آيات من القرآن الكريم

لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﰿ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ

«وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى» من اخوانك المرسلين واتباعهم وقل أنت ومن آمن معك «آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ» ٥٩ به ممن لم يؤمن من قومك، فقولوا لا بل الله خير وأعلى وأعز، وهذا استفهام انكار لا يجاب الا بالنفي، وهو تبكيت للمشركين والزام الحجة عليهم، لأن الله تعالى لا شكّ خير لمن عبده وأنس به والأصنام شر لمن ركن إليها وعبدها لأنها لا تغني شيئا وتكون عليهم حجة يوم القيمة ثم ذكر الله جل ذكره من دلائل قدرته وبراهين وحدانيته وأمارات عظمته أنواعا فقال (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) بساتين محاطة «ذاتَ بَهْجَةٍ» حسنة المرأى بديعة المنظر «ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها» أي لا يمكنكم إنباته، وان مباشرتكم زرعه لا يقتضي الإنبات، فلو شاء الله لم ينبته، فالمنبت الحقيقي هو الله الذي يسقيها بماء واحد فتثمر صنافا متنوعة مختلفة باللون والطعم والرائحة والشكل، وهو الذي قدركم على زرعه راجع الآية ٦٣ من سورة الواقعة المارة فانظروا أيها الناس «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ» فعل ذلك أو أعانه عليه كلا ثم كلا «بَلْ هُمْ» قومك المعاندون «قَوْمٌ يَعْدِلُونَ» ٦٠ عن الحق إلى الباطل ويسارون الأصنام بالملك العلام، ويقولون نزرع ونحصد ونسقي، لو شاء الله لما أقدرهم على شيء من ذلك أصلا،
قال تعالى «أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً» لكم أيها الناس تستقرون عليها ليل نهار ولا نحسون بأنها عائمة «وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً» جارية عذبة وملحة ومرّة وباهتة وحريفة وحامضة، وأودع بعضها معادن وحيوانات متنوعة وحليّا مختلفا باللون والقيمة «وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ» جبالا عظيمة تثقلها كي لا تضرب فتنعدم راحتكم عليها «وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً» حصينا لئلا يختلط الملح بالعذب، فتنعدم المنفعة المقصودة منهما، فتفكروا «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ» فعل شيئا من ذلك كلا «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ٦١ حقائق قدرتنا وعظمة سلطاننا وحقيقة حكمتنا، فقل لقومك هل الذي يعبدونه خير أم هذا الإله الفعال لكل شيء من نفع وخسر وخير وشر ومنع وإعطاء وعز وذل وغنى وفقر واحياء وإماتة، فالإله القادر على هذه الأشياء

صفحة رقم 336

وغيرها هو المستحق للعبادة لا أصنامكم «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ» فيجيب دعاءه ويفرج ضيقه «وَيَكْشِفُ السُّوءَ» عن المضرور والمجهود والمكروب والملهوف فيغير حاله من المرض إلى الصحة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن العسر إلى اليسر، ومن الذل إلى العزة «وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ» تسكنونها وتنصرفون بها، فمنكم الملك والأمير والمتسلط والتابع، وقد أورثكم إياها عمن كان قبلكم من الأقوام الهالكين بسبب كفرهم نعم الله «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ» يفعل لكم شيئا من ذلك، كلا ولكنكم «قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ» ٦٢ بآلاء الله الذي يسديها لكم وهي جديرة بالذكرى، فقل با أكرم الرسل لقومك أآلهتكم خير أم هذا الإله القادر على كل شيء «أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» إلى الحال التي تقصدونها؟ ألإله الذي جعل النجوم والمجرة في السماء والجبال والأنهار في الأرض علامة تسترشدون بها ليل نهار إلى مقاصدكم في أسفاركم، أم أوثانكم العاطلة الجامدة «وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» أي أمام المطر مبشرا بقرب نزوله «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ»
يقدر على شيء من ذلك فيفعله لكم كلا «تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» ٦٣ به علوا كبيرا «أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ» من النطفة إلى أن يكمله خلفا سويا وبعد استكمال أجله في الدنيا يميته «ثُمَّ يُعِيدُهُ» بعد الموت حيا كما كان «وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ» من مطر ونبات وحيوان «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ» يعمل شيئا من ذلك؟ كلا، لا يقدر أحد على شيء منه، وإذا لزمتهم الحجة ووقعوا في المحجة «قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ» على أن ما تعبدونه يفعل شيئا واحدا مما ذكر «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ٦٤ أن آلهتكم تقدر على شيء من ذلك، أو أن مع الله إلها آخر كما يزعم البعض، وبعد أن عدد هذه الحجج الخمس الدالة على وحدانيته في الإلهية وانفراده في فعل هذه الأشياء وغيرها، وعجز من سواه عنها وعما يتعلق بالنفع والضرر وغيره، وإلزامهم السكوت بتلك البراهين القاطعة، قال المشركون أخبرنا يا محمد عن الساعة التي تهددنا بها إن لم نؤمن بك، فأنزل الله «قُلْ» يا حبيبي لهؤلاء الجهلة الذين لا يميزون بين الممكن والمحال: هذه من الغيب و «لا يَعْلَمُ

صفحة رقم 337

مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ»
وحده، فكيف نعطيهم علمها وهو من خصائص الإلهية «وَما يَشْعُرُونَ» هم ولا جميع الجن والإنس والملائكة «أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» ٦٥ من قبورهم ومواقعهم مع أنه لا بدّ لهم منه، وهو من أهم الأمور عندهم لأن الله تعالى وحده تفرّد بذلك «بَلِ ادَّارَكَ» اضمحل وفني وانمحق «عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ» وشأنها، فليس لهم علم بها ولا بوقت إمارتها.
وأصل ادّارك تدارك، فأبدلت التاء دالا، وأسكنت للإدغام، واجتلبت الهمزة الوصلية للابتداء، ومعناها تلاحق وتتابع، وعليه يكون المعنى انتهى علمهم في لحوق الآخرة فجهلوها، وتابع علمهم فيها ما جهلوه في الدنيا. وقيل معنى ادّارك تكامل من أدركت الفاكهة إذا تكامل نضجها، وعليه يكون المعنى إن أسباب استحكام العلم بأن القيامة كائنة قد حصل لهم في الدنيا، ومكنوا من معرفته، إلا أنه لا علم عندهم من أمرها، فقد تتابع علمهم حتى انقطع، وهذا بيان لجهلهم بوقت البعث، وأرى أن الأول أولى لموافقته للسياق، ولقوله تعالى «بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها» بعد أن بلغ علمهم بها وتكاملت أسبابه بحصولها ووجودها «بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ» ٦٦ جمع عم وهو أعمى القلب، ويقال له أعمه كما يقال لأعمى البصر أعمى، وقد كرر الإضراب ببل ثلاثا لشدة جهلهم، إذ وصفهم أولا بعدم الشعور بوقت البعث، ثم بعدم العلم يكون القيامة، ثم بالخبط بالشك وعدم إزالته مع قدرتهم عليها بالإيمان والإيقان حتى صاروا لأسوأ حال، وهو وقوعهم بالحيرة بسبب عمه قلوبهم الناشئ عن كفرهم الذي منعهم من التفكر بالعاقبة، وهو من جهلهم المركب الذي لا يزول إلا بعناية من الله، وأنى لهم منها وقد انكبوا على الدنيا بكليتهم؟ وقيل في المعنى:

سقام الحرص ليس له شفاء وداء الجهل ليس له طبيب
وقيل أيضا:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرأ يحي بالعلم ميّت وليس له حين النشور نشور
هذا، وإن قوله تعالى «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا

صفحة رقم 338
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية