
وكذبوها. والحال أنهم متيقنون أنها آيات مؤيدة لموسى حالة كونهم ظالمين باغين متعالين.
فانظر يا محمد وكذا كل مخاطب كيف كانت عاقبة المفسدين؟ فقد كان جزاؤهم الغرق والإهلاك، ونجاة موسى ومن معه من بنى إسرائيل، حقا لقد صدق الله وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [سورة النمل آية ٦].
من نعم الله على داوود وسليمان وقصة النملة [سورة النمل (٢٧) : الآيات ١٥ الى ١٩]
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)
المفردات:
مَنْطِقَ الطَّيْرِ المنطق والنطق: كل صوت يعبر به عما في الضمير حُشِرَ جمع يُوزَعُونَ يرد أولهم إلى آخرهم ويكفون، والوازع في الحروب الموكل

بالصفوف يزع من تقدم منهم، الوزع الكف والمنع لا يَحْطِمَنَّكُمْ لا يكسرنكم.
وهذا جزء من قصة داوود وسليمان ابنه- عليهما الصلاة والسلام-.
المعنى:
ولقد آتينا داوود نبي الله وسليمان ابنه- عليهما الصلاة والسلام- آتاهما ربهما علما من لدنه، علما شريفا يتعلق بذاته تعالى، وبوصفه بصفات الجلال والكمال، وتنزهه عن كل نقص وما هو في حقه من المحال، علما هو أشرف العلوم والمعارف، علما جامعا لخيرى الدنيا والآخرة، ولقد آتيناهما علما فعملا به حتى امتلأ قلبهما يقينا وعزما أكيدا على فعل الطاعات، وهجر المحرمات، والشكر لله- سبحانه- حتى قالا: الحمد لله وحده، الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين، بهذه العلوم والمعارف المصحوبة بالعمل القلبي والبدني واللساني، وفي هذا رفع لمرتبة العلم والعلماء. إذ قد أوتيا من الملك ما لم يؤت غيرهما فلم يكن شكرهما على الملك كشكرهما على العلم.
وكان لداود أولاد كثيرة، ولكن سليمان ورث أباه في العلم والنبوة والملك والحكم لا في المال لأن الأنبياء لا تورث فيه
«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»
حديث شريف، ومما يؤيد هذا ما سيأتى من معرفة منطق الطير، والإتيان من كل شيء، وذكر جنود سليمان من الجن والإنس والطير.
وقال سليمان تحدثا بنعمة الله، وإشهارا لها، وتنويها بها، ودعاء للناس ليصدقوا بها على أنها معجزة. قال سليمان: أيها الناس: قد علمنا منطق الطير والحيوان. وإنما خص الطير لأنه من جنوده التي كان لها مواقف بارزة في حياته كما سيأتى في قصة الهدهد.
وللطير منطق إذ هو يصوت بأصوات مختلفة تدل دلالة قوية على أحاسيسه وحاجاته فصهيل الفرس عند طلبها الأكل غير صهيلها عند طلبها الحصان للفساد، وصوتها عند الألم والضرب غير صوتها وهي تدعو رضيعها ليرضعها، وهكذا كل حيوان، فمواء القطة عند حبسها في مكان ضيق غير موائها عند طلبها الأكل أو السفاد مثلا- هذه حقائق معترف بها وكما قال الشيخ البيضاوي في تفسيره ما معناه، ولعل سليمان كان إذا صوت حيوان علم بقوته الحدسية التخيلية صوته والغرض الذي توخاه به، ومن

ذلك ما حكى عنه أنه مر ببلبل يصوت ويرقص فقال سليمان: إنه يقول «ليت الخلق لم يخلقوا» فلعل صوت البلبل كان على شبع وفراغ بال. وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلبها.
وعلى كل فإدراك أصوات الحيوانات خصوصا الطير، وما يقصد منه لم يكن إلا هبة من الله- تعالى-، وقد وهبها سليمان وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
ويقول سليمان تحدثا بنعمة الله وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وهذا يفيد كثرة نعم الله عليهما إن هذا لهو الفضل المبين، وأى فضل أظهر من هذا؟ وفيه تقرير للحمد والثناء على الله- سبحانه وتعالى-، ولا تنس أنه يقر بأنهما أوتيا من كل شيء يتصل بالنبوة والملك والحكم.
وأما قوله- تعالى-: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ فهو دليل على قوة سليمان، وكثرة سلطانه، وتعدد جنده من الجن والإنس والطير أما جند سليمان من الجن فظاهر من قوله- تعالى-: وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ الآيتان ١٢، ١٣] وأما الطير فقصة الهدهد ستأتى إن شاء الله، وأما الإنس فمعلوم أنه كان لسليمان ملك وجند بنص القرآن الكريم.
وهؤلاء الجند لهم قواد وحكام ونظام فهم يوزعون، ويكفون عن الفوضى وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [سورة الأنعام آية ٣٨].
قصة النملة مع سليمان:
حتى إذا أتى سليمان وجنده الكثيف (الكثير) من فوق على وادي النمل والله أعلم.
بمكانه... قالت نملة. لها حق الإمارة على النمل، قالت: ادخلوا مساكنكم لا يكسرنكم ولا يحطمنكم سليمان وجنده بأرجلهم وهم لا يشعرون بكم لصغر حجمكم، وسيركم وسط الرمال.
فتبسم سليمان ضاحكا من قولها حيث وصفت جنده بأنهم لا يعمدون إلى الشر، ولا يشعرون بعملهم له ولا شك أن هذه النعم، وخصوصا فهم سليمان عن النملة يقتضى منه الشكر والحمد لله فقال: رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت على