
هم ناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا مسهم أذى من الكفار وهو المراد بفتنة الناس، كان ذلك صارفا لهم عن الإيمان، كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر. أو كما يجب أن يكون عذاب الله صارفا. وإذا نصر الله المؤمنين وغنمهم اعترضوهم وقالوا إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أى مشايعين لكم في دينكم، ثابتين عليه ثباتكم، ما قدر أحد أن يفتننا، فأعطونا نصيبنا من المغنم. ثم أخبر سبحانه أنه أعلم بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ من العالمين بما في صدورهم، ومن ذلك ما تكنّ صدور هؤلاء من النفاق، وهذا إطلاع منه للمؤمنين على ما أبطنوه، ثم وعد المؤمنين وأوعد المنافقين. وقرئ: ليقولنّ، بفتح اللام.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٢ الى ١٣]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)
أمروهم باتباع سبيلهم وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم فعطف الأمر على الأمر، وأرادوا: ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتبعوا سبيلنا وأن تحمل خطاياكم. والمعنى: تعليق الحمل بالاتباع، وهذا قول صناديد قريش: كانوا يقولون لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فإن عسى كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم. ونرى في المتسمين بالإسلام من يستن بأولئك فيقول لصاحبه- إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض العظائم-: افعل هذا وإثمه في عنقي. وكم من مغرور بمثل هذا الضمان من ضعفة العامّة وجهلتهم- ومنه ما يحكى أنّ أبا جعفر المنصور رفع إليه بعض أهل الحشو حوائجه، فلما قضاها قال: يا أمير المؤمنين، بقيت الحاجة العظمى. قال: وما هي؟ قال شفاعتك يوم القيامة، فقال له عمرو بن عبيد رحمه الله: إياك وهؤلاء، فإنهم قطاع الطريق في المأمن «١». فإن قلت: كيف سماهم