فإن قيل: لِمَ (١) لَمْ يقل وما يعلمها إلا العاقلون، والعقل يسبق العلم؟
قلنا: لأن العقل آلة، تُدرك بها معاني الأشياء بالتأمل فيها، ولا يمكن التأمل فيها والوصول إليها بطريقها إلا بالعلم، ودلت الآية على فضل العلم على العقل، ولا عالم منا إلا وهو عاقل، فأما العاقل فقد يكون غير عالم.
٤٤ - ولما قدم سبحانه أن لا معجز له سبحانه، ولا ناصر لمن خذله، أقام الدليل على ذلك بقوله: ﴿خَلَقَ اللَّهُ﴾؛ أي: أنشا وأوجد سبحانه وتعالى ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ السبع ﴿وَالْأَرْضَ﴾ على غير مثال سابق، حالة كونه سبحانه متلبسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي (٢): مراعيًا للحكم والمصالح، على أنه حال من فاعل خلق، أو حالة كونها متلبسة بالحق الذي لا محيد عنه، مستتبعةً للمنافع الدينية والدنيوية، على أنه حال من مفعوله، فإنها مع اشتمالها على جميع ما يتعلق به معاشهم شواهد دالة على وحدانيته، وعظم قدرته، وسائر صفاته، كما أشار إليه بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾؛ أي: في خلقهما ﴿لَآيَةً﴾ دالة على شؤونه؛ أي: لدلالة عظيمة وعلامة ظاهرة على قدرته، وتفرده بالإلهية ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ خص المؤمنين بالذكر مع عموم الهداية، والإرشاد في خلقهما للكل؛ لأنهم المنتفعون بذلك.
والمعنى: أي: خلق الله السموات والأرض لحكم وفوائد دينية ودنيوية، ولم يخلقهما عبثًا ولهوًا، فبخلقها أمكن إيجاد كل ممكن تعلق به العلم، واقتضت الإرادة إيجاده، وأمكن معرفة الخالق الذي أوجدها، وعبادته كفاء نعمه، كما جاء في الحديث القدسي، حكايةً عن الله عز وجل: "كنت كنزا مخفيًا، فأردت أن أعرف، فخلقت الخلق فبي عرفوني" وفيه مقال.
ولا يفهم هذه الأسرار إلا من آمنوا بالله وصدقوا رسوله؛ لأنهم هم الذين يستدلون بالآثار مؤثرها، كما أثر عن بعض العرب: البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير.
٤٥ - ثم خاطب رسوله مسليًا له بقوله: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾؛ أي: اقرأ يا محمد
(٢) روح البيان.
ما أنزل إليك ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: من القرآن، وأدم تلاوته تقربًا إلى الله بقراءته، وتحفظًا لنظمه، وتذكرًا لمعانيه وحقائقه، فإن القارىء المتأمل ينكشف له في كل مرة ما لم ينكشف قبل، وتذكيرًا للناس، وحملًا لهم على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق، كما رؤي أن عمر - رضي الله عنه - أتي بسارق فأمر بقطع يده، فقال: لِم تقطع يدي؟ وكان جاهلًا بالأحكام، فقال له عمر: بما أمر الله في كتابه، فقال: اتل على، فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)﴾ فقال السارق: والله ما سمعتها ولو سمعتها ما سرقت، فأمر بقطع يده ولم يعذره. فسن عمر التراويح بالجماعة ليسمع الناس القرآن، وهذا هو السب في مشروعية التراويح.
وعن علي - رضي الله عنه - من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة، كان له بكل حرف مئة حسنة، ومن قرأ وهو جالس في الصلاة، فله بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأ وهو في غير الصلاة، وهو على وضوء، فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات.
وعن الحسن البصري، قراءة القرآن في غير الصلاة، أفضل من صلاة لا يكون فيها كثير القراءة، قال الفقهاء أفضل التلاوة على الوضوء والجلوس نحو القبلة، وأن يكون غير مربع ولا متكىء ولا جالس جلسة متكبر، ولكن يجلس نحو ما يجلس بين يدي من يهابه ويحتشم منه.
﴿وَأَقِمِ﴾ يا محمد أنت وأمتك ﴿الصَّلَاةَ﴾؛ أي: داوم على إقامتها وأدائها على الوجه القيم، مريدًا بذلك وجه الله تعالى، والإنابة إليه مع الخشوع والخضوع له، والمراد بالصلاة هنا الصلوات المفروضة، ولما كان أمره - ﷺ - بإقامتها متضمنًا لأمر الأمة بها، علل ذلك بقوله: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ﴾ المعروفة، وهي المقرونة بشرائطها الظاهرة والباطنة، المستوفية لأركانها وآدابها ﴿تَنْهَى﴾ الناس وتمنعهم؛ أي: من شأنها وخاصيتها أن تنهاهم وتمنعهم ﴿عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾؛ أي: عن الفعلة القبيحة كالزنا والسرقة مثلًا ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾؛ أي: وعن كل ما أنكره الشرع
والعقل، من الذنوب والمعاصي، ففيه عطف العام على الخاص، فكأنها (١) تقول له كيف تعصي ربًا هو أهل لما أتيت به، وكيف يليق بك أن تفعل ذلك وتعصيه، وأنت وقد أتيت بما أتيت به من أقوال وأفعال، تدل على عظمة المعبود وكبريائه، وإخباتك له وإنابتك إليه، وخضوعك لجبروته وقهره، إذا عصيته وفعلت الفحشاء والمنكر تكون كالمناقض نفسه بين قوله وفعله.
أي: تكون (٢) الصلاة سببًا للانتهاء عن المعاصي كبائرها وصغائرها، حال الاشتغال بها وغيرها، من حيث إنها تذكر الله وتورث للنفس خشية منه، قيل (٣): من كان مراعيًا للصلاة جره ذلك إلى أن ينتهي عن السيئات يومًا، فقد رُوي أنه قيل لرسول الله - ﷺ - إن فلانًا يصلي بالنهار وشرق بالليل، فقال: "إن صلاته لتردعه".
وروي أن فتى من الأنصار، كان يصلي معه - ﷺ - الصلوات، ولا يدع شيئًا من الفواحش إلا ركبه فوصف له، فقال: "إن صلاته ستنهاه، فلم يلبث أن تاب". وعن الحسن: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فليست صلاته بصلاة، وهي وبال عليه.
فإن قلت (٤): لم أمر بهذين الشيئين، تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة فقط؟
قلت: لأن العبادة المختصة بالعبد ثلاثة؟
قلبية: وهي الاعتقاد الحق.
ولسانية: وهي الذكر الحسن.
وبدنية: وهي العمل الصالح. لكن الاعتقاد لا يتكرر، فإن من اعتقد شيئًا لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى، بل ذلك يدوم مستمرًا فبقي الذكر والعبادة البدنية، وهما ممكنا التكرار، فلذلك أمر بهما.
وقيل (٥): معنى ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾؛ أي: عن التعطيل
(٢) البيضاوي.
(٣) النسفي.
(٤) الخازن.
(٥) المراح بتصرف.
وهو إنكار وجود الله سبحانه. ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾؛ أي: عن الإشراك، وهو إثبات الألوهية لغير الله تعالى، فالعبد أول ما يشرع في الصلاة يقول: الله أكبر، فبقول الله ينفي التعطيل، وبقوله: أكبر ينفي الإشراك؛ لأن الشريك لا يكون أكبر من الشريك الآخر، فيما فيه الاشتراك، فإذا قال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ نفى التعطيل، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ نفى الإشراك؛ لأن ﴿الرَّحْمَنِ﴾ من يعطي الوجود بالخلق، و ﴿الرَّحِيمِ﴾ من يعطي البقاء بالرزق، فإذا قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أثبت خلاف التعطيل، وإذا قال: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أثبت خلاف الإشرِاك، فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ نفى التعطيل والإشراك، وكذا إذا قال: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
إذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ﴾ نفى التعطيل؛ لأن طالب الصراط له مقصد، والمعطل لا مقصد له، وإذا قال: ﴿الْمُسْتَقِيمَ﴾ نفى الإشراك؛ لأن ﴿الْمُسْتَقِيمَ﴾ هو الأقرب، والمشرك يعبد الأصنام، ويظنون أنهم يشفعون لهم، وعبادة الله من غير واسطة أقرب، وعلى هذا إلى آخر الصلاة، فإذا قال فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، فقد نفى الإشراك والتعطيل.
ومعنى نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر (١): أنها سبب للانتهاء عنهما؛ لأنها مناجاة لله تعالى، فلا بد أن تكون مع إقبال تام على طاعته، وإعراض عن معاصيه. اهـ من "المراح".
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى إياكم برحمته ونعمته في الدنيا، وبالثواب والثناء عليكم منه في الآخرة ﴿أَكْبَرُ﴾ من ذكركم إياه بعبادتكم وصلواتكم، واختار هذا المعنى ابن جرير، ويؤيده حديث "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"، وقال ابن عطاء: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له؛ لأن ذكره بلا علة ولا غرض، وذكركم مشوب بالعلل والأماني، ولأن ذكره لا يفنى، وذكركم لا يبقى. اهـ. أو المعنى: ولذكر الله بسائر أنواعه، من تهليل وتحميد وتسبيح وغير ذلك أكبر؛ أي: أفضل من
الطاعات التي ليس فيها ذكر؛ لأن (١) ثواب الذكر هو الذكر، كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾. أو المعنى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾؛ أي: والصلاة ﴿أَكْبَرُ﴾ وأفضل من سائر الطاعات، وإنما عبر عنها بالذكر، كما في قوله تعالى: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ للإيذان بأن ما فيها من ذِكره تعالى، هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات.
وقيل المعنى (٢): أن ذِكر الله أكبر - مع المداومة - من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر، وقال الضحاك: ولذكر الله عندما يحرم، فيترك أجل الذكر، وقيل: المعنى: ولذكر الله، للنهي عن الفحشاء والمنكر أكبر؛ أي: كبير، وقيل: ولذكر الله في الصلاة أكبر منه خارج الصلاة؛ أي: أكبر ثوابًا، وقيل: أكبر من سائر أركان الصلاة، وقيل: ولذكر الله نهيه أكبر من نهي الصلاة.
والذكر النافع: هو الذي كان مع العلم وإقبال القلب، وتفرغه إلا من الله، وأما ما لا يتجاوز اللسان ففي رتبة أخرى، وذكر الله تعالى للعبد هو إفاضة الهدى ونور العلم عليه، وذلك ثمرة لذكر العبد ربه.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ وتفعلون من الذكر ومن سائر الطاعات، فيجازيكم به أحسن المجازاة؛ أي: يعلم ما تأتون به من خير أو شر، لا يخفى عليه شيء من أمركم، وهو يجازيكم كفاء أعمالكم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، كما جرت بذلك سنته في خلقه، وهو الحكيم الخبير، ولا يخفى ما في ذلك من وعد ووعيد، وحث على مراقبة الله تعالى في السر والعلن. ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ نسأل الله أن يوفقنا للفعل الحسن والصنع الجميل، ويسعدنا بالمقام الأرفع، والأجر الجزيل، بمنه وكرمه. آمين.
فصل في ذكر نبذة من أحاديث الذكر
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء
(٢) القرطبي.
الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله" أخرجه الترمذي.
وله عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله - ﷺ - سئل: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا"، قالوا: يا رسول الله، والغازي في سبيل الله؟ فقال: "لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر، ويختضب في سبيل الله دمًا، لكان الذاكرون الله كثيرًا أفضل منه درجة".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "سبق المفردون"، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات". ويروى "المفردون" بتشديد الراء وتخفيفها، والتشديد أتم، يقال فرد الرجل بتشديد الراء إذا تفقه واعتزل الناس وحده مراعيًا للأمر والنهي، وقيل هم المتخلفون عن الناس بذكر الله، لا يخلطون به غيره، أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على رسول الله - ﷺ - أنه قال: لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده، أخرجه البخاري.
وروي أن أعرابيًا قال: يا رسول الله؛ أي الأعمال أفضل؟ قال: "أن تفارق الدنيا، ولسانك رطب بذكر الله".
الإعراب
﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤)﴾.
﴿فَمَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة محذوف معلوم من السياق، تقديره: فدعا إبراهيم قومه إلى التوحيد ﴿مَا﴾: نافية. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿جَوَابَ قَوْمِهِ﴾: خبرها مقدم ومضاف إليه. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية، والجملة الفعلية مع ﴿أَنْ﴾ المصدرية في تأويل مصدر مرفوع، على كونه اسم
﴿كَانَ﴾ مؤخرًا، والتقدير: فما كان جواب قومه إلا قولهم، وجملة ﴿كَانَ﴾ معطوفة على تلك المحذوفة، والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿اقْتُلُوهُ﴾: فعل أمر وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قَالُوا﴾. ﴿أَوْ حَرِّقُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿اقْتُلُوهُ﴾. ﴿فَأَنْجَاهُ اللَّهُ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فقذفوه في النار فأنجاه الله سبحانه وتعالى. ﴿أَنْجَاهُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل معطوف على ذلك المحذوف. ﴿مِنَ النَّارِ﴾ متعلق بـ ﴿أَنْجَاهُ﴾. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿فِي ذَلِكَ﴾: جار ومجرور، خبرها مقدم على اسمها. ﴿لَآيَاتٍ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿آيات﴾: اسمها مؤخر. ﴿لِقَوْمٍ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿آيات﴾، وجملة ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ صفة لـ ﴿قَوْمٍ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل الإنجاء المذكور.
﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٥)﴾.
﴿وَقَالَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على إبراهيم، معطوف على ﴿أَنْجَاهُ اللَّهُ﴾. ﴿إِنَّمَا﴾: أداة حصر. ﴿اتَّخَذْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿اتَّخَذْ﴾. ﴿أَوْثَانًا﴾: مفعول أول له. ﴿مَوَدَّةَ﴾: مفعول لأجله. ﴿بَيْنِكُمْ﴾: مضاف إليه لـ ﴿مَوَدَّةَ﴾. ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ متعلق بـ ﴿اتَّخَذْتُمْ﴾، أو حال من فاعل ﴿اتَّخَذْ﴾، وجملة ﴿اتَّخَذ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾، وقد جرينا في الإعراب على قراءة حفص، واخترنا أمثل الأوجه وأسهلها، وهذه الآية قد شغلت المعربين كثيرًا لاختلاف قرائتها، وجهات النظر فيها. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وتراخ. ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿يَكْفُرُ﴾. ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِبَعْضٍ﴾ متعلق بـ ﴿يَكْفُرُ﴾ أيضًا، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿اتَّخَذْتُمْ﴾. ﴿وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على ﴿يَكْفُرُ﴾ ﴿وَمَأْوَاكُمُ﴾: مبتدأ أو خبر مقدم. و ﴿النَّارُ﴾: خبر أو مبتدأ مؤخر،
والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية في قوله: ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ﴾. ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿لَكُمْ﴾: خبر مقدم. ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾ مبتدأ مؤخر. و ﴿مِنْ﴾: زائدة، والجملة في محل النصب معطوفة على الجمل التي قبلها.
﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦)﴾.
﴿فَآمَنَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فكذبه قومه فاَمن له لوط. ﴿آمَنَ﴾: فعل ماض. ﴿لَهُ﴾: متعلق به. ﴿لُوطٌ﴾ فاعل ﴿آمَنَ﴾. والجملة معطوفة على تلك المحذوفة. ﴿وَقَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على إبراهيم معطوف على ﴿آمَنَ﴾. ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ﴾: ناصب واسمه وخبره. ﴿إِلَى رَبِّي﴾: متعلق بـ ﴿مُهَاجِرٌ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه. ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل. ﴿الْعَزِيزُ﴾: خبر أول لـ ﴿إِنَّ﴾. ﴿الْحَكِيمُ﴾: خبر ثان لها. وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول قال.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)﴾.
﴿وَوَهَبْنَا﴾: فعل وفاعل معطوف على مقدر، مأخوذ من لفظ العزيز؛ أي: أعززناه ووهبنا له، إلخ. ﴿لَهُ﴾ متعلق بـ ﴿وَهَبْنَا﴾. ﴿إِسْحَاقَ﴾: مفعول به. ﴿وَيَعْقُوبَ﴾: معطوف عليه. ﴿وَجَعَلْنَا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿وَهَبْنَا﴾. ﴿فِي ذُرِّيَّتِهِ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلْنَا﴾. ﴿النُّبُوَّةَ﴾: مفعول أول لـ ﴿جَعَلْنَا﴾. ﴿وَالْكِتَابَ﴾ معطوف على النبوة. ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول معطوف على ﴿جَعَلْنَا﴾. ﴿أَجْرَهُ﴾ مفعول ثان لـ ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾. لأنه بمعنى أعطينا. ﴿فِي الدُّنْيَا﴾: حال من ضمير أجره. ﴿وَإِنَّهُ﴾ ناصب واسمه. ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾: حال من ضمير إنه. ﴿لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إِنَّ﴾ واللام حرف ابتداء، والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿آتَيْنَاهُ﴾.
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٢٨)﴾.
﴿وَلُوطًا﴾: معطوف على إبراهيم، أو منصوب بفعل محذوف تقديره: واذكر لوطًا. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، بدل اشتمال من ﴿لُوطًا﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿لِقَوْمِهِ﴾ متعلق بـ ﴿قَالَ﴾. ﴿إِنَّكُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَتَأْتُونَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿تَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الرفع خبر ﴿إِنّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿مَا﴾: نافية ﴿سَبَقَكُمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿بِهَا﴾ متعلق بـ ﴿سَبَقَ﴾. ﴿مِنْ﴾ حرف جر زائد. ﴿أَحَدٍ﴾: فاعل. ﴿مِنَ الْعَالَمِينَ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿أَحَدٍ﴾. والجملة الفعلية مستأنفة، مسوقة لتقرير فحشها وهجنة فاعلها، ورجح أبو حيان أن تكون هذه الجملة حالًا من فاعل ﴿تأتون﴾؛ أي: أتاتون الفاحشة حال كونكم مبتدعين لها غير مسبوقين بها.
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾.
﴿أَئِنَّكُمْ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري ﴿إنَّكُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَتَأْتُونَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿تَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة ﴿إنَّ﴾ مستأنفة. ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿تَأْتُونَ﴾. ﴿وَتَأْتُونَ﴾: معطوف عليه أيضًا. ﴿فِي نَادِيكُمُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَأْتُونَ﴾. ﴿الْمُنْكَرَ﴾: مفعول به. ﴿فَمَا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فنهاهم عن الفاحشة، فما كان جواب قومه. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿جَوَابَ قَوْمِهِ﴾: خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم ومضاف إليه. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أن﴾، والجملة في تأويل مصدر مرفوع على أنه اسم ﴿كَانَ﴾ مؤخر؛ أي: فما كان جواب قومه إلا قولهم. ﴿ائْتِنَا﴾: فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به. ﴿بِعَذَابِ اللَّهِ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾ ﴿إِنْ﴾: حرف شرط: ﴿كُنْتَ﴾:
فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها ﴿مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ خبره وجواب ﴿إِن﴾ الشرطية محذوف، تقديره: إن كنت من الصادقين، فائتنا به، وجملة ﴿إِن﴾ الشرطية في محل النصب مقول قالوا.
﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (٣١)﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على ﴿لُوطٌ﴾، والجملة مستأنفة. ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة، حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿انْصُرْنِي﴾: فعل دعاء، وفاعل مستتر يعود على الرب، والنون للوقاية، والياء ضمير المتكلم في محل النصب مفعول به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿عَلَى الْقَوْمِ﴾: متعلق بـ ﴿انْصُرْنِي﴾. ﴿الْمُفْسِدِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْقَوْمِ﴾. ﴿وَلَمَّا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة على محذوف يقتضيه السياق، تقديره: فاستجاب الله دعاء لوط، وأرسل ملائكةً لإهلاكهم، وأمرهم أن يبشروا إبراهيم بالذرية، فجاؤوا أولًا إلى إبراهيم. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط غير جازم ﴿جَاءَتْ رُسُلُنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾: مفعول به. ﴿بِالْبُشْرَى﴾: متعلق بـ ﴿جَاءَتْ﴾ والجملة الفعلية فعل شرط لـ ﴿ما﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿لَمَّا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على تلك المحذوفة، أعني، قولنا: فجاؤوا أولًا إلى إبراهيم. ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه. ﴿مُهْلِكُو﴾: خبره مرفوع بالواو. ﴿أَهْلِ﴾: مضاف إليه، وهو مضاف ﴿هَذِهِ﴾: مضاف إليه. ﴿الْقَرْيَةِ﴾: صفة لـ ﴿هَذِهِ﴾ أو عطف بيان له، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿إِنَّ أَهْلَهَا﴾: ناصب واسمه. ﴿كَانُوا ظَالِمِينَ﴾: فعل ناقص واسمه وخبره، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾ على كونها معللة لما قبلها.
﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٣٢)﴾.
﴿قَالَ﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على إبرا هيم، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿فِيهَا﴾: خبر مقدم لـ ﴿إِنَّ﴾. ﴿لُوطًا﴾: اسمها مؤخر، وجملة ﴿إِنَّ﴾: في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا. ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿بِمَنْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾. ﴿فِيهَا﴾: جار ومجرور صلة ﴿مَن﴾ الموصولة. ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم. ﴿نُنَجِّيَنّ﴾: فعل مضارع في محل الرفع لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير مستتر يعود على الله، والهاء: ضمير متصل في محل النصب مفعول به. ﴿وَأَهْلَهُ﴾: معطوف على الضمير. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء. ﴿امْرَأَتَهُ﴾: منصوب على الاستثناء، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿كَانَتْ﴾: فعل ماض ناقص واسمها يعود على ﴿امْرَأَتَهُ﴾. ﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾: خبرها، وجملة كان في محل النصب حال من ﴿امْرَأَتَهُ﴾.
﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾.
﴿وَلَمَّا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة على محذوف، تقديره: فجاؤوا لوطًا. ﴿لَمَّا﴾: حرف شرط. ﴿أَنْ﴾: زائدة كما مر. ﴿جَاءَتْ رُسُلُنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿لُوطًا﴾: مفعول به، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَمَّا﴾. ﴿سِيءَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة كقيل وبيع، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿لُوطًا﴾. ﴿بِهِمْ﴾: متعلق به، والجملة جواب لما لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَمَّا﴾ معطوفة على تلك المحذوفة. ﴿وَضَاقَ﴾: فعل ماض معطوف على ﴿سِيءَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿لُوطًا﴾. ﴿بِهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿ضَاقَ﴾. ﴿ذَرْعًا﴾: تمييز محول عن نائب الفاعل؛ أي: ضاق ذرعه بهم.
﴿وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿قَالُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿سِيءَ﴾ على كونه جواب لما. ﴿لَا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَخَفْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على ﴿لُوطٌ﴾ مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿وَلَا تَحْزَنْ﴾ معطوف على ﴿لَا تَخَفْ﴾. ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه. ﴿مُنَجُّوكَ﴾: خبره مرفوع بالواو ومضاف إلى مفعوله. ﴿وَأَهْلَكَ﴾: منصوب بفعل محذوف، تقديره: وننجي أهلك. ولا يجوز عطفه على الكاف لعدم الفاصل، والجملة المحذوفة في محل الرفع معطوفة على ﴿مُنَجُّوكَ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿قَالُوا﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء. ﴿امْرَأَتَكَ﴾: منصوب على الاستثناء، وجملة ﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ في محل النصب حال من ﴿امْرَأَتَكَ﴾، كما مر آنفًا. ﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ﴾: ناصب واسمه وخبره. ﴿عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿مُنْزِلُونَ﴾، وجملة ﴿إِنّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿رِجْزًا﴾: مفعول ﴿بِمَا﴾. ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رِجْزًا﴾. ﴿بِمَا﴾ الباء حرف جر وسبب. ﴿مَا﴾: مصدرية. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَفْسُقُونَ﴾: خبره، وجملة ﴿كَان﴾ صلة ﴿مَا﴾ المصدرية. ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء؛ أي: بفسقهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿مُنْزِلُونَ﴾. ﴿وَلَقَدْ﴾: الواو استئنافية. و ﴿اللام﴾: موطئة للقسم. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿تَرَكْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْهَا﴾: متعلق بـ ﴿تَرَكْنَا﴾، أو هو المفعول الثاني لها. ﴿آيَةً﴾: مفعول به، أو مفعولها الأول؛ لأن ﴿تَرَكْ﴾ اختلف فيها النحاة، فمنهم من جعلها تتعدى إلى واحد، ومنهم من جعلها بمعنى صيَّر فتتعدى إلى مفعولين، وهو اختيار ابن مالك. ﴿بَيِّنَةً﴾: صفة ﴿آيَةً﴾. ﴿لِقَوْمٍ﴾: متعلق بـ ﴿تَرَكْنَا﴾، أو بـ ﴿آيَةً﴾، أو بـ ﴿بَيِّنَةً﴾، وهو أظهر، وجملة ﴿يَعْقِلُونَ﴾: صفة لـ ﴿قَوْمٍ﴾ وجملة ﴿تَرَكْ﴾: جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مع جوابه مستأنفة.
﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦)﴾.
﴿وَإِلَى﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إِلَى مَدْيَنَ﴾: متعلق بمحذوف معطوف على أرسلنا في قصة نوح؛ أي: وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا ﴿أَخَاهُمْ﴾: مفعول به. ﴿شُعَيْبًا﴾: بدل، أو عطف بيان منه. ﴿فَقَالَ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿قَال﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على شعيب، والجملة معطوفة على أرسلنا المحذوف. ﴿يَا قَوْمِ﴾: منادى مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾. ﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على ﴿اعْبُدُوا﴾. ﴿الْآخِرَ﴾ صفة لـ ﴿الْيَوْمَ﴾. ﴿وَلَا تَعْثَوْا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لَا﴾ الناهية. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلق به. ﴿مُفْسِدِينَ﴾ حال من فاعل ﴿تَعْثَوْا﴾ مؤكدة لعاملها، والجملة معطوفة على جملة ﴿اعْبُدُوا﴾.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٣٧) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨)﴾.
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿كَذَّبُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على قوله: ﴿فَقَالَ﴾. ﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾: فعل ومفعول. ﴿الرَّجْفَةُ﴾: فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾. ﴿فَأَصْبَحُوا﴾: فعل ناقص واسمه معطوف على ﴿كَذَّبُوهُ﴾. ﴿فِي دَارِهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿جَاثِمِينَ﴾. ﴿جَاثِمِينَ﴾: خبر ﴿أَصْبَحُ﴾. ﴿وَعَادًا﴾: مفعول لفعل محذوف معلوم من قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾، تقديره: وأهلكنا عادًا، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾، أو على جملة قوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾. ﴿وَثَمُودَا﴾: معطوف على ﴿عَادًا﴾ ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي؛ لأنه بمعنى القبيلة. ﴿وَقَدْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، أو حالية. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿تَبَيَّنَ﴾: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر، يعود على الإهلاك المفهوم من أهلكنا المقدر؛ أي: وقد تبين لكم إهلاكهم. ﴿لَكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿تَبَيَّنَ﴾. ﴿مِنْ مَسَاكِنِهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿تَبَيَّنَ﴾ أيضًا؛ أي: والحال أنه قد تبين لكم إهلاكهم من مساكنهم حين مررتم عليها، والجملة معطوفة على
أهلكنا المقدر، أو حالية. ﴿وَزَيَّنَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿زَيَّنَ﴾: فعل ماض. ﴿لَهُمُ﴾: متعلق به. ﴿الشَّيْطَانُ﴾: فاعل. ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾ مفعول به،
والجملة مستأنفة مسوقة لبيان سبب إهلاكهم. ﴿فَصَدَّهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿صَدَّهُمْ﴾: فعل ومفعول وفاعل مستتر. ﴿عَنِ السَّبِيلِ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿زَيَّنَ﴾. ﴿كَانُوا﴾: الواو: حالية. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿مُسْتَبْصِرِينَ﴾: خبره، والجملة في محل النصب حال من ضمير لهم.
﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (٣٩)﴾.
﴿وَقَارُونَ﴾: معطوف على ﴿عَادًا﴾. ﴿وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾: معطوفان عليه. ﴿وَلَقَدْ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. و ﴿اللام﴾: موطئة للقسم. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿جَاءَهُمْ مُوسَى﴾: فعل ومفعول وفاعل مؤخر. ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾: متعلق بـ ﴿جَاءَ﴾، والجملة جواب القسم، وجملة القسم مستأنفة. ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿جَاءَ﴾. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾. ﴿مَا﴾: ﴿الواو﴾: حالية. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿كَانُوا سَابِقِينَ﴾: فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾.
﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ﴾.
﴿فَكُلًّا﴾: ﴿الفاء﴾: تفسيرية؛ لأنها فسرت الأخذ الذي يدل عليه قوله: ﴿وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾، أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت قولنا وما كانوا سابقين، وأردت بيان عاقبة أمرهم فأقول لك: ﴿كُلًّا أَخَذْنَا﴾. ﴿كُلًّا﴾: مفعول مقدم لـ ﴿أَخَذْنَا﴾ ﴿أَخَذْنَا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، أو الجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب. ﴿بِذَنْبِهِ﴾ متعلق بـ ﴿أَخَذْنَا﴾.
﴿فَمِنْهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفصيل. ﴿وَمِنْهُمْ﴾: خبر مقدم. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿أَخَذْنَا﴾ مفصلة لها. ﴿أَرْسَلْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿حَاصِبًا﴾: مفعول به، والجملة صلة الموصول. ﴿وَمِنْهُمْ﴾: خبر مقدم. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة قوله: فمنهم من أرسلنا. ﴿أَخَذَتْهُ﴾: فعل ومفعول. ﴿الصَّيْحَةُ﴾: فاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ﴾: مبتدأ وخبر معطوف على جملة ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا﴾. ﴿خَسَفْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾ متعلق به ﴿الْأَرْضَ﴾: مفعول به، والجملة صلة الموصول.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ﴾: مبتدأ وخبر معطوف على الجملة الأولى. ﴿أَغْرَقْنَا﴾: فعل وفاعل والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: أغرقناه. ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَا﴾ نافية. ﴿كَانَ اللَّه﴾: فعل ناقص واسمه ﴿لِيَظْلِمَهُمْ﴾: اللام حرف نفي وجحود. ﴿يَظْلِمَهُمْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لظلمهم، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿كَانَ﴾، تقديره: وما كان الله مريدًا لظلمهم، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا﴾. ﴿وَلَكِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لَكِنْ﴾: حرف استدراك. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾: مفعول مقدم. لـ ﴿يَظْلِمُونَ﴾، وجملة ﴿يَظْلِمُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كَان﴾. والجملة الاستدراكية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ﴾، أو حال من مفعول ﴿يَظْلِمَهُمْ﴾.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)﴾.
﴿مَثَلُ﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: مضاف إليه. ﴿اتَّخَذُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿اتَّخَذُوا﴾؛ أي: حال كونهم مجاورين الله. ﴿أَوْلِيَاءَ﴾: مفعول به. ﴿كَمَثَلِ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ. ﴿الْعَنْكَبُوتِ﴾: مضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿اتَّخَذَتْ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على ﴿الْعَنْكَبُوتِ﴾. ﴿بَيْتًا﴾: مفعول به، والجملة في محل النصب حال من ﴿الْعَنْكَبُوتِ﴾. ﴿وَإِنَّ﴾: ﴿الواو﴾: حالية، كما في الجمل، أو استئنافية. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿أَوْهَنَ الْبُيُوتِ﴾: اسمها ومضاف إليه. ﴿لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾: خبر ﴿إنَّ﴾. واللام حرف ابتداء، والجملة مستأنفة، أو حال من ﴿الْعَنْكَبُوتِ﴾. ﴿لَوْ﴾: حرف شرط. ﴿كَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾: خبره، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف، تقديره: لو كانوا يعلمون أن مثلهم كمثل العنكبوت ما عبدوها، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢)﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿يَعْلَمُ﴾: خبره، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَدْعُونَ﴾. ﴿يَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: ما يدعونهم ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: حال من فاعل ﴿يَدْعُونَ﴾. ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ متعلق بـ ﴿يَدْعُونَ﴾. ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾: نافية. و ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ مفعول ﴿يَدْعُونَ﴾ على أن ﴿مِنْ﴾ زائدة لسبقها بالنفي، وجملة ﴿مَا يَدْعُونَ﴾: في محل النصب مفعول ﴿يَعْلَمُ﴾. ﴿وَهُوَ﴾: مبتدأ. ﴿الْعَزِيزُ﴾: خبر أول ﴿الْحَكِيمُ﴾: خبر ثان، والجملة مستأنفة.
﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤)﴾.
﴿وَتِلْكَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿تلك﴾: مبتدأ. ﴿الْأَمْثَالُ﴾: بدل، أو عطف بيان له، وجملة ﴿نَضْرِبُهَا﴾ خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾. ﴿لِلنَّاسِ﴾: متعلق بـ ﴿نَضْرِبُهَا﴾، ويجوز أن
تكون الأمثال خبر ﴿تِلْكَ﴾، وجملة ﴿نَضْرِبُهَا﴾ حالًا، أو خبرًا ثانيًا له. ﴿وَمَا﴾: ﴿الواو﴾: حالية. ﴿مَا﴾: نافية. ﴿يَعْقِلُهَا﴾: فعل ومفعول. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿الْعَالِمُونَ﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من مفعول ﴿نَضْرِبُهَا﴾. ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول به. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، والجملة مستأنفة. ﴿بِالْحَقِّ﴾: حال من فاعل ﴿خَلَقَ﴾، أو من مفعوله. والباء للملابسة. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿فِي ذَلِكَ﴾: خبر ﴿إِنَّ﴾: مقدم. ﴿لَآيَةً﴾: اسمها مؤخر. و ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾: صفة لـ ﴿لَآيَةً﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (٤٢)﴾.
﴿اتْلُ﴾: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وهو الواو، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به. ﴿أُوحِيَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿مَا﴾. ﴿إِلَيْكَ﴾: متعلق به، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾: حال من نائب فاعل أوحي. ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿اتْلُ﴾. ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿تَنْهَى﴾: خبر ﴿إِنَّ﴾. ﴿عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾: متعلق بـ ﴿تَنْهَى﴾ ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾: معطوف على ﴿الْفَحْشَاءِ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل إقامة الصلاة. ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية، و ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿ذِكْرُ اللَّهِ﴾: مبتدأ ومضاف إليه. ﴿أَكْبَرُ﴾: خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة. ﴿وَاللَّهُ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿اللَّهُ﴾: مبتدأ. وجملة ﴿يَعْلَمُ﴾: خبره، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿يَعْلَمُ﴾ وجملة ﴿تَصْنَعُونَ﴾ صلة ﴿مَا﴾ الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: ما تصنعونه.
التصريف ومفردات اللغة
﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ﴾ أصل (١) القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت، لكن إذا اعتُبر بفعل المتولي لذلك، يقال: قتل، وإذا اعتُبر بفوت الحياة، يقال: موت. ﴿أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ والفرق بين التحريق والإحراق، وبين الحرق، أن الأول: إيقاع ذات لهب في الشيء، ومنه استُعير أحرقني بلومه إذا بالغ في أذيته بلوم، والثاني: إيقاع حرارة في الشيء من غير لهب، كحرق الثوب بالدق، كما في "المفردات". كما مر.
﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ وآمن به متقارب في المعنى، كما مر. ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ قال في "المفردات": الهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره، إما بالبدن، أو باللسان، أو بالقلب، قال بعضهم: معناه إني راجع من نفسي ومن الكون إليه، فالرجوع إليه بالانفصال عما دونه، ولا يصح لأحد الرجوع إليه، وهو متعلق بشيء من الكون، حتى ينفصل عن الأكوان أجمع ولا يتصل بها.
﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ وأجر الدنيا الرزق الواسع الهني والمنزل الرحب، والمورد العذب، والزوجة الصالحة والثناء الجميل والذِكرُ الحسن، ﴿لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ جمع صالح وهو الباقي على ما ينبغي، يقال: طعام بعد صالح؛ أي: هو باق على حال حسنة.
﴿لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ الفاحشة الفعلة القبيحة، التي تنفر منها النفوس الكريمة.
﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك، وفيه سهولة، وقطع الطريق يقال: على وجهين:
أحدهما: يراد به قطع السير والسلوك.
والثاني: يراد به الغصب من المارة والسالكين للطريق؛ لأنه يؤدي إلى انقطاع الناس عن الطريق، فجُعل قطعًا للطريق، وكانوا يتعرضون للسابلة بالقتل وأخذ الأموال.
﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ﴾ قال في "كشف الأسرار": النادي مجمع القوم للسمر والأنس، وجمعه أندية اهـ والنادي والندوة والمنتدى مجلس القوم نهارًا أو المجلس ما داموا مجتمعين فيه وجمعه أندية ولا تقل في جمعه نوادٍ، وغلط صاحب المنجد حيث جمعه على نواد، ويقال: ما يندوهم النادي؛ أي: ما يُسمعهم المجلس. من كثرتهم. وقال الزمخشري: ولا يقال: للمجلس ناد إلا ما دام فيه أهله، فإذا قاموا عنه لم يبق ناديًا. ﴿الْمُنْكَرَ﴾ قال الراغب: المنكر كل شيء تحكم العقول الصحيحة بقبحه، أو تتوقف في استقباحه العقول وتحكم بقبحه الشريعة، انتهى.
﴿أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾؛ أي: قرية سذوم ﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾؛ أي: الباقين في العذاب، أو القرية، وهو لفظ مشترك في الماضي والباقي، يقال: فيما غير من الزمان؛ أي: فيما مضى. ويقال الفعل ماض وغابر؛ أي: باق.
﴿سِيءَ بِهِمْ﴾؛ أي: اعتراه المساءة بسببهم، مخافة أن يتعرض لهم قومه بسوء؛ أي: فاحشة. ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ الذرع الطاقة والقوة، وفي المصباح ضاق بالأمر ذرعًا عجز عن احتماله، وذرع الإنسان طاقته التي يبلغها وعبارة الزمخشري: وقد جعلت العرب ضيق الذراع، والذرع عبارةً عن فقد الطاقة، كما قالوا: رحب الذراع بكذا إذا كان مطيقًا له، والأصل فيه: أن الرجل إذا طالت ذراعه، نال ما لا يناله قصير الذراع، فضُرب ذلك مثلًا في العجز والقدرة، والذراع من الرجل من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى، والذراع من المقاييس طوله بين الخمسين والسبعين سنتيمترًا.
﴿رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ الرجز والرجس العذاب من قولهم: ارتجز وارتجس إذا اضطرب وارتعش لما يلحق المعذب من القلب والاضطراب.
﴿وَلَا تَعْثَوْا﴾؛ أي: ولا تفسدوا، وفي "المصباح" عثا يعثو وعثي يعثى، من باب قال وتعب أفسد، فهو عاث. وفي "القاموس": وعثا كرمى وسعى ورضي عثيًا وعثيًّا وعثيانًا وعثا يعثو عثوًا أفسد.
﴿الرَّجْفَةُ﴾ الزلزلة الشديدة، وفي "الأساس": ورجفت الأرض فأخذتهم الرجفة. ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾ ورجف الشجر وأرجفته الريح، ورجف البعير
تحت الرحل، والمطي تحت رحالها إذا اضطرب.
﴿جَاثِمِينَ﴾؛ أي: مقيمين من جثم الطائر إذا قعد ولصق بالأرض، والمراد أنهم ماتوا. ﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ يقال استبصر في أمره إذا كان ذا بصيرة. ﴿وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ من قولهم: سبق طالبه إذا فاته ولم يدركه، قال الراغب: أصل السبق المتقدم في السير، ثم تجوِّز به في غيره من المتقدم، كما قال بعضهم: إن الله تعالى طالب كل مكلف بجزاء عمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. ﴿أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ قال بعضهم: الأخذ أصله باليد، ثم يستعار في مواضع، فيكون بمعنى القبول، كما في قوله: ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾؛ أي: قبلتم عهدي، وبمعنى التعذيب في هذا المقام، قال في "المفردات": الأخذ حوز الشيء وتحصيله، وذلك تارةً بالتناول، نحو ﴿مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ﴾ وتارةً بالقهر، نحو ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ ويقال: أخذته الحمي، ويعبر عن الأسير بالمأخوذ والأخيذ.
﴿حَاصِبًا﴾ الحاصب الريح العاصفة فيها حصباء، وفي "المختار": عصفت الريح اشتدت، وبابه ضرب وجلس. اهـ. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ والإغراق كما في "التاج": والغرق الرسوب في الماء؛ أي: السفول والنزول فيه.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ مثل الشيء بفتحتين صفته، كما في "المختار"، والاتخاذ افتعال من الأخذ، والمراد بالأولياء الآلهة والأصنام.
﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ﴾ والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، والغالب في الاستعمال التأنيث، وتاؤه كتاء طاغوت؛ أي زائدة لا للتأنيث، وهي دويبة معروفة تنسج من لعابها خيوطًا، وتصيد بذلك النسيج طعامها، والجمع عناكب وعنكبوتات، والعنكب ذكرها، والجمع عناكب وعناكيب والعنكبة والعنكباة والعكنباة أنثاها، والجمع عناكب وعناكيب.
وقال علماء التصريف: والعنكبوت معروف، ونونه أصلية، والواو والتاء مزيدتان بدليل قولهم: في الجمع عناكب وفي التصغير عنيكيب، ويذكّر ويؤنّث، وهذا مطرد في أسماء الأجناس، وقال ابن يعيش في شرح المفصل: ومن ذلك
فعللوت، قالوا عنكبوت وتخربوت، ولم يأت صفةً فالعنكبوت معروفة، وهي دويبة تنسج لها بيوتًا من خيوط واهية، والتخربوت الناقة الفارهة، والواو والتاء في آخرهما زائدتان زيدًا في آخر الرباعي، كما زيدا في آخر الثلاثي من نحو ملكوت ورهبوت.
﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ﴾ جمع مثل، والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول؛ أي: تشبيه حال الثاني بالأول. ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ قال في "المفردات": ضرب المثل هو من ضرب الدرهم اعتبارًا بضربه بالمطرقة، وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره.
﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ قال الإِمام الراغب في "المفردات": العقل يقال: للقوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة عقل، ولهذا قال أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -:
| أقُوْلُ الْعَقْلُ عَقْلاَنِ | فَمَطْبُوْعٌ وَمَسْمُوْعُ |
| وَلاَ يَنْفَعُ مَطْبُوْعٌ | إِذَا لَمْ يَكُ مَسْمُوْعُ |
| كَمَا لَا تَنْفَعُ الشَمْسُ | وَضَوْءُ الْعَيْنِ مَمْنُوْعُ |
﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ التلاوة القراءة على سبيل التوالي، والإيحاء إعلام في الخفاء، ويقال: للكلمة الإلهية التي تُلقى إلى الأنبياء وحي، والله أعلم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع: صفحة رقم 440
فمنها: الترديد بين قتله وإحراقه في قوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ فقد يكون ذلك من قائلين ناس أشاروا بالقتل، وناس أشاروا بالإحراق، وفي سورة الأنبياء ﴿حَرِّقُوهُ﴾ اقتصروا على أحد الأمرين، وهو الذي فعلوه، فرموه في النار ولم يقتلوه، اهـ من "النهر". وعبارة الرازي: ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ﴾؛ أي: قال رؤساء القوم لأتباعهم؛ لأن الجواب لا يصدر إلا من الأكابر، والقتل لا يباشره إلا الإتباع اهـ.
ومنها: أسلوب الإيجاز في قوله: ﴿أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ أي: حرقوه في النار، وفي قوله: ﴿فَأَنْجَاهُ اللَّهُ﴾؛ أي: فقذفوه في النار، فأنجاه الله من النار.
ومنها: التأكيد بعدة مؤكدات، والإطناب بتكرار الفعل، تهجينًا لعملهم القبيح، وتوبيخًا لهم، في قوله: ﴿إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ الآية.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: ﴿إِئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾.
ومنها: الاستهزاء والسخرية في قوله: ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾؛ أي: إن كنت صادقًا فائتنا به.
ومنها: فن الإشارة في قوله: ﴿إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾؛ لأنه ليس المراد إخبارهم يكون لوط في القرية، وإنما هو جدال في شأنه؛ لأنهم ذكروا أن أهلها سيهلكون بسبب إمعانهم في الظلم، فاعترض عليهم، بأن فيها من هو بريء الساحة من الذنب، لم يجترح ذنبًا، ولم يقترف إثمًا، ولم يشارك قومه فيما هم ممعنون فيه من غي وارتكاس، وفي هذا كله أيضًا، إشارة إلى أن من واجب الإنسان المؤمن أن يتحزن لأخيه، وأن يسارع إلى رد الحيف عنه، ويتشمر للدفع عنه، وهذا من بليغ الإشارة وخفيِّها.
ومنها: التنكير لإفادة التهويل في قوله: ﴿رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ﴾؛ أي: رجزًا عظيمًا هائلًا.
ومنها: تقديم المفعول على عامله للعناية والاهتمام في قوله: {فَكُلًّا أَخَذْنَا
بِذَنْبِه}.
ومنها: الإجمال ثم التفصيل في قوله: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾؛ لأن فيه إجمالًا، وفي قوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ إلخ؛ لأن فيه تفصيلًا لما أجمل أولًا.
ومنها: التشبيه التمثيلي في قوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ حيث شبه حال من اتخذ الأصنام أولياء وعبدها، واعتمد عليها راجيًا نفعها وشفاعتها، بحال العنكبوت التي اتخذت بيتًا، فكما أن بيتها لا يدفع عنها حرًا، ولا بردًا ولا مطرًا ولا أذًى، وينتقض بأدنى ريح، فكذلك الأصنام لا تملك لعابديها نفعًا ولا ضرًا ولا خيرًا ولا شرًا، فالآية من قبيل تشبيه الهيئة بالهيئة، لتشبيه حال الكفار بحال العنكبوت، وسمي تمثيليًا؛ لأن وجه المشبه فيه صورة منتزعة من متعدد.
ومنها: توافق الفواصل في الحرف الأخير، وما فيه من جرس عذب بديع، مثل ﴿انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ - ﴿إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ ومثل ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ - ﴿آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ مثلًا، وهو من خصائص القرآن.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ في الدُّنْيَا وَإِنَّهُ في الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾؛ لأنه كناية عن ضيق صدره وغم قلبه.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾.
ومنها: الحال المؤكدة في قوله: ﴿وَلَا تَعْثَوْا في الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾ تفخيمًا لشأنها.
ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ}.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
الحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على أفضل الكائنات، سيدنا محمد وعلى آله وجميع الصحابات (١).
* * *
وهذا آخر المجلد الحادي والعشرين، ويليه المجلد الثاني والعشرين وأوله: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ انتهى التصحيح في ١٦/ ١/ ١٤١٨ هـ.
وما أحسن قول القائل:
| إِذَا رَأيْتَ أَثِيْمَا | كُنْ سَاتِرًا وَحَلِيْمَا |
| يَا مَنْ يُقَبِّحُ شَرْحِيْ | لِمَ لَا تَمُرُّ كَرِيْمَا |
| كُنْ مِنَ الخَلْقِ جَانِبَا | وَارْضَ بِاللهِ صَاحِبَا |
| قَلِّبِ الخَلْقَ كَيْفَ شِئْـ | ـتَ تَجِدْهُ عَقَارِبَا |
| أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا كِظِلِّ سَحَابَةٍ | أَظَلَّتْكَ يَوْمًا ثُمَّ عَنْكَ اضْمَحَلَّتِ |
| فَلاَ تَكُ فَرْحَانًا بِهَا حِيْنَ اقْبَلَتْ | وَلاَ تَكُ جَزْعَانًا بِهَا حِيْنَ وَلَّتِ |
| سَقَامُ الْحِرْصِ لَيْسَ لَهُ شِفَاءُ | وَدَاءُ الْجَهْلِ لَيْسَ لَهُ طَبْيْبُ |
| وَفُيْ الْجَهْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَوْتٌ لأَهْلِهِ | وَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ |
| وَإِنِ امْرَأً يَحْيَى بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ | وَلَيْسَ لَهُ حِيْنَ النُّشُوْرِ نُشُوْرُ |
| تَسَاوَى الْكُلُّ مِنَّا فِيْ الْمَسَاويْ | فَأَفْضَلُنَا فَتِيْلًا مَا يُسَاوِيْ |