آيات من القرآن الكريم

إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

فَوْجاً
. يعني: من كل أهل دين جماعة. ويقال: يَوْمَ نَحْشُرُ يعني: نجمع من كل أمة فوجا يعني: جماعة مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ يعني: يحبس أولهم لآخرهم ليجتمعوا حَتَّى إِذا جاؤُ يعني: اجتمعوا للحشر قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي يعني: قال الله تعالى لهم: أكذبتم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن؟ اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التقرير. يعني: قد كذبتم بآياتنا وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً اللفظ لفظ النفي، والمراد به المناقشة في الحساب، يعني: كذبتم كأنكم لم تعلموا. ويقال: لم تعرفوها حق معرفتها.
ثم قال: أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اللفظ لفظ السؤال، والمراد به التوبيخ، ومعناه: ماذا كنتم تعملون، أن تؤمنوا بالكتاب والرسل، يعني: أي عمل منعكم من ذلك.
ثم قال عز وجل: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يعني: نزل عليهم العذاب، ووجب عليهم بِما ظَلَمُوا يعني: بما أشركوا فَهُمْ لاَ يَنْطِقُونَ يعني: لا يمكنهم أن يتكلموا من الهيبة لما ظهر لهم من المعاينة، ولما تحيروا في ذلك.
ثم وعظ كفار مكة فقال: أَلَمْ يَرَوْا يعني: ألم يعتبروا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً يعني: مضيئاً، وأضاف الفعل إلى النهار، لأن الكلام يخرج مخرج الفاعل إذا كان هو سبباً للفعل. كما قال: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ: ٣٣] إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يعني: فيما ذكر من الليل والنهار، لعبرات لقوم يصدقون بتوحيد الله تعالى.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٨٧ الى ٩٣]
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١)
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)
وقال عز وجل: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ أي: واذكر يوم ينفخ إسرافيل عليه السلام فى الصور فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ أي: من شدة الصوت والفزع. ويقال: ماتوا.
وقال بعضهم: النفخ ثلاثة: أحدها: الفزع وهو قوله: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ ونفخة أخرى للموت. وهو قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ [الزمر: ٦٨] ونفخة للبعث وهي قوله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: ٦٨] وقال بعضهم: إنما هما نفختان: فالفزع والصعق كناية عن الهلاك، ثم نفخة للبعث ثم قال: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قال بعضهم: يعني أرواح الشهداء وهي

صفحة رقم 594

أحياء عند ربهم. وقال بعضهم: يعني من في الجنة ومن في النار من الخدم والخزنة. وقال بعضهم: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ يعني: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، ثم يموتون بعد ذلك وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ.
روى سفيان بإسناده عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ: وَكُلٌّ أَتَوْهُ بغير مد ونصب التاء، وهي قراء حمزة وعاصم في رواية حفص. وقرأ الباقون بالمد والضم. ومن قرأ بالمد والضم، فمعناه: كل حاضروه داخِرِينَ أي: صاغرين. ويقال: متواضعين. ومن قرأ بغير مد يعني:
يأتون الله عز وجل.
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً يعني: تحسبها واقفة مكانها ويقال: مستقرة وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ حتى تقع على الأرض فتستوي، يعني: في أعين الناظرين كأنها واقفة. قال القتبي: وكذلك كل عسكر غض به الفضاء أو شيء عظيم، فينظر الناظر، فيرى أنها واقفة وهي تسير.
ثم قال عز وجل: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ يعني: أحكم خلق كل شيء. ويقال:
الشيء المتقن: أن يكون وثيقاً ثابتاً، فما كان من صنع غيره يكون واهياً، ولا يكون متقناً ثم قال: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ أي: عليم بما فعلتم.
قوله عز وجل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ يعني: بالإيمان والتوحيد، وهو: كلمة الإخلاص وشهادة أن لا إله إلا الله فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها على وجه التقديم، وله منها خير أي: حين ينال بها الثواب والجنة. ويقال: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها. أي: خير من الحسنة. يعني: أكثر منها للواحد عشرة. ويقال: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها من الحسنة، وهي الجنة، لأن الجنة هي عطاؤه وفضله، والعمل هو اكتساب العبد، فما كان من فضله وعطائه، فهو أفضل، وهذا تفسير المعتزلة، والأول قول المفسرين.
ثمّ قال: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ يعني: من فزع يوم القيامة آمِنُونَ. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر مِنْ فَزَعٍ بغير تنوين، وَيَوْمَئِذٍ بكسر الميم، وقرأ نافع في رواية ورش مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ بغير تنوين ونصب الميم وقرأ الباقون بالتنوين، ونصب الميم. قال أبو عبيد: وبالإضافة نقرأ، لأنه أعم التأويلين أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم، وإذا قال:
فَزَعٍ بالتنوين، صار كأنه قال: فزع دون فزع. وقال غيره: إنما أراد به الفزع الأكبر، لأن بعض الأفزاع تصيب الجميع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر في إحدى الروايتين: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُونَ بالياء على معنى الإخبار عنهم، وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة.
ثم قال عز وجل: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعني: بالشرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يعني:
قلبت وُجُوهُهُمْ فِى النار ويقال: يكبون على وجوههم، ويجرون إلى النار، وتقول لهم خزنة النار: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الشرك ويقال: فَكُبَّتْ أي: ألقيت وطرحت.

صفحة رقم 595

قال عز وجل: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ أي: قل يا محمد لأهل مكة: أمرني الله تعالى أن أستقيم على عبادة رب هذه البلدة. يعني: مكة الذي حرمها بدعاء إبراهيم عليه السلام وحرم فيها القتل والصيد. قال بعضهم: كان حراماً أبداً. قال بعضهم: وهو أصح إن إبراهيم لما دعا، فجعلها الله حراماً بدعوته. وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَأَنَا حَرَّمْتُ المَدِينَةَ ما بَيْنَ لابَتَيْهَا». ثم روي: أنه قد رخص في المدينة.
ثم قال تعالى: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ يعني: له ملك كل شيء، وخلق كل شيء، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أي: من المخلصين وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ يعني: أمرت أن أقرأ القرآن عَلَيْكُمْ يا أهل مكة فَمَنِ اهْتَدى يعني: آمن بالقرآن فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ يعني: يؤمن لنفسه ويثاب عليها الجنة وَمَنْ ضَلَّ يعني: ولم يوحد، ولم يؤمن بالقرآن وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ أي: من المخوفين ومن المرسلين، فليس عليَّ إلا تبليغ الرسالة وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ يعني: الشكر لله على ما هداني سَيُرِيكُمْ أيها المشركون آياته. يعني: العذاب في الدنيا فَتَعْرِفُونَها أنها حق، وذلك أنه أخبرهم بالعذاب، فكذبوه فأخبرهم أنهم يعرفونها أنها حق، وذلك إذا نزل بهم، وهو القحط والقتل. ويقال: هو فتح مكة وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فهذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم. وقال الزجاج في قوله: سَيُرِيكُمْ آياتِهِ يعني:
سيريكم الله آياته في جميع ما خلق، وفي أنفسكم. قرأ نافع وعاصم في رواية حفص، وابن عامر في إحدى الروايتين عَمَّا تَعْمَلُونَ بالتاء على معنى المخاطبة. وقرأ الباقون بالياء على معنى الخبر عنهم، والله أعلم بالصواب- وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم «١» -.

(١) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «أ».

صفحة رقم 596
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية