
{إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب
صفحة رقم 193
العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون} قوله تعالى: ﴿إِنِّيءَانَسْتُ نَاراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: رأيت ناراً، قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون. الثاني: أحسست ناراً، قاله قتادة، والإيناس: الإحساس من جهة يؤنس بها. ﴿سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: سأخبركم عنها بعلم، قاله ابن شجرة. الثاني: بخبر الطريق، لأنه قد كان ضل الطريق، قاله ابن عباس. ﴿أَوْ ءاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ﴾ والشهاب الشعاع المضي، ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب، قال الشاعر:
(في كفِّهِ صعدة مثقفة | فيها سنان كشعلة القبسِ) |

فتأخر عنها، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها، إلى أن: ﴿نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾. وفي ﴿بُورِكَ﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: يعني قُدِّس، قاله ابن عباس. الثاني: تبارك، حكاه النقاش. الثالث: البركة في النار، حكاه ابن شجرة، وأنشد لعبد الله بن الزبير:
(فبورك في بنيك وفي بنيهم | إذا ذكروا ونحن لك الفداء) |

أحدهما: أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي. قال وهب بن منبه: ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه. والثاني: أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى، حكاه النقاش. قوله تعالى: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ قال وهب: ظن موسى أن الله أمره برفضها فرفضها. ﴿فَلَمَا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الجان الحية الصغيرة، سميت بذلك لاجتنانها واستتارها. والثاني: أنه أراد بالجان الشيطان من الجن، لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشيطان، كما قال تعالى: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ [الصافات: ٦٥]. وقد كان انقلاب العصا إلى أعظم الحيات لا إلى أصغرها، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] و [الشعراء: ٣٣]. قال عبد الله بن عباس: وكانت العصا قد أعطاه إياها ملك من الملائكة حين توجه إلى مَدْيَن وكان اسمها: ما شاء، قال ابن جبير: وكانت من عوسج. ﴿وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ... ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ولم يرجع، قاله مجاهد، قال قطرب: مأخوذ من العقب. الثاني: ولم ينتظر، قاله السدي. الثالث: ولم يلتفت، قاله قتادة. ويحتمل رابعاً: أن يكون معناه أنه بقي ولم يمش، لأنه في المشيء معقب لابتدائه بوضع عقبة قبل قدمه. قوله تعالى: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ قيل إنه أراد في الموضع الذي يوحى فيه إليهم، ولا فالمرسلون من الله أخوف.
صفحة رقم 196
﴿إلاَّ مَن ظَلَمَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه أراد من غير المسلمين لأن الأنبياء لا يكون منهم الظلم، ويكون منهم هذا الاستثناء المنقطع. الوجه الثاني: أن الاستثناء يرجع إلى المرسلين. وفيه على هذا وجهان: أحدهما: فيما كان منهم قبل النبوة كالذي كان من موسى في قتل القبطي، فأما بعد النبوة فهم معصومون من الكبائر والصغائر جميعاً. الوجه الثاني: بعد النبوة فإنه معصومون فيها مع وجود الصغائر منهم، غير أن الله لطف بهم في توفيقهم للتوبة منها، وهو معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ﴾ يعني توبة بعد سيئة. ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي غفور لذنبهم، رحيم بقبول توبتهم.
صفحة رقم 197