آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

فاستدعت أم موسى وأحسنت إليها وأعطتها العطاء الجزيل، ثم سألتها أن تقيم عندها وترضعه فأبت ذلك عليها وقالت إن لى بعلا وأولادا ولا أستطيع المقام عندك، ولكن إن أحببت أن أرضعه فى بيتي فعلت، فأجابتها إلى ما طلبت، وأجرت عليها النفقة والصلات والكسا وجزيل العطايا ورجعت بولدها إلى بيتها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها أمنا وهى موفورة العز والجاه والرزق الواسع،
وقد جاء فى الأثر «مثل الذي يعمل الخير ويحتسب كمثل أم ترضع ولدها وتأخذ أجرها».
وإلى هذا أشار سبحانه بقوله:
(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) أي فرددناه إلى أمه بعد أن التقطه آل فرعون، لتقرّ عينها بابنها إذ رجع إليها سليما، ولا تحزن على فراقه إياها.
(وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) أي ولتعلم أنّ وعد الله الذي وعدها حين قال لها:
(إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) حق لامرية فيه ولا خلف، وقد شاهدت بعضه، وقاست الباقي عليه.
وبرده إليها تحققت أنه سيكون رسولا، فربّته على ما ينبغى لمثله من كامل الأخلاق وفاضل الآداب.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) حكم الله فى أفعاله وعواقبها المحمودة فى الدنيا والآخرة، إذ قد يكون الشيء بغيضا إلى النفوس ظاهرا، محمود العاقبة آخرا كما قال:
«فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً».
وقد حدث هذا فى أمر موسى، فقد ألقى فى اليم ثم رد إلى أمه مكرّما ثم كان له من الوجاهة فى الدنيا والآخرة ما كان.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٤ الى ١٩]
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩)

صفحة رقم 41

تفسير المفردات
واحدة الأشد: شدة كأنعم ونعمة، والشدة: القوة والجلادة، وبلوغ الأشد:
استكمال القوة الجسمانية وانتهاء النمو المعتدّ به، والاستواء: اعتدال العقل وكماله، ويختلف ذلك باختلاف الأقاليم والأزمان والأحوال، والحكم: الحكمة، والمدينة: هى مصر، على حين غفلة: أي فى وقت لا يتوقعون دخولها فيه، من شيعته: أي ممن شايعه وتابعه فى الدين وهم بنو إسرائيل، من عدوه: أي من مخالفيه فى الدين وهم القبط، فاستغاثه أي طلب غوثه ونصره، فوكزه أي فضربه بجمع يده، أي بيده، مجموعة الأصابع، فقضى عليه: أي فقتله وأنهى حياته، من عمل الشيطان: أي من تزيينه، مبين: أي ظاهر العداوة والإضلال، فاغفر لى: أي فاستر ذنوبى، بما أنعمت علىّ: أي أقسم بنعمك علىّ، ظهيرا: أي معينا، يترقب: أي ينتظر ما يناله من أذى، استنصره: أي طلب نصره ومعونته، يستصرخه: أي يطلب الاستغاثة برفع الصوت، غوىّ:

صفحة رقم 42

أي ضال، يبطش: أي يأخذ بصولة وسطوة، والجبار: هو الذي يفعل ما يفعل دون نظر فى العواقب، من المصلحين: أي ممن يبغون الإصلاح بين الناس، ويدفعون التخاصم بالحسنى
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه ما أفاض به على موسى من نعمه فى الصغر من إنجائه من الهلاك بعد وضعه فى التابوت وإلقائه فى النيل، وإنجائه من الذبح الذي عم أبناء بنى إسرائيل- أردفه ذكر ما أنعم به عليه فى كبره من إيتائه العلم والحكمة ثم إرساله رسولا ونبيا إلى بنى إسرائيل والمصريين، ثم ذكر ما حصل منه من قتل المصري الذي اختصم مع اليهودي بوكزه بجمع يده وكان ذلك سببا فى موته، ثم طلبه المغفرة من ربه على ما فعل، ثم تصميمه وعزمه ألا يناصر غويا مجرما، ثم أعقب ذلك بذكر خصام آخر بين ذلك اليهودي وقبطى آخر وقد هم موسى بإغاثته أيضا، فقال له المصري:
أتريد الإصلاح فى الأرض أم تريد أن تكون من الجبارين المفسدين؟.
الإيضاح
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي ولما قوى جسمه واعتدل عقله آتيناه فقها فى الدين وعلما بالشريعة كما قال تعالى: «وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ» وكما جزينا موسى على طاعته إيانا وإحسانه بصيره على أمرنا- نجزى كل من أحسن من عبادنا، وأطاع أمرنا، وانتهى عما نهيناه عنه.
وبعد أن أخبر بتهيئته للنبوة ذكر ما كان السبب فى هجرته إلى مدين وتوالى الأحداث الجسام عليه فقال:
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أي ودخل مصر آتيا من عين شمس فى وقت ليس من المعتاد الدخول فيه وهو وقت القائلة.

صفحة رقم 43

روى أنه دخلها مستخفيا من فرعون وقومه، لأنه كان قد خالفهم فى دينهم وعاب ما كانوا عليه.
ثم أبان ما حدث منه حينئذ فقال:
(فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ، قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) أي فوجد فى مصر رجلين أحدهما من بنى إسرائيل وثانيهما من القبط وهو طباخ فرعون وكان قد طلب منه أن يحمل حطبا للمطبخ فأبى، فطلب الإسرائيلى من موسى غوثه ونصره على عدوه القبطي، فضر به موسى بجمع يده فى صدره وحنكه فقتله فقال:
إن هذا الذي حدث من القتل هو من تزيين الشيطان ووسوسته.
ثم أخبر عن حال الشيطان ليحذر منه فقال:
(إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) أي إنه عدو فينبغى الحذر منه، مضل، فلا يقود إلى خير بيّن العداوة والإضلال.
ثم أخبر بندم موسى على قتله نفسا لم يؤمر بقتلها بقوله:
(قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) أي قال رب إنى ظلمت نفسى بقتل نفس لا يحل قتلها، فاغفر لى ذنبى واستره ولا تؤاخذني بما فعلت، قال قتادة: عرف والله المخرج فاستغفر اهـ. ثم لم يزل ﷺ يعدد ذلك على نفسه مع علمه بأنه قد غفر له، حتى إنه يوم القيامة يقول عند طلب الناس الشفاعة منه: إنى قتلت نفسا لم أومر بقتلها، وإنما عده ذنبا وقال: (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) من أجل أنه لا ينبغى لنبى أن يقتل حتى يؤمر بالقتل.
روى مسلم عن سالم بن عبد الله أنه قال: يا أهل العراق: ما أسألكم، وأركبكم للكبيرة. سمعت أبى عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول «إن الفتنة تجىء من هاهنا- وأومأ بيده نحو المشرق- من حيث يطلع قرنا الشيطان، وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من

صفحة رقم 44

آل فرعون خطأ فقال الله عزّ وجلّ: «وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً».
ثم ذكر أنه أجاب دعاءه وغفر له فقال:
(فَغَفَرَ لَهُ) أي فعفا عن ذنبه ولم يعاقبه عليه وبعدئذ ذكر ما هو كالعلة لما قبله فقال:
(إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي إنه تعالى هو الستار لذنوب من أناب إليه، المتفضل عليه بالعفو عنها، الرحيم له أن يعاقبه بعد أن أخلص توبته، ورجع عن حوبته.
ثم ذكر أنه شكر ربه على هذه النعمة التي أنعم بها عليه فقال:
(قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) أي قال رب اعصمني بحق ما أنعمت علىّ بعفوك عن قتل هذه النفس لأمتنعنّ عن مثل هذا الفعل، ولن أكون معينا للمشركين فأصحبهم وأكثر سوادهم، وقد كان عليه السلام يصحب فرعون ويركب بركوبه كالولد مع الوالد، ومن ثم كانوا يسمونه ابن فرعون.
وقد يكون المراد لأمتنعن عن مظاهرة من تئول مظاهرته إلى الجرم والإثم كمظاهرة الإسرائيلى التي أدت إلى القتل الذي لم يؤمر به.
ونحو الآية قوله: «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا».
ثم ذكر حاله بعد قتل القبطي فى المدينة فقال:
(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي فصار موسى فى تلك المدينة التي قتل فيها القبطي خائفا من جنايته التي جناها بقتله النفس التي قتلها، وصار يتحسس الأخبار ويسأل عما يتحدث به الناس من أمره وأمر القبطي وما هم بالغوه به، وداخلته الهواجس خيفة أن يقتلوه به، وإذا الإسرائيلى الذي استنصره بالأمس على المصري يطلب منه الغوث والعون على مصرى آخر، فقال له موسى: إنك لذو غواية وضلال لا شك فيه، وقد تبينت ذلك بقتالك أمس رجلا واليوم آخر، ثم دنا منهما.

صفحة رقم 45
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية