
شهد إبراهيم هذا الموقف مع لوط، وعلم سبب حضورهم إليه، لكن لماذا سيء بهم، مع أنهم رسل الله ملائكة جاءوه على أحسن صورة؟ قالوا: لأن الملَك يأتي على أجمل صورة، حتى إذا أردنا أن نمدح شخصاً بالجمال نقول: مثل الملاك، ومن ذلك قول النسوة
صفحة رقم 11148
لامرأة العزيز عن يوسف عليه السلام: ﴿مَا هذا بَشَراً إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف: ٣١].
فلما رآهم لوط على هذه الصورة خاف عليهم، بدل أنْ يفرح بمرآهم الجميل؛ لأن قومه قوم سوء وأهل رذيلة، ولا بُدَّ أنْ ينالوا ضيوفه بسوء؛ لذلك ﴿سِيءَ بِهِمْ... ﴾ [العنكبوت: ٣٣] أي: أصابه السوء بسببهم ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً... ﴾ [العنكبوت: ٣٣] الذرع هو طول الذراعين، فنقول: فلان باعُه طويل. يعني: يتناول الأشياء بسهولة؛ لأن يده طويلة، فالمعنى: ضاق بهم ذَرْعاً. يعني: لم يتسع جهده لحمايتهم من القوم.
ونلحظ هنا اختلاف السياق بين الآيتين: ﴿وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ... ﴾ [العنكبوت: ٣١] أما في لوط فقال: ﴿وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً... ﴾ [العنكبوت: ٣٣] لأنهم تأخروا بعض الشيء عند إبراهيم عليه السلام.
فلما أن أصابه السوء بمرآهم، بدل أنْ يسعد بهم، وخاف عليهم طمأنوه ﴿وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾ [العنكبوت: ٣٣] لا تخَفْ علينا من هؤلاء الأراذل، فلسنا بشراً، إنما نحن ملائكة ما جئْنا إلا لنريحك منهم، ونقطع جذور هذه الفِعْلة الخبيثة، وسوف ننجيك وأهلك من العذاب النازل بهم.
ثم يستثنون من أهله ﴿إِلاَّ امرأتك... ﴾ [العنكبوت: ٣٣] فكثيراً ما ضايقته، وأفشتْ أسراره، ودلَّتْ القوم على ضيوفه ﴿كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾ [العنكبوت: ٣٣] الباقين في العذاب.
لكن، ما الطريقة التي ستقضون بها على هؤلاء القوم؟