
الاسم الأعظم- يا إلهنا وإله كل شيء، إلها واحد لا إله إلا أنت «١» -. ويقال: هو قوله يا حي يا قيوم. ويقال يا ذا الجلال والإكرام ويقال: إن الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ هو جبريل عليه السلام، وأكثر المفسرين على أنه آصف بن برخيا رضي الله عنه.
قال: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ يعني: قبل أن ينتهي إليك الذي وقع عليه منتهى بصرك، وهو جاءٍ إليك. ويقال: قبل أن تطرف. قال له سليمان: لقد أسرعت إن فعلت ذلك، فدعا بالاسم الأعظم، فإذا بالسرير قد ظهر بين يدي سليمان فَلَمَّا رَآهُ رأى سليمان السرير مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ أي: موجوداً عنده قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي يعني: ليختبرني أَأَشْكُرُ هذه النعمة أَمْ أَكْفُرُ نعم الله تعالى إذا رأيت من دوني هو أعلم مني. قال مقاتل:
فلما رفع رأسه قال: الحمد لله، أحمد الله الذي جعل في أهلي من يدعوه فيستجيب له وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ يعني: يفعل لنفسه، لأنه يعود إليه حيث يستوجب المزيد من الله تعالى وَمَنْ كَفَرَ النعم يعني: ترك الشكر فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عن شكر العباد كَرِيمٌ في الإفضال على من شكره بالنعمة. ويقال: كَرِيمٌ لمن شكر من عباده- ويقال: لما رأى آصف السرير مستقراً عنده، خرج من فضل نفسه ورجع إلى فضل ربّه ورأى الحول والقوة لله تعالى فقال:
هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لا من فضل نفسي، ولو لم يقل من فضل ربي، لسقط عن المنزلة أسرع من إتيان السرير حيث قال: أَنَا آتِيكَ بِهِ حيث شهر نفسه بالفضيلة ويقال: أَنَا آتِيكَ بِهِ يعني: بالله آتيك، لا بالمدة والحيلة، فأسقط الحول والقوة عن نفسه وسلم الأمر إلى الله فقال:
هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي. فلما رأى سليمان السرير عنده، علم أن هذا ليس من قوة جلسائه وإنما هو من صنع ربه»
-.
قوله عز وجل: قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها يعني: قال سليمان عليه السلام: غيّروا سريرها عن صورته، والتنكير: هو التغيير يقال: نكرته فتنكّر، أي غيرته، فتغير.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: «التنكير أن يزاد فيه أو ينقص عنه» يعني: زيدوا في سريرها، وانقصوا منه، حتى نرى أنها تعرف سريرها أم لا، وذلك قوله: نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي يعني:
أتعلم أنه عرشها أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ يعني: لا يعلمون. يقال: إنه جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه. ويقال: إنه أمر بذلك، لأن الجن قالوا لسليمان عليه السلام في عقلها شيء من النقصان، فأراد سليمان أن يمتحن عقلها، فأمر بأن يغير السرير ويسألها عن ذلك.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)
(٢) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «أ».

قوله: فَلَمَّا جاءَتْ يعني: بلقيس وجلست على السرير قِيلَ لها أَهكَذا عَرْشُكِ يعني: أهكذا سريرك قالَتْ بلقيس كَأَنَّهُ هُوَ شبهته به. قال مقاتل: شبهوا عليها، فشبهت عليهم، ولو قيل لها: أهذا عرشك؟ لقالت: نعم. ويقال: إنها شكت في ذلك، لأنها تركت سريرها في سبعة أبيات مقفلة أبوابها، ومفاتيح الأقفال بيدها. فقال سليمان: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها يعني: حمد الله على ما أعطاه من إِتيان السرير وحضورها، وعلى ما أعطاه قبل إتيانها من النبوة والإسلام، فقال: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها. يعني: أعطينا العلم من قبل مجيئها. ويقال:
أعطينا علم ملكها وعرشها من قبل مجيئها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ يعني: مخلصين لله تعالى. ويقال:
مُسْلِمِينَ منقادين له.
قوله عز وجل: وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: عبادتها التي كانت تعبد الشمس منعها عن الإسلام. ويقال: معناه صدها إبليس عن الإيمان، فتكون مَا هاهنا بمعنى الفاعل. ويقال: ما هنا بمعنى المفعول، فكأنه يقول: صدها سليمان عما كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله عز وجل، كرجل يقول: منعت فلاناً الماء، يعني: عن الماء. ويقال معناه: أن الله تعالى صدّها عما كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله، فوفقها للإسلام. ويقال: صدها عن الإسلام العادة التي كانت عليها، لأنها نشأت على ذلك وربيت، ولم تعرف إلا قوماً يعبدون الشمس ثم قال:
إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ أي: من قوم جاحدين لله تعالى.
قوله عز وجل: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
يعني: القصر، وذلك لأنها لما أقبلت قالت الجن: لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب، فلو اجتمع سليمان وهذه، وما عندها من العلم لهلكنا، وخشوا أن يتزوجها ويكون بينهما ولد فيرث الملك، فيبقون في ذلك العناء إلى الأبد، فأرادوا إن يبغضوها إلى سليمان فقالوا: إن رجليها شعراوان، وقال مقاتل: بل كانت أمها جنية.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانت أمها جنية وكانت شعراء. وقال بعضهم: هذا لا يصح، لأن الجن ليس من جنس الآدميّ فلا يكون بينهما شهوة ونسل، وقال الله تعالى إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [الحجرات: ١٣]. يعني: آدم وحواء عليهما السلام فلا يجوز أن يكون النسل من غيرهما. ويقال: إنهم قالوا لسليمان: إن رجلها تشبه حافر الدواب. فأراد سليمان أن ينظر إلى رجليها، فأمر بأن يوضع سريرها في الصرح المبني من القوارير يعني: من الزجاج، وجعل تحت الصرح الماء فيه السمك، فجلس سليمان على سريره في الصرح في مقدّمه، ثم أمرت بلقيس بأن تدخل الصرح لَمَّا رَأَتْهُ
يعني: فلما جاءت إلى الصرح رأت ما فيه من السمك سِبَتْهُ لُجَّةً
يعني ظنت أنه ماء كثير بين يدي سرير سليمان، فأرادت أن تخوض في