
قوله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ بضمائر العالمين وأسرارهم من الإيمان والنفاق، وغير ذلك، أي: لا يخفى عليه كذبهم فيما قالوا: ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ ننصركم على عدوكم.
قال صاحب النظم: دَلَّ بقوله: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ على أنهم كاذبون في قولهم: ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾.
١١ - وقوله: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال مقاتل: وليرين الله الذين صدقوا عند البلاء فثبتوا على الإسلام ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ بالشك عند البلاء (١) وترك الإيمان ورجوعهم إلى دينهم الأول. وذكرنا معنى: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾ آنفًا.
وقال صاحب النظم: دل بهذه الآية أن انقيادهم لمن آذاهم، وميلهم إليهم، وترك الصبر على الأذى في الله خروج من الإيمان، ودخول في الشرك في جملة المنافقين الذين لا يصبرون عند البلاء.
١٢ - وقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا﴾ قال مجاهد: هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم؛ قالوا لهم: لا نُبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا، فإن كان عليكم شيء فهو علينا (٢). ونحو هذا قال الكلبي (٣).
وقال مقاتل: قال أبو سفيان بن حرب، لعمر بن الخطاب، وعمار،
(٢) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ١٣٤، وابن أبي حاتم ٩/ ٣٠٣٩، عن مجاهد، وأخرجا نحوه عن الضحاك.
(٣) "تنوير المقباس" ٣٣٣.

وخباب، ومن آمن من قريش: اتبعوا ديننا ملة آبائنا، ونحن الكفلاء (١) بكل تبعة من الله تصيبكما فذلك قوله: ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ (٢).
قال الأخفش: جزم على الأمر؛ كأنهم أمروا أنفسهم (٣).
وقال الفراء: هو أمر فيه تأويل جزاء، كما أن قوله: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ [النمل: ١٨] نهي فيه تأويل الجزاء، وهو كثير في كلام العرب؛ قال الشاعر:
فقلتُ ادعِي وأَدْعُ فإنَّ أندى | لِصَوتٍ أن يُناديَ داعيانِ |
وقال صاحب النظم: قال لهم ارجعوا إلى ديننا لنضمن عنكم كلَّ ما يجئكم من ذلك. وذكر أبو إسحاق نحو ما قال الفراء؛ فقال: هو أمرٌ في تأويل الشرط والجزاء؛ المعنى: إن تتبعوا طريقنا الذي نسلكه في ديننا حملنا خطاياكم، إن كان فيه إثم فنحن نحتمله (٥).
(٢) "تفسير مقاتل" ٧١ ب.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٥٥.
(٤) أنشده سيبويه ٣/ ٤٥، ونسبه للأعشى، وفي الحاشية: لم يرد في ديوانه، وروي أيضًا للحطيئة، أو ربيعة بن جشم، أو دثار بن شيبان النمري. وقبله:
تقول خليلتي لما اشتكينا | سيدركنا بنو القرم الهجان |
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٦١.