
مجاهد «١» : كانوا يأتون الرجالَ في مَجَالِسِهِمْ وبعضُهُمْ يرى بَعْضاً.
وقال ابن عباس «٢» : كانوا يَتَضَارَطُونَ ويَتَصَافَعُونَ في مجالسهم، وقيل غير هذا، وقد تقدم قصص الآيةِ مكَرِّراً والرجزُ: العذابُ.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها أي: من خبرها وما بقي من آثارها، والآية:
موضع العبرة، وعلامة القدرة، ومزدجر النفوس عن الوقوع في سخط الله تعالى.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٣٦ الى ٤١]
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)
وقوله تعالى: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ... الآية، الرجاء في الآية: على بابه، وذهب أبو عُبَيْدَةَ إلى أن المعنى: وخافوا، وتَعْثَوْا معناه: تفسدوا، والسَّبِيلِ: هي طريق الإيمان، ومنهجُ النجاة من النار، وما كانُوا سابِقِينَ، أي: مفلتين أخذنا وعقابنا، وقيل: معناه: وما كانوا سابقينَ الأمَمَ إلى الكُفْر، وباقي الآية بيّن.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٤٢ الى ٤٥]
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥)
(٢) ذكره ابن عطية (٤/ ٣١٥).

وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، قيل: معناه: إن الله يعلم الذين تدعون من دونه من جميع الأشياء، وقيل: ما نافية وفيه نظر، وقيل: ما استفهامية، قال جابر: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ: العَالِمُ:
مَنْ عَقَلَ عَنِ اللهِ تعالى فَعَمِلَ بطاعته وانتهى عن معصيته.
وقوله تعالى: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي: لا للعبث واللعب بل ليدل على سلطانه وتثبيت شرائعه، ويضع الدلالة لأهلها ويعم بالمنافع إلى غير ذلك مما لا يحصى عداً. ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام بالنفوذ لأمره وتلاوة القرآن الذي أُوحِيَ إليه، وإقامة الصلاة، أي: إدامتها والقيام بحدودها. ثم أخبر سبحانه حُكْماً منه أن الصلاة تنهى صاحبَها وممتثلَها عن الفحشاء والمنكر.
قال ع «١» : وذلك عندي بأن المصلي إذا كان على الواجبِ من الخشوعِ، والإخبات «٢» وتذكرِ الله، وَتَوَهِّمِ الوقوف بين يديه، وإنَّ قلبه وإخلاصه مُطّلَعٌ عليه مَرْقُوبٌ صَلُحَتْ لذلك نَفْسُهُ، وتذلَّلَتْ، وخَامَرَها ارتقابُ الله تعالى فاطَّرَدَ ذلك في أقواله، وأفعاله، وانتهَى عن الفحشاء والمنكر، ولم يكَدْ يَفْتُرُ من ذلك حتى تظله صلاةٌ أخْرى يرجع بها إلى أفضل حاله فهذا معنى هذا الإخبار لأن صلاةَ المؤمن هكذا ينبغي أن تكون، وقد رُوِيَ عن بعض السلف: أنه كان إذا أقام الصلاة ارتعد، واصفر لونُه، فكُلِّم في ذلك، فقال: إني أقف بين يدي الله تعالى.
قال ع «٣» : فهذه صلاة تنهى- ولا بد- عن الفحشاء/ والمنكر، وأما من كانت ٦٢ ب صلاته دائرةً حول الإجزاء، بلا تذكر ولا خشوع، ولا فضائل فتلك تترك صاحبَها من منزلته حيثُ كانَ.
وقوله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ قال ابن عباس «٤» وأبو الدرداء «٥» وسلمان «٦» وابن
(٢) أخبت لله: خشع. وأخبت إلى ربه أي اطمأن إليه. والإخبات: الخشوع والتواضع.
ينظر: «لسان العرب» ١٠٨٧.
(٣) ينظر: «المحرر» (٤/ ٣١٩).
(٤) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١٤٦) رقم (٢٧٧٩٠)، وذكره البغوي (٣/ ٤٦٩)، وابن عطية (٤/ ٣٢٠)، وابن كثير (٣/ ٤١٥)، والسيوطي (٥/ ٢٨٠)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٥) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١٤٧) رقم (٢٧٨٠١) بنحوه، وذكره ابن عطية (٤/ ٣٢٠)، وابن كثير (٣/ ٤١٥)، والسيوطي (٥/ ٢٨١)، بنحوه، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي الدرداء.
(٦) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١٤٧) رقم (٢٧٨٠٢)، وذكره ابن عطية (٤/ ٣٢٠)، وابن كثير (٣/ ٤١٥).

مسعود «١» وأبو قرة «٢» : معناه: ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
وقيل: معناه: ولذكر الله أكبر مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر. وقال ابن زيد وغيره: معناه: ولذكر الله أكبر «٣» من كل شيء. وقيل لسلمان: أيُّ الأعمالِ أفضل؟ فقال: أَمَا تَقْرَأُ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ. والأحاديثُ في فَضْلِ الذّكْر كثيرةٌ لا تنحصر.
وقال ابن العربي في «أحكامه» «٤» : قوله: ولَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ فيه أربعة أقوال:
الأول: ذكر الله لكم أفضلُ من ذكرِكم له أضاف المصدر إلى الفاعل.
الثاني: ذكر الله أفضل من كل شيء.
الثالث: ذكر الله في الصلاة أفضل من ذكره في غيرها يعني: لأنهما عبادتان.
الرابع: ذكر الله في الصلاة أكبر من الصلاة وهذه الثلاثة الأخيرة من إضافة المصدر إلى المفعول، وهذه كلها صحيحةٌ، وإن للصلاةِ بركةً عظيمةً، انتهى.
قال ع «٥» : وعندي، أن المعنى: ولذكر الله أكبر على الإطلاق، أي: هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، فالجُزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك، وكذلك يفعل في غير الصلاة، لأنَّ الانتهاءَ لا يكونُ إلا من ذَاكِرٍ للَّهِ تعالى، مراقب له، وثوابُ ذلك الذكر أن يذكُرَه الله تعالى، كما في الحديث الصحيح: «ومن ذَكَرَنِي فِي مَلإِ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإِ خَيْرٍ مِنْهُمْ» «٦» والحركاتُ التي في الصلاة لا تأثيرَ لها في نهي، والذكرُ النافع هو مع العلم وإقبال القلب وتفرُّغه إلا من الله تعالى. وأما ما لا يتجاوز اللسانَ ففي رتبة أخرى، وذكر الله تعالى للعبد هو إفاضةُ الهدى ونور العلم عليه وذلك ثمرة ذكر العبد ربّه.
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١٤٧) رقم (٢٧٨٠٣)، وذكره ابن عطية (٤/ ٣٢٠)، والسيوطي (٥/ ٢٨٠)، وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير عن جابر قال: سألت أبا قرة.
(٣) ذكره ابن عطية (٤/ ٣٢٠).
(٤) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١٤٨٧).
(٥) ينظر: «المحرر» (٤/ ٣٢٠). [.....]
(٦) تقدم تخريجه، وهو حديث: «أنا عند ظن عبدي بي».