آيات من القرآن الكريم

وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

قوله تعالى: بِشِهابٍ قَبَسٍ قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب إِلاّ زيداً: «بشهابٍ» بالتنوين. وقرأ الباقون على الإِضافة غير منوَّن. قال الزجاج: من نوّن الشّهاب، جعل القبس من صفة الشهاب، وكل أبيض ذي نور، فهو شهاب. فأما من أضاف، فقال الفراء: هذا مما يضاف إِلى نفسه إِذا اختلفت الأسماء، كقوله تعالى: وَلَدارُ الْآخِرَةِ «١». قال ابن قتيبة: الشّهاب: النّار، والقيس: النار تُقْبَس: يقال: قَبَسْتُ النار قَبْساً، واسم ما قَبَستَ: قَبَسٌ.
قوله تعالى: تَصْطَلُونَ أي: تستدفئون، وكان الزمان شتاءً.
قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَها أي: جاء موسى النارَ، وإِنما كان نوراً فاعتقده ناراً، نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن المعنى: قُدِّس مَنْ في النّار، وهو الله عزّ وجلّ، قاله ابن عباس، والحسن والمعنى: قُدِّس مَنْ نادى من النّار، لا أنّ الله عزّ وجلّ يَحُلُّ في شيء. والثاني: أن «مَنْ» زائدة فالمعنى: بوركتِ النَّارُ، قاله مجاهد. والثالث: أن المعنى بُورِك على من في النار، أو فيمن في النار قال الفراء: والعرب تقول: باركه الله، وبارك عليه، وبارك فيه، بمعنى واحد، والتقدير: بورك في من طلب النار، وهو موسى، فحذف المضاف. وهذه تحيَّة من الله تعالى لموسى بالبركة، كما حيَّا إِبراهيمَ بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه، فقالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ «٢».
فخرج في قوله تعالى: بُورِكَ قولان: أحدها: قدس. والثاني: من البركة. وفي قوله تعالى: وَمَنْ حَوْلَها ثلاثة أقوال: أحدها: الملائكة، قاله ابن عباس، والحسن. والثاني: موسى والملائكة، قاله محمد بن كعب. والثالث: موسى فالمعنى: بُورِك فيمن يطلبها وهو قريب منها.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٩ الى ١٤]
يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣)
وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)
قوله تعالى: إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الهاء عماد في قول أهل اللغة وعلى قول السدي: هي كناية عن المنادي، لأن موسى قال: مَن هذا الذي يناديني؟ فقيل: «إِنَّه أنا الله».
قوله تعالى: وَأَلْقِ عَصاكَ في الآية محذوف، تقديره: فألقاها فصارت حيَّة، فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ قال الفراء: الجانّ: الحيَّة التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة «٣».
قوله تعالى: وَلَمْ يُعَقِّبْ فيه قولان: أحدهما: لم يلتفت، قاله قتادة. والثاني: لم يرجع، قاله

(١) يوسف: ١٠٩.
(٢) هود: ٧٣.
(٣) قال ابن كثير رحمه الله ٣/ ٤٤٣: الجانّ ضرب من الحيات، أسرعه حركة، وأكثره اضطرابا.
- وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن قتل الجنّان التي في البيوت». أخرجه البخاري ٣٣١٢ و ٣٣٣١٣ ومسلم ٢٢٣٣ وأبو داود ٥٢٥٣ وابن حبان ٥٦٣٩.

صفحة رقم 353

ابن قتيبة، والزجاج. قال ابن قتيبة: وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العَقْبِ..
قوله تعالى: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ أي: لا يخافون عندي. وقيل: المراد: في الموضع الذي يوحى إِليهم فيه، فكأنه نبَّهه على أن من آمنه الله بالنبوَّة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حيَّة. وفي قوله تعالى: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثلاثة أقوال «١» :
أحدها: أنه استثناء صحيح، قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل والمعنى: إِلا من ظَلَمَ منهم فانه يخاف. قال ابن قتيبة: علم الله تعالى أن موسى مُسْتَشْعِرٌ خِيفةً من ذَنْبه في الرَّجل الذي وَكزَه، فقال:
«إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً» أي: توبة وندماً، فانه يخاف، وإِني غفور رحيم.
والثاني: أنه استثناء منقطع والمعنى: لكن من ظلَمَ فانه يخاف، قاله ابن السائب والزجاج.
وقال الفراء: «مَنْ» مستثناة من الذين تُركوا في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسَلون، إِنما الخوف على غيرهم، إِلا من ظَلَمَ، فتكون «مَنْ» مستثناة. وقال ابن جرير: في الآية محذوف، تقديره:
إِلا من ظَلَمَ، فمن ظَلَمَ ثم بدَّل حُسْناً.
والثالث: أن «إِلاّ» بمعنى الواو، فهو كقوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ «٢»، حكاه الفراء عن بعض النحويين، ولم يرضه.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وسعيد بن جبير، والضحاك، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: «أَلا مَنْ ظَلَمَ» بفتح الهمزة وتخفيف اللام. وللمفسرين في المراد بالظّلم ها هنا قولان «٣» :
أحدهما: المعاصي. والثاني: الشِّرك. ومعنى «حُسْناً» توبة وندماً.
وقرأ ابن مسعود، والضَّحَّاك، وأبو رجاء، والأعمش، وابن السميفع، وعبد الوارث عن أبي عمرو: «حَسَناً» بفتح الحاء والسين بَعْدَ سُوءٍ أي: بعد إِساءة، وقيل: الإِشارة بهذا إِلى أن موسى وإِن كان قد ظلم نفسه بقتل القبطي، فان الله يغفِر له، لأنه ندم على ذلك وتاب.
قوله تعالى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ الجَيْب حيث جِيبَ من القميص، أي: قُطِع. قال ابن جرير:
إنّما أمر بإدخال يده في جيبه، لأنه كان عليه حينئذ مِدْرَعة من صوف ليس لها كُمّ. والسُّوء: البَرَص.
قوله تعالى: فِي تِسْعِ آياتٍ قال الزجاج: «في» مِنْ صلة قوله: «وأَلْقِ عصاك» «وأدخل يدك»، فالتأويل:

(١) قال الزمخشري في «الكشاف» ٣/ ٣٥٦: وإِلَّا بمعنى لكن، لأنه لما أطلق نفي الخوف عن الرسل كان مظنّة لطروق الشبهة، فاستدرك ذلك. والمعنى: ولكن من ظلم منهم أي فرطت منه صغيرة مما يجوز على الأنبياء، كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف، ومن موسى بوكزه القبطي، وسماه ظلما، كما قال موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي- القصص: ١٦- والحسن، والسوء: حسن التوبة، وقبح الذنب. وقال الطبري في «تفسيره» ٩/ ٥٠٠: والصواب من القول في قوله تعالى: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ أنه استثناء صحيح وهو قول الحسن البصري وابن جريج ومن قال قولهما. وقال ابن كثير في «تفسيره» ٣/ ٤٤٣: وهذا استثناء منقطع، وفيه بشارة عظيمة للبشر، وذلك أن من كان على شيء ثم أقلع عنه ورجع وأناب. فإن الله يتوب عليه كما قال تعالى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى والآيات في هذا كثيرة.
(٢) البقرة: ١٥٠.
(٣) تقدم معنى الظلم بقول الزمخشري رحمه الله، وابن كثير رحمه الله.

صفحة رقم 354
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية