آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥ

المفتونين المغلوبين، ثم أخبر تعالى عن الحشر والرجوع إلى الله تعالى في القيامة بأنه آت إذ قد أجله الله تعالى وأخبر به، وفي قوله مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ، تثبيت، أي من كان على هذا الحق فليوقن بأنه آت وليتزيد بصيرة، وقال أبو عبيدة يَرْجُوا هاهنا بمعنى يخاف، والصحيح أن الرجاء هاهنا على بابه متمكنا، قال الزجاج: المعنى لقاء ثواب الله، وقوله تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، معناه لأقوال كل فرقة، والْعَلِيمُ معناه بالمعتقدات التي لهم، وقوله تعالى: وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ، إعلام بأن كل واحد مجازى بفعله فهو إذا له، وهو حظه الذي ينبغي أن لا يفرط فيه فإن الله غني عن جهاده و «غني عن العالمين» بأسرهم، وهاتان الآيتان نبذ على سؤال الطائفة المرتابة المترددة في فتنة الكفار التي كانت تنكر أن ينال الكفار المؤمنين بمكروه وترتاب من أجل ذلك، فكأنهم قيل لهم من كان يؤمن بالبعث فإن الأمر حق في نفسه، والله تعالى بالمرصاد، أي هذه بصيرة لا ينبغي لأحد أن يعتقدها لوجه أحد، وكذلك من جاهد فثمرة جهاده له فلا يمن بذلك على أحد، وهذا كما يقول المناظر عند سوق حجته من أراد أن يرى الحق فإن الأمر كذا وكذا ونحو هذا فتأمله، وقيل: معنى الآية ومن جاهد المؤمنين ودفع في صدر الدين فإنما جهاده لنفسه لا لله فالله غني.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ذكره المفسرون وهو ضعيف، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية إخبار عن المؤمنين المهاجرين الذين هم في أعلى رتبة من البدار إلى الله تعالى رفع بهم عز وجل وبحالهم ليقيم نفوس المتخلفين عن الهجرة وهم الذين فتنهم الكفار إلى الحصول في هذه المرتبة ع و «السيئات»، الكفر وما اشتمل عليه ويدخل في ذلك المعاصي من المؤمنين مع الأعمال الصالحات واجتناب الكبائر، وفي قوله عز وجل وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ حذف مضاف تقديره ثواب أحسن الذي كانوا يعملون.
قوله عز وجل:
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٨ الى ١١]
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١)
قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ الآية، روي عن قتادة وغيره أنها نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص، وذلك أنه هاجر فحلفت أمه أن لا تستظل بظل حتى يرجع إليها ويكفر بمحمد فلج هو في هجرته، ونزلت الآية، وقيل نزلت في عياش بن أبي ربيعة، وذلك أنه اعتراه في دينه نحو من هذا بعد أن خدعه أبو جهل ورده إلى أمه الحديث في كتاب السيرة، ولا مرية أنها نزلت فيمن كان من المؤمنين بمكة يشقى بجهاد أبويه في شأن الإسلام أو الهجرة فكان القصد بهذه الآية النهي عن طاعة الأبوين في مثل هذا، لعظم الأمر

صفحة رقم 307

وكثرة الخطر فيه مع الله تعالى، ثم إنه لما كان بر الوالدين وطاعتهما من الأمر الذي قررته الشريعة وأكدت فيه وكان من القوي عندهم الملتزم قدم الله تعالى النهي عن طاعتهما، وقوله وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً على معنى أنا لا نخلّ ببر الوالدين لكنا لا نسلطه على طاعة الله لا سيما في معنى الإيمان والكفر وقوله: حُسْناً يحتمل أن ينتصب على المفعول، وفي ذلك تجوز ويسهله كونه عاما لمعان، كما تقول وصيتك خيرا أو وصيتك شرا، عبر بذلك عن جملة ما قلت له، ويحسن ذلك دون حرف جر كون حرف الجر في قوله بِوالِدَيْهِ لأن المعنى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بالحسن في فعله، مع والديه، ونظير هذا قول الشاعر: [الرجز]

عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا
خيرا بها فكأننا جافونا ويحتمل أن يكون المفعول الثاني في قوله بِوالِدَيْهِ وينتصب حُسْناً بفعل مضمر تقديره يحسن حسنا، وينتصب انتصاب المصدر، والجمهور على ضم الحاء وسكون السين، وقرأ عيسى «حسنا» بفتحهما، وقال الجحدري في الإمام مكتوب «بوالديه إحسانا» قال أبو حاتم يعني «في الأحقاف»، وقال الثعلبي في مصحف أبي بن كعب «إحسانا»، ووجوه إعرابه كالذي تقدم في قراءة من قرأ «حسنا». وقوله تعالى: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ وعيد في طاعة الوالدين في معنى الكفر، ثم كرر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين العاملين، ليحرك النفوس إلى نيل مراتبهم، وقوله تعالى: لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ مبالغة على معنى في الذين هم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته وإذا تحصل للمؤمنين هذا الحكم تحصل ثمره وجزاؤه وهو الجنة، وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ الآية إلى قوله الْمُنافِقِينَ نزلت في قوم من المسلمين كانوا بمكة مختفين بإسلامهم، قال ابن عباس: فلما خرج كفار قريش إلى بدر أخرجوا مع أنفسهم طائفة من هؤلاء فأصيب بعضهم فقال المسلمون كانوا أصحابنا وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [النساء: ٩٧]، قال فكتبت لمن بقي بمكة بهذه الآية أي لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة وردوهم إلى مكة فنزلت فيهم هذه الآية، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: ١١٠]، فكتب لهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجا فخرجوا فلحقهم المشركون فقاتلوهم فنجا من نجا وقتل من قتل، وقال ابن زيد: نزل قوله تعالى: جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ الآية في منافقين كفروا لما أوذوا، وقوله تعالى: جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ أي صعب عليه أذى الناس حين صده وكان حقه أن لا يلتفت إليه وأن يصبر له في جنب نجاته من عذاب الله، ثم أزال تعالى موضع تعلقهم ومغالطتهم أن جاء نصر، ثم قررهم على علم الله تعالى بما في صدورهم أي لو كان يقينا تاما وإسلاما خالصا لما توقفوا ساعة ولركبوا كل هول إلى هجرتهم ودار نبيهم وقوله تعالى: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ، تفسيره على حد ما تقدم في نظيره، وهنا انتهى المدني في هذه السورة.

صفحة رقم 308
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية