آيات من القرآن الكريم

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ

بِما صَبَرُوا بأنهم صبروا على دينهم الأول إلى أن بعث محمد فآمنوا به. وقد تبادر لنا تعليل أوجه على ضوء ما احتوته الآيات، فقد كانوا يسمعون من جاهلي المشركين أي سفهائهم ما يؤذيهم بسبب إيمانهم فكانوا يصبرون ويقولون سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
[سورة القصص (٢٨) : آية ٥٦]
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)
تعليق على آية إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلخ
عبارة الآية واضحة، وجمهور المفسرين يروون أن الآية نزلت في أبي طالب عمّ النبي ﷺ ويوردون روايات عديدة في صدد ذلك. وهناك حديث يرويه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة نكتفي به عن الروايات قال «إنّ النبي ﷺ قال لعمّه أبي طالب قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، قال لولا أن تعيّرني قريش يقولون إنّما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينيك فأنزل الله إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» «١» ومقتضى الحديث أن يكون ذلك عند حضور الموت أبا طالب.

(١) التاج ج ٤ ص ١٧٦- ١٧٧ وننبه على أن الشيعة يروون أن أبا طالب قد أسلم قبل موته.
وقال الطبرسي في سياق تفسيره الآية (٢٦) من سورة الأنعام إن آل البيت مجمعون على إيمان أبي طالب وإجماعهم حجة. وروي عن ابن عمر أن أبا بكر أتى بأبيه يوم الفتح إلى النبي فأسلم على يديه فقال له ألا تركت الشيخ فآتيه، وكان أعمى، فقال أبو بكر أردت أن يأجره الله، والذي بعثك بالحق لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشدّ فرحا مني بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينيك قال صدقت. ونحن نتمنى أن يكون ذلك صحيحا لما كان من مواقف أبي طالب من نصرة النبي، ولكن الحديث الصحيح الذي أوردناه ينتقص هذا الخبر غير الموثق، وجملة (إجماع أهل البيت) لا يمكن أخذها مسلمة. والله أعلم.

صفحة رقم 327

ومما يتبادر لنا من سياق الآيات وفحواها أن الآية غير منقطعة عن السياق السابق واللاحق أولا. وأن وفاة أبي طالب التي تذكر الروايات أن الآية نزلت في ظرفها، إنما كانت في أواخر العهد المكي في حين أن هذه السورة نزلت في أواخر النصف الأول من هذا العهد على ما يمكن تخمينه من ترتيبها. وهذا يجعلنا نرجح أن الآية جاءت معقبة على الآيات السابقة جميعها، وبقصد تسلية النبي ﷺ والتهوين عليه بسبب حزنه وحسرته من مواقف العرب العنيدة وجحودهم وتعجيزاتهم على شدة رغبته في هدايتهم وبخاصة بعد أن أنذرهم وأقام الحجة عليهم. وأبو هريرة الذي يروي الشيخان عنه الحديث قد أسلم في أواخر العهد المكي، وحديث الذي يذكر فيه أن الآية نزلت في مناسبة الموقف الذي حكاه ليس خبرا عن رسول الله أخبره به كما هو ظاهر من صيغته، ونرجح أن اجتهادي منه، والله أعلم.
ومع ذلك فليس من المستبعد أن يكون تمسك أبي طالب بدينه منذ البدء بالرغم من رغبة النبي في إسلامه وإلحاحه عليه في ذلك. وهذا أمر لا بد من أنه كان واقعا لا يتحمل شكا مما كان يؤلم نفسه فنزلت الآية على سبيل التسلية، كما أنه ليس من المستبعد أن يكون هناك زعماء أو أشخاص آخرون كانوا محبين للنبي ﷺ أولم يظهروا له جفاء شديدا وكان النبي ﷺ يحرص على هدايتهم ويحزنه عدم استجابتهم إليه في العهد المكي ومنهم ذوو قرباه الأدنون مثل عمه العباس وأبنائه وابن عمه عقيل وغيرهم وغيرهم الذين كانوا نصراء له عصبيّة. وقد يكون في الآية التالية لهذه الآية قرينة ما على شيء من ذلك على ما سوف نشرحه بعد.
ومهما يكن من أمر فليس من شأن ذلك أن يجعل الصلة بين الآية وسياقها السابق واللاحق منقطعة كما هو المتبادر.
هذا، وتعبير وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يزيل ما يمكن أن يرد من توهم من جملة إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ويفسره. وقد انطوى في هذه الجملة معنى التسلية للنبي ﷺ فالله تعالى هو أعلم بالذين يرغبون في الهدى

صفحة رقم 328
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية