آيات من القرآن الكريم

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة وطبائع متغايرة وأخلاق شتّى. فإن ترتيب النظر على السير في الأرض، مؤذن يتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ أي الخلق الآخر إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ أي بعد النشأة الثانية، وهم المنكرون لها وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وهم المؤمنون بها وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ أي بالتواري في الأرض، ولا بالتحصن في السماء التي هي أفسح منها، لو استطعتم الرقيّ فيها. أو القلاع الذاهبة فيها. فيكون المراد بالسماء ما ارتفع. وقيل: المعنى (ولا من في السماء) فحذف اسم الموصول وهو مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير (ولا من في السماء بمعجزه) والجملة معطوفة على جملة (أنتم بمعجزين) وفيه تكلف وضعف صناعي وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أي يدافع عنكم ما يراد بكم وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ثم أشار تعالى إلى ما أجاب به قوم إبراهيم، بعد دعوته إياهم وعظاته البالغة، بقوله فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)
وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي لتتوادّوا بينكم وتتواصلوا، لاجتماعكم على عبادتها ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

صفحة رقم 551

أي تتجاحدون ما كان بينكم، ويلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع. كما قال تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الأعراف:
٣٨]، وقال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:
٦٧]، وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
تنبيه:
قال السمين: في (ما) من قوله تعالى: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ ثلاثة أوجه:
أحدها- أنها موصولة بمعنى (الذي) والعائد محذوف، وهو المفعول الأول وأَوْثاناً مفعول ثان. والخبر (مودة) في قراءة من رفع. والتقدير: إن الذي اتخذتموه أوثانا مودة، أي ذو مودة، أو جعل نفس المودة مبالغة. ومحذوف على قراءة من نصب (مودة) أي: الذي اتخذتموه أوثانا لأجل المودة لا ينفعكم، أو يكون عليكم، لدلالة قوله: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ.
والثاني- أن تجعل (ما) كافة، و (أوثانا) مفعول به. و (الاتخاذ) ها هنا متعد لواحد. أو لاثنين، والثاني هو (من دون الله) فمن رفع (مودة) كانت خبر مبتدأ مضمر، أي هي مودة أي ذات مودة. أو جعلت نفس المودة مبالغة. والجملة حينئذ صفة ل (أوثانا) أو مستأنفة. ومن نصب كان مفعولا له، أو بإضمار (أعني).
الثالث- أن تجعل (ما) مصدرية، وحينئذ يجوز أن يقدر مضاف من الأول.
أي: أن سبب اتخاذكم أوثانا مودة، فيمن رفع (مودة) ويجوز أن لا يقدر، بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة. ومن القراء من رفع (مودة) غير منونة وجرّ (بينكم) ومنهم من نصب (مودة) منوّنة ونصب (بينكم) ومنهم من نصب (مودة) منونة وجرّ (بينكم). فالرفع تقدم. والنصب تقدم أيضا فيه وجهان. وجوّز ثالث، وهو أن يجعل مفعولا ثانيا عن المبالغة والإضافة، للاتساع في الظرف.
ونقل عن عاصم أنه رفع (مودة) غير منونة ونصب (بينكم) وخرجت على إضافة (مودة) للظرف. وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن.
وأشار العلامة القاشاني إلى جواز أن يكون قوله تعالى: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خبرا ل (ما) إن كانت اسمية. وهو وجه لم يتعرض له المعربون هنا، ولا مانع منه.
وعبارته:
إنما اتخذتم من دون الله، شيئا عبدتموه مودودا فيما بينكم (في الحياة الدنيا) أو: إن كل ما اتخذتم من دون الله، شيئا مودودا فيما بينكم في الحياة الدنيا، أو: إن كل ما اتخذتم أوثانا مودود في هذه الحياة الدنيا. أو لمودة بينكم في هذه، على القراءتين.

صفحة رقم 552
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية