متع الحياة الدنيا، وأن العاقبة الحسنة قد جعلها- سبحانه- لعباده المتقين، وأنه- سبحانه- يجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، ببشارة النبي صلّى الله عليه وسلم، وبتثبيت قلبه، وبأمره بالمضي في تبليغ رسالة ربه بدون خوف أو وجل.. فقال- تعالى-:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٨٥ الى ٨٨]
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)
قال القرطبي: قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ..
ختم- سبحانه- السورة ببشارة نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم برده إلى مكة قاهرا لأعدائه. وقيل:
هو بشارة له بالجنة. والأول أكثر. وهو قول جابر بن عبد الله، وابن عباس، ومجاهد، وغيرهم.
قال القتبى: معاد الرجل بلده، لأنه ينصرف عنه ثم يعود إليه.. وقيل إلى معاد. أى:
إلى الموت. «١».
قال الآلوسى: وقد يقال: أطلق- سبحانه- المعاد على مكة، لأن العرب كانت تعود إليها في كل سنة، لمكان البيت فيها، وهذا وعد منه- عز وجل- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم وهو بمكة أنه- عليه الصلاة والسلام- يهاجر منها ثم يعود إليها. وروى عن غير واحد أن الآية نزلت
بالجحفة بعد أن خرج صلّى الله عليه وسلّم من مكة مهاجرا واشتاق إليها، ووجه ارتباطها بما تقدمها:
تضمنها الوعد بالعاقبة الحسنى في الدنيا، كما تضمن ما قبلها الوعد بالعاقبة الحسنى في الآخرة «١».
والمعنى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ- أيها الرسول الكريم-، بأن أنزله إليك، وكلفك بحفظه وتلاوته على الناس، والعمل بأوامره ونواهيه.
لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ أى: لرادك إلى المكان الذي أنت فيه وهو مكة، بعد أن تهاجر منه.
تعود إليه ظاهرا منتصرا، بعد أن خرجت منه وأنت مطارد من أعدائك.
تعود إليه ومعك الآلاف من أتباعك بعد أن خرجت منه وليس معك سوى صاحبك أبى بكر الصديق- رضى الله عنه-.
وقد حقق الله- تعالى- هذا الوعد لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فقد عاد الرسول إلى مكة ومعه أصحابه المؤمنون، بعد سنوات قليلة من هجرتهم منها.
قال صاحب الكشاف: «ووجه تنكيره- أى لفظ المعاد- أنها كانت في ذلك اليوم معادا له شأن، ومرجعا له اعتداد، لغلبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليها، وقهره لأهلها، لظهور عز الإسلام وأهله، وذل الشرك وحزبه «٢».
ثم أرشد- سبحانه- نبيه إلى ما يرد به على دعاوى المشركين فقال: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى، وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لمن خالفك وكذبك، ربي وحده هو الأعلم بالمهتدى وبالضال منى ومنكم، وسيجازى كل فريق بما يستحقه، وستعلمون- أيها المشركون- لمن عقبى الدار.
ثم ذكره- سبحانه- بنعمة اختصاصه بالنبوة وحمل الرسالة، فقال: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ.
أى: وما كنت- أيها الرسول الكريم- قبل وحينا إليك بالرسالة، تتوقع أو تظن أننا سنكلفك بها، لكننا كلفناك بها وشرفناك بحملها رحمة منا بالناس فأنت الرحمة المهداة والنعمة المسداة إليهم، لإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
وما دام الأمر كذلك، فأكثر من شكر الله- تعالى- وامض في طريقك فلا تكونن
(٢) تفسير الكشاف ح ٣ ص ٤٢٦.
ظَهِيراً أى: معينا ونصيرا لِلْكافِرِينَ.
وَلا يَصُدُّنَّكَ الصادّون عَنْ تبليغ آياتِ اللَّهِ- تعالى- وعن العمل بها بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ من ربك.
وَادْعُ الناس جميعا إِلى دين رَبِّكَ وإلى طريقه وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين أشركوا مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة والطاعة.
وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ- تعالى- إِلهاً آخَرَ أى: واحذر أن تعبد مع الله- تعالى- إلها آخر، فإن الحال والشأن والحق أنه لا إِلهَ مستحق للعبادة إِلَّا هُوَ وحده عز وجل.
كُلُّ شَيْءٍ في هذا الوجود هالِكٌ ومعدوم وزائل إِلَّا وَجْهَهُ- عز وجل-.
لَهُ- سبحانه- الْحُكْمُ النافذ الذي لا مرد له.
وَإِلَيْهِ وحده تُرْجَعُونَ- أيها الناس- فيحاسبكم على ما قدمتم وما أخرتم يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.
وبعد: فهذه سورة القصص، وهذا تفسير لها، نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القاهرة- مدينة نصر صباح السبت ٢ من رجب سنة ١٤٠٥ هـ الموافق ٢٣/ ٣ ١٩٨٥ م د. محمد سيد طنطاوى
فهرس إجمالى لتفسير سورة «المؤمنون»
رقم الآية الآية المفسرة الصفحة مقدمة وتمهيد ٥ ١ قد أفلح المؤمنون ١١ ١٢ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة ١٦ ١٧ ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ١٩ ٢٣ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ٢٣ ٣١ ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ٣٠ ٤٢ ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ٣٥ ٥٣ فتقطعوا أمرهم بينهم ٤١ ٥٧ إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ٤٣ ٦٣ بل قلوبهم في غمرة من هذا ٤٦ ٦٨ أفلم يدبروا القول ٤٩ ٧٥ ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ٥٤ ٧٨ وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار ٥٦ ٨١ بل قالوا مثل ما قال الأولون ٥٧ ٩٠ بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ٦٠ ٩٣ قل رب إما تريني ما يوعدون ٦١ ٩٩ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ٦٣ ١١٢ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين ٦٧
فهرس إجمالى لتفسير سورة «النور»
رقم الآية الآية المفسرة رقم الصفحة مقدمة وتمهيد ٧٣ ١ سورة أنزلناها وفرضناها ٧٧ ٢ الزانية والزاني فاجلدوا ٧٨ ٤ والذين يرمون المحصنات ٨٥ ٦ والذين يرمون أزواجهم ٨٨ ١١ إن الذين جاءوا بالإفك ٩٢ ١٩ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ٩٩ ٢٣ إن الذين يرمون المحصنات ١٠٣ ٢٧ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا ١٠٨ ٣٠ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ١١٤ ٣٢ وأنكحوا الأيامى منكم ١٢٠ ٣٥ الله نور السموات والأرض ١٢٦ ٣٩ والذين كفروا أعمالهم كسراب ١٣٢ ٤١ ألم تر أن الله يسبح له من في السموات ١٣٥ ٤٣ ألم تر أن الله يزجى سحابا ١٣٧ ٤٦ لقد أنزلنا آيات مبينات ١٤١ ٥٥ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ١٤٦ ٥٨ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم ١٥٠ ٦١ ليس على الأعمى حرج ١٥٤ ٦٢ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ١٥٨
فهرس إجمالى لتفسير «سورة الفرقان»
رقم الآية الآية المفسرة رقم الصفحة مقدمة وتمهيد ١٦٥ ١ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ١٦٩ ٤ وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك ١٧٢ ٧ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ١٧٤ ١٢ إذا رأتهم من مكان بعيد ١٧٧ ١٧ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله ١٨٠ ٢٠ وما أرسلنا قبلك من المرسلين ١٨٣ ٢١ وقال الذين لا يرجون لقاءنا ١٨٥ ٣٠ وقال الرسول يا رب إن قومي ١٩٢ ٣٥ ولقد آتينا موسى الكتاب ١٩٥ ٤١ وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا ١٩٩ ٤٥ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ٢٠٢ ٥٥ ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ٢١١ ٦٣ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ٢١٦ ٧٧ قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ٢٢٣
فهرس إجمالى لتفسير «سورة الشعراء»
رقم الآية الآية المفسرة رقم الصفحة مقدمة وتمهيد ٢٢٩ ١ طسم، تلك آيات الكتاب المبين ٢٣١ ١٠ وإذ نادى ربك موسى ٢٣٥ ١٨ قال ألم نربك فينا وليدا ٢٣٨ ٣٤ قال للملأ حوله إن هذا ٢٤٣ ٤٢ قال لهم موسى ألقوا ٢٤٦ ٥٢ وأوحينا إلى موسى ٢٤٨ ٦٩ واتل عليهم نبأ إبراهيم ٢٥٣ ٩٠ وأزلفت الجنة للمتقين ٢٥٨ ١٠٥ كذبت قوم نوح المرسلين ٢٦١ ١٢٣ كذبت عاد المرسلين ٢٦٤ ١٤١ كذبت ثمود المرسلين ٢٦٨ ١٦٠ كذبت قوم لوط المرسلين ٢٧١ ١٧٦ كذب أصحاب الأيكة ٢٧٤ ١٩٢ وإنه لتنزيل رب العالمين ٢٧٩ ٢٠٠ كذلك سلكناه في قلوب المجرمين ٢٨٢ ٢١٣ فلا تدع مع الله إلها آخر ٢٨٥ ٢٢١ هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ٢٨٩
فهرس إجمالى لتفسير «سورة النمل»
رقم الآية الآية المفسرة رقم الصفحة مقدمة وتمهيد ٢٩٥ ١ طس، تلك آيات القرآن ٢٩٩ ٧ إذ قال موسى لأهله إنى آنست نارا ٣٠٣ ١٥ ولقد آتينا داود وسليمان علما ٣١١ ٢٠ وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد ٣١٦ ٢٧ قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ٣٢٠ ٣٦ فلما جاء سليمان، قال أتمدونن بمال ٣٢٣ ٣٨ قال يا أيها الملأ أيكم يأتينى بعرشها ٣٢٥ ٤١ قال نكروا لها عرشها ٣٢٧ ٤٥ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا ٣٣٤ ٥٤ ولوطا إذ قال لقومه ٣٤٠ ٥٩ قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ٣٤٣ ٦٥ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ٣٤٩ ٧٦ إن هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل ٣٥٥ ٨٢ وإذا وقع القول عليهم، أخرجنا لهم دابة ٣٥٨ ٨٩ من جاء بالحسنة فله خير منها ٣٦٣
فهرس إجمالى لتفسير «سورة القصص»
رقم الآية الآية المفسرة رقم الصفحة مقدمة وتمهيد ٣٦٩ ١ طسم، تلك آيات الكتاب المبين ٣٧٣ ٧ وأوحينا إلى أم موسى ٣٧٧ ١٤ ولما بلغ أشده واستوى ٣٨٥ ٢٢ ولما توجه تلقاء مدين ٣٩١ ٢٩ فلما قضى موسى الأجل ٤٠٠ ٣٦ فلما جاءهم موسى بآياتنا ٤٠٦ ٤٤ وما كنت بجانب الغربي ٤١١ ٥٢ الذين آتيناهم الكتاب ٤١٩ ٥٦ إنك لا تهدى من أحببت ٤٢١ ٦٢ ويوم يناديهم فيقول ٤٢٧ ٧١ قل أرأيتم إن جعل الله ٤٣١ ٧٦ إن قارون كان من قوم موسى ٤٣٤ ٨٥ إن الذي فرض عليك القرآن ٤٤٢
[المجلد الحادي عشر]
بسم الله الرّحمن الرّحيم رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) صدق الله العظيم صفحة رقم 3سورة العنكبوت
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة وتمهيد١- سورة العنكبوت هي السورة التاسعة والعشرون في ترتيب المصحف، وكان نزولها بعد سورة الروم، أى: أنها من أواخر السور المكية في النزول، إذ أن ترتيبها في النزول الثالثة والثمانون من بين السور المكية، ولم ينزل بعدها قبل الهجرة سوى سورة المطففين «١» وعدد آياتها تسع وستون آية.
٢- وجمهور العلماء على أنها مكية، ومنهم من يرى أن فيها آيات مدنية.
قال الآلوسى: عن ابن عباس أنها مكية وذهب إلى ذلك- أيضا- الحسن وجابر وعكرمة. وعن بعضهم أنها آخر ما نزل بمكة... وقال يحيى بن سلام: هي مكية، إلا من أولها إلى قوله- تعالى-: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ... «٢».
والذي تطمئن إليه النفس أن سورة العنكبوت كلها مكية، وليس هناك روايات يعتمد عليها في كون بعض آياتها مدنية.
٣- وقد افتتحت سورة العنكبوت ببعض الحروف المقطعة الم، ثم تحدثت عن تكاليف الإيمان، وأنه يستلزم الامتحان والاختبار، ليميز الله الخبيث من الطيب، وعن الحسنة التي أعدها- سبحانه- لعباده المؤمنين الصادقين. قال- تعالى-: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ.
٤- ثم حكت جانبا من أقوال المشركين، ومن دعاواهم الكاذبة، وردت عليهم بما يبطل أقوالهم، وبما يزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم...
قال- تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ، وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ١٣٢.
٥- ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك، إلى الحديث عن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم، فأشارت إلى قصة نوح مع قومه، ثم ذكرت بشيء من التفصيل جانبا من قصة إبراهيم مع قومه، ومن قصة لوط مع قومه، وأتبعت ذلك بإشارات مركزة تتعلق بقصة شعيب وهود وصالح وموسى مع أقوامهم...
ثم اختتمت هذه القصص ببيان العاقبة السيئة التي صار إليها المكذبون لرسلهم، فقال- تعالى-: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
٦- ثم ضربت السورة الكريمة مثلا لحال الذين أشركوا مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة، فشبهت ما هم عليه من كفر وشرك- في ضعفه وهوانه وهلهلته- ببيت العنكبوت، وأمرت النبي ﷺ وأصحابه، أن يزدادوا ثباتا على ثباتهم، وأن يستعينوا على ذلك، بتلاوة القرآن الكريم، وبإقامة الصلاة، وبالإكثار من ذكر الله- تعالى-.
قال- سبحانه-: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ.
٧- ثم أمرت السورة الكريمة المؤمنين بأن يجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وأرشدتهم إلى ما يقولونه لهم، ومدحت من يستحق المدح منهم، وذمت من يستحق الذم، وأقامت الأدلة الساطعة على أن هذا القرآن من عند الله- تعالى-.
قال- سبحانه-: وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ، فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ.
٨- ثم وجه- سبحانه- نداء إلى المؤمنين، حضهم فيه على الهجرة من أرض الكفر إلى دار الإيمان، ورغبهم في ذلك بوسائل، منها: إخبارهم بأن الآجال بيد الله- تعالى- وحده، وكذلك الأرزاق بيده وحده، وأن من استجاب لما أمره الله- تعالى- به، أعطاه- سبحانه- الكثير من خيره وفضله.
قال- تعالى- يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ
٩- ثم ساق- سبحانه- في أواخر السورة، ألوانا من تناقضات المشركين، حيث إنهم إذا سألهم سائل عمن خلق السموات والأرض... قالوا: الله- تعالى- هو الذي خلقهما، ومع ذلك فهم يشركون معه في العبادة آلهة أخرى، وإذا أحاط بهم الموج وهم في السفن...
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ، وهم يعيشون في حرم آمن، والناس يتخطفون من حولهم.. ومع ذلك فهم بالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون.
هذا شأنهم، أما المؤمنون الصادقون فقد وعدهم الله- تعالى- بما يقر أعينهم فقال في ختام السورة: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.
١٠- وهكذا نرى هذه السورة الكريمة، وقد حدثتنا- من بين ما حدثتنا- عن الإيمان وتكاليفه، وعن سنن الله في خلقه، وعن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم، وعن هوان الشرك والشركاء، وعما يعين المؤمن على طاعة الله، وعن علاقة المؤمنين بغيرهم، وعن البراهين الساطعة الناطقة بأن هذا القرآن من عند الله، وعن أن المؤمن لا يليق به أن يقيم في مكان لا يستطيع فيه أن يؤدى شعائر دينه، وعن سوء عاقبة الأشرار، وحسن عاقبة الأخبار...
نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا جميعا من عباده الأخيار.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ، المؤلف د. محمد سيد طنطاوى