وفي إسناده ضعف كذا قال ابن كثير)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَافِرُوا تَرْبَحُوا، وَصُومُوا تَصِحُّوا وغزوا تغنموا» (أخرجه الإمام أحمد، ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعاً باللفظ (سافروا تصحوا وتغنموا). وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أَيِ السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ ﴿الْعَلِيمُ﴾ بِحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ.

صفحة رقم 43
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية