آيات من القرآن الكريم

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ۖ بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﰿ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

فَذَلِكَ الْوَاضِعُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ تِلْكَ الْمَنَافِعَ، فَعَلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى مُدَبِّرٍ حَكِيمٍ وَاجِبٍ لِذَاتِهِ، قطعا لسلسلة الحاجات.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٤]
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤)
النوع الخامس- ما يتعلق بالحشر والنشر اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَدَّدَ نِعَمَ الدُّنْيَا أتبع ذلك بنعم الآخرة بقوله: أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِأَنَّ نِعَمَ الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْإِعَادَةِ بَعْدَ الِابْتِدَاءِ وَالْإِبْلَاغِ إِلَى حَدِّ التَّكْلِيفِ فَقَدْ تَضَمَّنَ الْكَلَامُ كُلَّ هَذِهِ النِّعَمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْأَرْزَاقِ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، ثم قال: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ مُنْكِرًا لِمَا هُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَنْ لَا بُرْهَانَ لَكُمْ فَإِذَنْ هُمْ مُبْطِلُونَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّعْوَى مِنْ/ وَعَلَى فَسَادِ التَّقْلِيدِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قِيلَ لهم: أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُمْ مُنْكِرُونَ لِلْإِعَادَةِ؟ جَوَابُهُ: كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِالِابْتِدَاءِ، وَدَلَالَةُ الِابْتِدَاءِ عَلَى الْإِعَادَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ قَوِيَّةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْكَلَامُ مَقْرُونًا بِالدَّلَالَةِ الظَّاهِرَةِ صَارُوا كَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عذر في الإنكار، وهاهنا آخِرُ الدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّه تعالى.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ الْمُخْتَصُّ بِالْقُدْرَةِ فَكَذَلِكَ بَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِعِلْمِ الْغَيْبِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ ثَبْتَ أَنَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ، لِأَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ مُجَازَاةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْتَبِسُ بِأَهْلِ الْعِقَابِ، فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ حُكْمُهُ إِخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ أَوْ لَصَحَّ دخوله تحت المستثنى منه ودلت الآية هاهنا عَلَى اسْتِثْنَاءِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّنْ فِي السموات والأرض فوجب كونه ممن في السموات وَالْأَرْضِ وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُ تَعَالَى فِي الْمَكَانِ وَالْجَوَابُ: هَذِهِ الْآيَةُ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى فِي الْمَكَانِ زَعَمَ أَنَّهُ فوق السموات، وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ فِي مَكَانٍ فَقَدْ نَزَّهَهُ عَنْ كُلِّ الْأَمْكِنَةِ، فَثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ تعالى ليس في السموات وَالْأَرْضِ فَإِذَنْ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ فَنَقُولُ إِنَّهُ تَعَالَى ممن في السموات وَالْأَرْضِ كَمَا يَقُولُ الْمُتَكَلِّمُونَ: اللَّه تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ عِلْمَهُ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، لَا يُقَالُ إِنَّ كَوْنَهُ فِي السموات وَالْأَرْضِ مَجَازٌ وَكَوْنَهُمْ فِيهِنَّ حَقِيقَةٌ وَإِرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ حَقِيقَةً وَمَجَازًا غَيْرُ جَائِزَةٍ، لِأَنَّا نقول كونهم في السموات وَالْأَرْضِ، كَمَا أَنَّهُ حَاصِلٌ حَقِيقَةً وَهُوَ حُصُولُ ذَوَاتِهِمْ فِي الْأَحْيَازِ فَكَذَلِكَ حَاصِلٌ مَجَازًا، وَهُوَ كَوْنُهُمْ عَالِمِينَ بِتِلْكَ الْأَمْكِنَةِ فَإِذَا حَمَلْنَا هَذِهِ الْغَيْبَةَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهُوَ الْكَوْنُ فِيهَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ دَخَلَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْعَبِيدُ فِيهِ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَما يَشْعُرُونَ فهو صفة لأهل السموات وَالْأَرْضِ نَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَلِمُ الْغَيْبِ وَذَكَرَ فِي جُمْلَةِ الْغَيْبِ مَتَى الْبَعْثُ بِقَوْلِهِ: أَيَّانَ يُبْعَثُونَ فَأَيَّانَ بِمَعْنَى مَتَى وَهِيَ كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَيْ وَالْآنَ وَهُوَ الْوَقْتُ وَقُرِئَ إِيَّانَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ.

صفحة رقم 567
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية