آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ

علم الوحى والشرائع. وقيل: هو اللوح. والذي عنده علم منه: جبريل عليه السلام. وآتيك- في الموضعين- يجوز أن يكون فعلا واسم فاعل. الطرف: تحريكك أجفانك إذا نظرت، فوضع موضع النظر. ولما كان الناظر موصوفا بإرسال الطرف في نحو قوله:

وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر «١»
وصف بردّ الطرف، ووصف الطرف بالارتداد. ومعنى قوله قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أنك ترسل طرفك إلى شيء، فقبل أن تردّه أبصرت العرش بين يديك: ويروى أن آصف قال لسليمان عليه السلام: مدّ عينيك حتى ينتهى طرفك. فمدّ عينيه فنظر نحو اليمن. ودعا آصف فغار العرش في مكانه بمأرب، ثم نبغ «٢» عند مجلس سليمان عليه السلام بالشام بقدرة الله، قبل أن يردّ طرفه. ويجوز أن يكون هذا مثلا لاستقصار مدّة المجيء به، كما تقول لصاحبك: افعل كذا في لحظة، وفي ردّة طرف، والتفت ترني، وما أشبه ذلك: تريد السرعة. يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لأنه يحط به عنها عبء الواجب، ويصونها عن سمة الكفران، وترتبط به النعمة ويستمد المزيد.
وقيل: الشكر، قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة. وفي كلام بعض المتقدمين: إن كفران النعمة بوار، وقلما أقشعت «٣» ناقرة فرجعت في نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم راهنها بكرم الجوار. واعلم أن سبوغ ستر الله متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقارا غَنِيٌّ عن الشكر كَرِيمٌ بالإنعام على من يكفر نعمته، والذي قاله سليمان عليه السلام عند رؤية العرش شاكرا لربه، جرى على شاكلة أبناء جنسه من أنبياء الله والمخلصين من عباده يتلقون النعمة القادمة بحسن الشكر، كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤١ الى ٤٣]
قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣)
(١).
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
لأعرابية، نظرها أعرابى فخاطبها بشعر يسألها عن أحوالها ومحاسنها، كأنه يراودها عن نفسها، فأجابته بذلك وقيل: هو لشاعر حماسى. وشبه إطلاق البصر نحو المناظر الجميلة بإرسال الرائد أمام الركب يتعرف لهم مكان الخصب، على طريق التصريحية، ورائدا ترشيح، لأنه يلائم الإرسال. ويوما: ظرف له. والمناظر: مواقع النظر، واستدل على إتعابها إياه بقوله: رأيت الذي لا تملكه كله ولا تصبر عن بعضه، فكانت عينك سببا لوقوع قلبك في حيرة الهوى وحرقة الجوى.
(٢). قوله «ثم نبغ عند مجلس سليمان» في الصحاح «نبغ الشيء» : ظهر. (ع)
(٣). قوله «وقلما أقشعت» أى: أقلعت، أفاده الصحاح. (ع)

صفحة رقم 368

نَكِّرُوا اجعلوه متنكرا متغيرا عن هيئته وشكله، كما يتنكر الرجل للناس لئلا يعرفوه.
قالوا: وسعوه وجعلوا مقدّمه مؤخره، وأعلاه أسفله. وقرئ: ننظر، بالجزم على الجواب، وبالرفع على الاستئناف أَتَهْتَدِي لمعرفته، أو للجواب الصواب إذا سئلت عنه، أو للدين والايمان بنبوّة سليمان عليه السلام إذا رأت تلك المعجزة البينة، من تقدّم عرشها وقد خلفته وأغلقت عليه الأبواب ونصبت عليه الحرس. هكذا ثلاث كلمات: حرف التنبيه، وكاف التشبيه، واسم الإشارة. لم يقل: أهذا عرشك، ولكن: أمثل هذا عرشك، لئلا يكون تلقينا قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ولم تقل: هو هو، ولا ليس به، وذلك من رجاحة عقلها، حيث لم تقع في المحتمل «١» وَأُوتِينَا الْعِلْمَ من كلام سليمان وملئه: فإن قلت: علام عطف هذا الكلام، وبم اتصل؟ قلت: لما كان المقام- الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به- مقاما أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم وَأُوتِينَا الْعِلْمَ نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو: قد أصابت في جوابها وطبقت المفصل «٢»، وهي عاقلة لبيبة، وقد رزقت الإسلام، وعلمت قدرة الله وصحة النبوّة بالآيات التي تقدّمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها- عطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها، ولم نزل على دين الإسلام شكرا لله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها وَصَدَّها عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين ظهر انى الكفرة، ويجوز أن يكون من كلام بلقيس موصولا بقولها كَأَنَّهُ هُوَ والمعنى: وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة نبوّة سليمان

(١). قال محمود: «لم يقل أهذا عرشك، لئلا يكون تلقينا، قالت. كأنه هو ولم تقل هو هو، ولا ليس بهو وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقع في المحتمل، قال أحمد: وفي قولها كَأَنَّهُ هُوَ وعدولها عن مطابقة الجواب للسؤال، بأن تقول: هكذا هو، نكتة حسنة. ولعل قائلا يقول: كلا العبارتين تشبيه، إذ كاف التشبيه فيهما جميعا، وإن كانت في إحداهما داخلة على اسم الاشارة، وفي الأخرى داخلة على المضمر، وكلاهما- أعنى اسم الاشارة والمضمر- واقع على الذات المشبهة، وحينئذ تستوي العبارتان في المعنى، ويفضل قولها هكذا هو بمطابقته للسؤال، فلا بد في اختيار كَأَنَّهُ هُوَ من حكمة فنقول: حكمته والله أعلم: أن كَأَنَّهُ هُوَ عبارة من قرب عنده الشبه حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين، فكاد يقول: هو هو، وتلك حال بلقيس. وأما هكذا هو، فعبارة جازم بتغاير الأمرين، حاكم بوقوع الشبه بينهما لا غير، فلهذا عدلت إلى العبارة المذكورة في التلاوة لمطابقتها لحالها والله أعلم. وقول الزمخشري: ولا ليس بهو، إن كان من قوله فوهم، والصواب: ولا ليس به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(٢). قوله «وطبقت المفصل»
لعله: وطابقت. (ع)

صفحة رقم 369
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية