
قوله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ قال الزجاج: أي: وما كنتَ بجانب الجبل الغربيّ.
قوله تعالى: إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ أي: أحْكَمْنا الأمر معه بارساله إِلى فرعون وقومه وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ لذلك الأمر وفي هذا بيان لصحّة نبوّة نبيّنا صلى الله عليه وسلّم، لأنهم يعلمون أنه لم يقرأ الكتب، ولم يشاهِد ما جرى، فلولا أنَّه أُوحي إِليه ذلك، ما علم.
قوله تعالى: وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً أي: خَلَقْنا أُمماً مِن بعد موسى فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أي:
طال إِمهالُهم فنسوا عهد الله وتركوا أمره وهذا يدلُّ على أنه قد عُهد إِلى موسى وقومه عهود في أمر محمّد صلى الله عليه وسلّم، وأُمروا بالإِيمان به، فلمَّا طال إِمهالُهم، أعرضوا عن مراعاة العهود، وَما كُنْتَ ثاوِياً أي: مقيماً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ فتَعْلَم خبر موسى وشعيب وابنتيه فتتلو ذلك على أهل مكة وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ أرسلناكَ إِلى أهل مكة وأخبرناك خبر المتقدِّمِين، ولولا ذلك ما علمتَه. وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ أي: بناحية الجبل الذي كُلّم عليه موسى إِذْ نادَيْنا موسى وكلَّمناه، هذا قول الأكثرين وقال أبو هريرة: كان هذا النداء: يا أُمَّة محمد، أعطيتُكم قبل أن تسألوني، وأستجيب لكم قبل أن تدعوني.
قوله تعالى: وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ قال الزجاج: المعنى: لم تُشاهِد قصص الأنبياء، ولكنّا أوحيناها إِليك وقصصناها عليك، رحمةً من ربِّك. وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ جواب «لولا» محذوف، تقديره: لولا أنهم يحتجُّون بترك الإِرسال إِليهم لعاجلناهم بالعقوبة، وقيل: لولا ذلك لم نَحْتَجْ إِلى إرسال الرسل ومؤاثرة الاحتجاج.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٨ الى ٥٥]
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢)
وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥)
قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمُ يعني أهل مكة الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا وهو محمد عليه السلام والقرآن قالُوا لَوْلا أي: هلاَّ أُوتِيَ محمد من الآيات مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى كالعصا واليد. قال المفسرون:
أمرت اليهودُ قريشاً أن تسأل محمّدا صلى الله عليه وسلّم مثل ما أُوتيَ موسى، فقال الله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى أي: فقد كفروا بآيات موسى، وقالُوا في المشار إِليهم قولان: أحدهما: اليهود. والثاني:
قريش. سِحْرانِ قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «ساحران». تَظاهَرا أي: تعاونا.
وروى العباس الانصاري عن أبي عمرو: «تَظَّاهَرا» بتشديد الظاء. وفيمن عَنَواْ ثلاثة أقوال: أحدها:
موسى ومحمد، قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير فعلى هذا هو من قول مشركي العرب.

والثاني: موسى وهارون، قاله مجاهد: فعلى هذا هو من قول اليهود لهما في ابتداء الرّسالة. والثالث:
محمّد وعيسى عليهما السّلام، قاله قتادة فعلى هذا هو من قول اليهود الذين لم يؤمنوا بنبيِّنا. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: «سِحْران» وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: التوراة والفرقان، قاله ابن عباس والسدي. والثاني: الإنجيل والقرآن، قاله قتادة. والثالث: التّوراة والإنجيل، قاله أبو مجلز وإسماعيل بن أبي خالد. ومعنى الكلام: كلُّ سِحْر منهما يقوِّي الآخر، فنُسب التظاهر إِلى السِحْرين توسُّعاً في الكلام، وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ يعنون ما تقدَّم ذِكْره على اختلاف الأقوال، فقال الله تعالى لنبيِّه قُلْ لكفَّار مكة فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أي: من التوراة والقرآن إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنَّهما ساحران. فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ أي: فان لم يأتوا بمثل التوراة والقرآن، فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ أي: أنَّ ما ركبوه من الكفر لم يحملهم عليه حُجَّة، وإِنما آثروا فيه الهوى وَمَنْ أَضَلُّ أي: ولا أحد أضل مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً أي: بغير رشد ولا بيان جاء مِنَ اللَّهِ. وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ وقرأ الحسن وأبو المتوكل وابن يعمر: «وصَلْنَا» بتخفيف الصاد. وفي المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم قريش، قاله الأكثرون، منهم مجاهد. والثاني: اليهود، قاله رفاعة القرظي. والمعنى:
أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضاً، ويُخْبِر عن الأمم الخالية كيف عُذِّبِوا لعلَّهم يتَّعظون. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وفيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم مؤمنوا أهل الكتاب، رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد. والثاني: مسلمو أهل الإِنجيل.
(١٠٧٧) روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فشهدوا معه أُحُداً، فنزلت فيهم هذه الآية.
والثالث: مسلمو اليهود كعبد الله بن سلام وغيره، قاله السدي.
قوله تعالى: مِنْ قَبْلِهِ أي: من قبل القرآن هُمْ بِهِ في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى محمّد صلى الله عليه وسلّم لأن ذِكْره كان مكتوباً عندهم في كتبهم فآمنوا به. والثاني: إِلى القرآن.
قوله تعالى: وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يعني القرآن قالُوا آمَنَّا بِهِ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ أي: من قبل نزول القرآن مُسْلِمِينَ أي مُخْلِصِين لله تعالى مصدِّقين بمحمد، وذلك لأن ذِكْره كان في كتبهم فآمنوا به أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ في المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنَّهم مؤمنو أهل الكتاب، وهذا قول الجمهور، وهو الظاهر، وفيما صبروا عليه قولان: أحدهما: أنهم صبروا على الكتاب الأوّل وصبروا على اتّباعهم محمّدا صلى الله عليه وسلّم، قاله قتادة وابن زيد. والثاني: أنهم صبروا على الإيمان بمحمّد صلى الله عليه وسلّم قبل أن يُبْعَث ثم على اتِّباعه حين بُعث، قاله الضحاك. والقول الثاني: انهم قوم من المشركين أسلموا فكان قومهم يؤذونهم فصبروا على الأذى، قاله مجاهد.
قوله تعالى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ فيه أقوال قد شرحناها في الرعد.
قوله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: الاذى والسَّبّ، قاله مجاهد.
والثاني: الشِّرك، قاله الضحاك. والثالث: أنهم قوم من اليهود آمنوا، فكانوا يسمعون ما غيّر اليهود من