
عَلى عِلْمٍ عِنْدِي
أَيِ اللَّهُ أَعْطَانِي ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِي وَبِأَحْوَالِي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَمَا فَعَلَ وَقَوْلُهُ:
عِنْدِي أَيْ عِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، كَمَا يَقُولُ الْمُفْتِي عِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ أَيْ مَذْهَبِي وَاعْتِقَادِي ذَلِكَ، ثُمَّ أَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ كَلَامِهِ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِثْبَاتًا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَهْلَكَ قَبْلَهُ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَأَغْنَى لِأَنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ فِي التَّوْرَاةِ وَأَخْبَرَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسَمِعَهُ مِنْ حُفَّاظِ التَّوَارِيخِ كَأَنَّهُ قيل له: أو لم يَعْلَمْ فِي جُمْلَةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ هَذَا حَتَّى لَا يَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَالِهِ وَقُوَّتِهِ: الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا لِعِلْمِهِ بِذَلِكَ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي فَتَصَلَّفَ بِالْعِلْمِ وَتَعَظَّمَ بِهِ، قِيلَ أَعِنْدَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْعِلْمِ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَرَأَى نَفْسَهُ بِهِ مُسْتَوْجِبَةً لِكُلِّ نِعْمَةٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْعِلْمَ النَّافِعَ حَتَّى يَقِيَ بِهِ نَفْسَهُ مَصَارِعَ الْهَالِكِينَ؟
أَمَّا قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُ جَمْعاً فَالْمَعْنَى أَكْثَرُ جَمْعًا لِلْمَالِ أَوْ أَكْثَرُ جَمَاعَةً وَعَدَدًا، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ اغْتِرَارَهُ بِمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَجُمُوعِهِ مِنَ الْخَطَأِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ إِهْلَاكَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَا مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ أَضْعَافًا.
فأما قوله: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَاقَبَ الْمُجْرِمِينَ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذُنُوبِهِمْ وَكَمِّيَّتِهَا، لِأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى السُّؤَالِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وبين قوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الْحِجْرِ: ٩٢] قُلْنَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى وَقْتَيْنِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَذَكَرَ أَبُو مُسْلِمٌ وَجْهًا آخَرَ فَقَالَ: السُّؤَالُ قَدْ يَكُونُ لِلْمُحَاسَبَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّقْرِيرِ وَالتَّبْكِيتِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِعْتَابِ، وَأَلْيَقُ الْوُجُوهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الِاسْتِعْتَابُ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [النَّحْلِ:
٨٤] هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [المرسلات: ٣٥، ٣٦].
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٩ الى ٨١]
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يَا لَيْتَ لَنا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١)
أَمَّا قَوْلُهُ: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ بِأَظْهَرِ زِينَةٍ وَأَكْمَلِهَا وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا هَذَا الْقَدْرُ، إِلَّا أَنَّ النَّاسَ ذَكَرُوا وُجُوهًا مُخْتَلِفَةً فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الزِّينَةِ، قَالَ مُقَاتِلٌ خَرَجَ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ عَلَيْهَا سَرْجٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ فَارِسٍ على الخيول وعليها الثياب الأرجوانية ومعه ثلاثمائة جَارِيَةٍ بِيضٍ عَلَيْهِنَّ الْحُلِيُّ وَالثِّيَابُ الْحُمْرُ عَلَى الْبِغَالِ الشُّهْبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ خَرَجَ فِي تِسْعِينَ أَلْفًا هَكَذَا، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَلَى ثلاثمائة. وَالْأَوْلَى تَرْكُ هَذِهِ التَّقْرِيرَاتِ لِأَنَّهَا مُتَعَارِضَةٌ، ثُمَّ إن الناس لما رأوه على تِلْكَ الزِّينَةَ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَرْغَبُ في الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارُونُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالْأَمْوَالِ، وَالرَّاغِبُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْكُفَّارِ وَأَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُحِبُّونَ الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ الدِّينِ فَقَالُوا لِلَّذِينِ تَمَنَّوْا هَذَا وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ، لِأَنَّ لِلثَّوَابِ مَنَافِعَ عَظِيمَةً وَخَالِصَةً عَنْ شَوَائِبِ الْمَضَارِّ وَدَائِمَةً، وَهَذِهِ النِّعَمُ الْعَاجِلَةُ

عَلَى الضِّدِّ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَيْلَكَ أَصْلُهُ الدُّعَاءُ بِالْهَلَاكِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ وَالْبَعْثِ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يُرْتَضَى.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَا يُوَفَّقُ لَهَا وَالضَّمِيرُ فِي يُلَقَّاهَا إِلَى مَاذَا يَعُودُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً يَعْنِي هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يُؤْتَاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ وَالثَّانِي: قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي، وَلَا يُلَقَّى هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَهِيَ قَوْلُهُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ إِلَّا الصَّابِرُونَ عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَاتِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَعَلَى الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ فِي كُلِّ مَا قَسَمَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا أَشِرَ وَبَطِرَ وَعَتَا خَسَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ جَزَاءً عَلَى عُتُوِّهِ وَبَطَرِهِ، وَالْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الْفَاءَ تُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ وَثَانِيهَا: قِيلَ إِنَّ قَارُونَ كَانَ يُؤْذِي نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّ وَقْتٍ وَهُوَ يُدَارِيهِ لِلْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا حَتَّى نَزَلَتِ الزَّكَاةُ فَصَالَحَهُ عَنْ كُلِّ أَلْفِ دِينَارٍ عَلَى دِينَارٍ، وَعَنْ كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى دِرْهَمٍ فَحَسَبَهُ فَاسْتَكْثَرَهُ فَشَحَّتْ نَفْسُهُ فَجَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ:
إِنَّ مُوسَى يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَكُمْ فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَكَبِيرُنَا فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: نُبَرْطِلُ فُلَانَةَ الْبَغِيَّ حَتَّى تَنْسُبَهُ إِلَى نَفْسِهَا فَيَرْفُضَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَجَعَلَ لَهَا طَسْتًا مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءًا ذَهَبًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ قَامَ مُوسَى فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ سَرَقَ قَطَعْنَاهُ، وَمَنْ زَنَى وَهُوَ [غَيْرُ] مُحْصَنٍ جَلَدْنَاهُ وَإِنْ أَحْصَنَ رَجَمْنَاهُ، فَقَالَ قَارُونُ وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: وَإِنْ كُنْتُ أَنَا، قَالَ: فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُونَ إِنَّكَ فَجَرْتَ بِفُلَانَةَ فَأُحْضِرَتْ فَنَاشَدَهَا مُوسَى بِاللَّهِ الَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ أَنْ تَصْدُقَ فَتَدَارَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَقَالَتْ: كَذَبُوا بَلْ جَعَلَ لِي قَارُونُ جُعْلًا عَلَى أَنْ أَقْذِفَكَ بِنَفْسِي، فَخَرَّ مُوسَى سَاجِدًا يَبْكِي، وَقَالَ: يَا رَبِّ إِنْ كُنْتُ رَسُولَكَ فَاغْضَبْ لِي، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ أَنْ مُرِ الْأَرْضَ بِمَا شِئْتَ فَإِنَّهَا مُطِيعَةٌ لَكَ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَى قَارُونَ كَمَا بَعَثَنِي إِلَى فِرْعَوْنَ فَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَلْيَلْزَمْ مَكَانَهُ وَمَنْ كَانَ مَعِيَ فَلْيَعْتَزِلْ فَاعْتَزَلُوا جَمِيعًا غَيْرَ رَجُلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى الرُّكَبِ ثُمَّ قَالَ خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى الْأَوْسَاطِ ثُمَّ قَالَ: خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى الْأَعْنَاقِ وَقَارُونُ وَأَصْحَابُهُ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيُنَاشِدُونَهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ، وَمُوسَى لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ لِشِدَّةِ غَضَبِهِ، ثُمَّ قَالَ: خُذِيهِمْ فَانْطَبَقَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا أَفَظَّكَ اسْتَغَاثُوا بِكَ مِرَارًا فلم ترحمهم، أما وعزتي لودعوني مَرَّةً وَاحِدَةً لَوَجَدُونِي قَرِيبًا مُجِيبًا فَأَصْبَحَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَتَنَاجَوْنَ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا دَعَا مُوسَى عَلَى قَارُونَ لِيَسْتَبِدَّ بِدَارِهِ وَكُنُوزِهِ فَدَعَا اللَّهَ حَتَّى خَسَفَ بِدَارِهِ وَأَمْوَالِهِ، ثُمَّ إِنَّ قَارُونَ يُخْسَفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ قَامَةٍ، قَالَ الْقَاضِي: إِذَا هَلَكَ بِالْخَسْفِ فَسَوَاءٌ نَزَلَ عَنْ ظَاهِرِ الْأَرْضِ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مَا رُوِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَوِ اسْتَغَاثَ بِي لَأَغَثْتُهُ، فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى اسْتِغَاثَةٍ مَقْرُونَةٍ بِالتَّوْبَةِ فَأَمَّا وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَكَمَ بِذَلِكَ الْخَسْفِ لِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا فَعَلَهُ إِلَّا عَنْ أَمْرِهِ فَبَعِيدٌ، وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِهَايَةٍ وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْقَامَاتِ، وَالَّذِي عِنْدِي فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ أَنَّهَا قَلِيلَةُ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا تُفِيدُ الْيَقِينَ، وَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةً عَمَلِيَّةً حَتَّى يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّنِّ، ثُمَّ إِنَّهَا فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ مُتَعَارِضَةٌ مُضْطَرِبَةٌ فَالْأَوْلَى طَرْحُهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ نَصُّ الْقُرْآنِ وَتَفْوِيضُ سَائِرِ التَّفَاصِيلِ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ فَالْمُرَادُ مِنَ الْمُنْتَقِمِينَ مِنْ مُوسَى أَوْ مِنَ الْمُمْتَنِعِينَ مِنْ عَذَابِ/ الله