
وقال ابن عباس: أي هم لا يشعرون إلى ماذا يصير أمر موسى عليه السلام. وقال آخرون:
هذا من تمام كلام امرأة فرعون، أي بنو إسرائيل وأهل مصر لا يشعرون أنا التقطناه وأنه ليس منا.
وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً، أي وصار قلب يوحانذ صفرا من العقل لفرط الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون. وقيل: أي خاليا من الحزن لغاية وثوقها بوعد الله تعالى أو لسماعها أن فرعون تبناه، إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي إنها كادت لتظهر بأمر موسى من فرط الدهشة أو من شدة الفرح بتبني امرأة فرعون. وقال ابن عباس: كادت تخبر بأن الذي وجدتموه ابني بعد أن نسب إلى فرعون، وقال أيضا في رواية عكرمة كادت تقول: وا ابناه من شدة حزنها عليه حين رأت الموج يرفع ويضع.
وقال الكلبي: ذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعد ما شب أنه ابن فرعون لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها أي لولا حفظنا قلبها بإلهام الصبر لأبدت قصة موسى، لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) أي من المصدقين بوعد الله تعالى برده إليها بأن يكون من المرسلين، أو من الواثقين بحفظ الله تعالى لا بتبني امرأة فرعون وتعطفها
وَقالَتْ أم موسى لِأُخْتِهِ الشقيقة مريم- وقال الضحاك: اسمها كلثمة. وقال السهيلي: اسمها كلثوم-: قُصِّيهِ أي فتشي خبره وانظري إلى أين وقع، فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي
فأبصرت مريم ذلك الغلام كائنة من مكان بعيد اختفاء عن الناس وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) بغرضها وبأنها أخت موسى. وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ أي منعناه أن يرتضع من المرضعات التي أحضرها فرعون من قبل مجيء أمه.
قال الضحاك: كانت أمه قد أرضعته ثلاثة أشهر حتى عرف ريحها.
وروي أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثديا وهو يصبح، فقالوا لأخت موسى بعد نظرها له وقربها منه هل عندك مرضعة تدلينا عليها لعله يقبل ثديها؟ فَقالَتْ، أي أخت موسى لآل فرعون- عند عدم قبوله ثدي أحد من المرضعات- هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أي يضمنون رضاعه يقومون بجميع مصالحه لأجلكم وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) أي وهم لا يمنعونه ما ينفعه في تربيته وإغذائه، ولا يخونكم فيه.
قال السدي: لما قالت مريم ذلك أخذوها وقالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله. فقالت: ما أعرفه! وقالت: إنما أردت أنهم للملك ناصحون فتخلصت منهم بذلك.
وقيل: قالوا لها: من هم؟ قالت أمي. قالوا: أو لأمك ابن؟ قالت: نعم هارون. قالوا: صدقت، فأتينا بها فانطلقت إلى أمها وأخبرتها بحال ابنها وجاءت بها إليهم، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها، وجعل يمصه حتى امتلأت جنباه ريا. فقالوا: أقيمي عندنا، فقالت: لا أقدر على فراق بيتي إن رضيتم أن أكفله في بيتي وإلا فلا حاجة لي به وأظهرت عدم الرغبة فيه نفيا للتهمة، فرضوا بذلك، فرجعت به إلى بيتها.

قال الضحاك: لما قبل ثديها قال هامان: إنك لأمه! قالت: لا، قال: فما حالك قبل ثديك من بين النسوة! قالت: أيها الملك، إني امرأة طيبة الريح حلوة اللبن ما شم ريحي صبي إلا أقبل على ثديي. قالوا: صدقت، لم يبق أحد من آل فرعون إلا أهدى إليها وأتحفها بالذهب والجواهر. فَرَدَدْناهُ أي موسى إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها أي تطيب نفسها بوصول موسى إليها وتربيتها له في بيتها، وَلا تَحْزَنَ على موسى بفراقه وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ في رده إليها وجعله من المرسلين حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣)، أن المقصود الأصلي من رده إليها علمها بأن وعد الله حق لا خلف فيه بمشاهدة بعضه، وقياس بعضه عليه، فهذا هو الغرض الديني وما سواه من قرة العين وذهاب الحزن تبع، فمكث موسى عند أمه إلى أن فطمته، وأمر فرعون بإجراء أجرتها لكل يوم دينار، فأتت به فرعون واستمر عنده يأكل من مأكوله ويشرب من مائه ويلبس من ملبوسه إلى أن كمل، وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ أي كمال قوته الجسمانية وَاسْتَوى أي تكامل عقله آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً أي أعطيناه علم الحكماء والعلماء، وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك الذي أعطينا موسى من الحكم والعلم نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) أي الصالحين بالعلم والحكمة، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها أي ودخل موسى مدينة منف في وقت اشتغال أهلها عند نصف النهار.
ومنف: بفتح الميم وسكون النون أصلها مآفة، ومعناها بلغة القبط ثلاثون، لأنها أول مدينة عمرت بعد الطوفان نزلها مصر بن حام في ثلاثين رجلا فسميت مافت، ثم عربت منف.
قيل: إن موسى عليه السلام لما بلغ أشده وآتاه الله العلم في دينه ودين آبائه علم أن فرعون وقومه على الباطل فتكلم بالحق، وعاب دينهم، واشتهر ذلك منه حتى آل الأمر إلى أن خافوه، وخافهم. وكان له من بني إسرائيل شيعة يقتدون به، ويسمعون منه، وبلغ في الخوف بحيث ما كان يدخل مدينة فرعون إلا خائفا، فدخلها يوما وقت كونهم قائلين فَوَجَدَ فِيها أي المدينة رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ أي يلازمان مقدمات القتل من الضرب والخنق هذا مِنْ شِيعَتِهِ أي ممن تابع موسى على دينه وهم بنو إسرائيل وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ أي ممن خالف موسى في دينه- وهم القبط- فالقبطي: الذي سخر الإسرائيلي كان طباخ فرعون استسخره لحمل الحطب إلى مطبخه واسمه:
فليثون أوفاتون: فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ أي طلب الإسرائيلي من موسى أن ينصره على القبطي وأن يخلصه منه، فَوَكَزَهُ مُوسى أي دفعه بأطراف الأصابع. وقيل: بقبضها.
وقرأ ابن مسعود فلكزه موسى وقال بعضهم الوكز: في الصدر، واللكز: في الظهر.
فَقَضى عَلَيْهِ أي أنهى موسى حياة القبطي وخفي هذا على الناس فلم يعرف به أحد لما هم فيه من الغفلة فندم موسى عليه السلام عليه فدفنه في الرمل قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أي هذا القتل من عمل الشيطان لأني لم أومر به أو هذا المقتول من جند الشيطان إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) أي