آيات من القرآن الكريم

فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ
ﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ

والخلاصة: أن هذه الأدعية من أبي الأنبياء وإمام الحنفاء تستهدف التوجيه والتعليم والاتباع والالتزام، فما علينا إلا تردادها والعمل بها.
- ٣- أوصاف يوم القيامة وثواب الله وعقابه وندم المشركين على ضلالهم
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٩٠ الى ١٠٤]
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤)
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩)
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤)
الإعراب:
أَجْمَعُونَ إما تأكيد للجنود إن جعل مبتدأ، وخبره ما بعده، وإما تأكيد للضمير هُمْ وما عطف عليه.
تَاللَّهِ إِنْ مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف أي إنه.
فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً، فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: فتح أن لوقوعها بعد لو وإنما فتحت بعد لو لأنها لا يقع بعدها إلا الفعل، وهو فعل لا يجوز إظهاره، وتقديره: لو وقع أن لنا كرة. ونكون: منصوب على جواب التمني بالفاء بتقدير «أن» لأن «لو» في معنى التمني.

صفحة رقم 176

البلاغة:
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ووَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ بينهما مقابلة.
لِلْمُتَّقِينَ لِلْغاوِينَ مُبِينٍ الْعالَمِينَ شافِعِينَ الْمُؤْمِنِينَ سجع ومراعاة للفواصل أواخر الآيات.
تَعْبُدُونَ يَنْتَصِرُونَ الْغاوُونَ أَجْمَعُونَ يَخْتَصِمُونَ الْمُجْرِمُونَ سجع ومراعاة فواصل أيضا.
المفردات اللغوية:
وَأُزْلِفَتِ قرّبت ليدخلوها بحيث يرونها من الموقف. وَبُرِّزَتِ أظهرت وجعلت بارزة لهم بحيث يرون أهوالها. لِلْغاوِينَ الكافرين الضالين عن طريق الحق. أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، مِنْ دُونِ اللَّهِ قيل لهم على سبيل التوبيخ: أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم من غير الله من الأصنام. هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ بدفع العذاب عنكم. أَوْ يَنْتَصِرُونَ بدفعه عن أنفسهم لأنهم وآلهتهم يدخلون النار، كما قال: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ألقوا فيها على وجوههم، الآلهة وعبدتها. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أتباعه ومطيعوه من عصاة الثقلين: الجن والإنس. مُبِينٍ بيّن. قالُوا أي الغاوون. وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ يتخاصمون مع معبوديهم، على أساس أن الله ينطق الأصنام، فتخاصم العبدة، ويؤيده الخطاب في قوله: إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ أي نجعلكم مساوين له في استحقاق العبادة. قال البيضاوي: ويجوز أن تكون الضمائر للعبدة، كما في قالُوا والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة، والمعنى: أنهم مع تخاصمهم في مبدأ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة، متحسرون عليها. وَما أَضَلَّنا عن الهدى. إِلَّا الْمُجْرِمُونَ الشياطين أو آباؤنا الذين اقتدينا بهم. فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء.
صَدِيقٍ صادق في وده. حَمِيمٍ يهمه أمرنا. وجمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق، أو لإطلاق الصديق على الجمع كالعدو لأنه في الأصل مصدر كالحنين والصهيل. كَرَّةً رجعة إلى الدنيا وقوله: فَلَوْ للتمني، أقيم مقام «ليت» لتلاقيهما في معنى التقدير، ونكون: جواب التمني. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً فيما ذكر من قصة إبراهيم لَآيَةً لحجة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر. وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ أكثر قومه مُؤْمِنِينَ به. الْعَزِيزُ القادر على تعجيل الانتقام. الرَّحِيمُ بالإمهال لكي يؤمنوا، هم أو أحد من ذريتهم.

صفحة رقم 177

المناسبة:
بعد أن دعا إبراهيم عليه السلام بدعوات المخلصين الأوابين، وختمها بألا يخزيه الله يوم البعث، وصف يوم القيامة، وما فيه من ثواب وعقاب، وندم المشركين وحسرتهم على ما كانوا فيه من الضلال، وتمني الكرّة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.
التفسير والبيان:
وصف إبراهيم عليه السلام يوم القيامة بثلاثة أوصاف هي:
١- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ أي إن ذلك اليوم هو اليوم الذي قرّبت وأدنيت فيه الجنة للمتقين السعداء، ينظرون إليها، ويدخلون فيها، تعجيلا للبشارة والمسرّة بما عملوا في الدنيا من صالحات الأعمال، كما قال تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، غَيْرَ بَعِيدٍ [ق ٥٠/ ٣١].
وهو اليوم الذي أظهرت فيه النار وجعلت بارزة مكشوفة للضالين عن الحق الكافرين الأشقياء، بحيث يرونها، ويعلمون أنهم مواقعوها، تعجيلا للغم والحسرة على شقاوتهم في الدنيا، كما قال تعالى: وَقِيلَ: الْيَوْمَ نَنْساكُمْ، كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا، وَمَأْواكُمُ النَّارُ، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ [الجاثية ٤٥/ ٣٤] وقال سبحانه: فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك ٦٧/ ٢٧].
ثم يسأل أهل النار تقريعا وتوبيخا، فيقال لهم:
٢- وَقِيلَ لَهُمْ: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، مِنْ دُونِ اللَّهِ، هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ؟ أي أين آلهتكم التي عبدتموها من دون الله من تلك الأصنام والأنداد، هل ينفعونكم بنصرتهم لكم ويمنعونكم من العذاب، وهل ينفعون أنفسهم

صفحة رقم 178

بانتصارهم ودفع العذاب عنهم؟ لا يحصل كلا الأمرين، فإنهم وآلهتهم وقود النار، وحصب جهنم، هم لها واردون، كما قال:
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ أي فدهوروا فيها، أي الآلهة غير المؤمنة وعبدتهم، والقادة وأتباعهم يلقون فيها إلقاء مكررا، بعضهم على بعض، كما يلقى معهم متّبعو إبليس من عصاة الإنس والجن أجمعين، أولهم وآخرهم. وتقديم إلقاء الآلهة ليشاهد الغاوون سوء حالهم، وييأسوا من النجاة.
٣- قالُوا- وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ-: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ أي قال أهل الغواية، وهم في حال الغيظ الشديد من المخاصمة والمحاجة بينهم وبين الآلهة المعبودة والشياطين الداعية لتلك العبادة: والله لقد كنا في ضلال عن الحق واضح بيّن حين نجعلكم أيها الأصنام والأحجار والملائكة وبعض البشر متساوين في استحقاق العبادة وإطاعة الأمر مع رب العالمين من الإنس والجن: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ص ٣٨/ ٦٤].
وهذا خطاب في الحقيقة بدليل قولهم:
وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ أي والحق أنه ما دعانا إلى ذلك الخطأ العظيم إلا المجرمون من الشياطين والقادة والرؤساء، كما قال تعالى: وَقالُوا: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب ٣٣/ ٦٧]. وقد أفلسنا اليوم من وعودهم الكاذبة والآمال المعقودة كما قال:
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ أي فليس لنا اليوم شفيع يشفع، ولا صديق ودود قريب يهمه أمرنا، من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى، وكان لهم أصدقاء من شياطين الإنس يعدونهم بالنجاة والإنقاذ، كما قال تعالى: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ

صفحة رقم 179

فَيَشْفَعُوا لَنا، أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
[الأعراف ٧/ ٥٣] وقال سبحانه: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف ٤٣/ ٦٧].
فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي ليت لنا رجعة إلى الدنيا، فنؤمن بالله ربنا وحده لا شريك له، ونؤمن برسله الكرام، ونعمل صالحا غير الذي كنا نعمل، ولكن ذلك كذب ومراوغة، كما أخبر تعالى عنهم بخلاف ذلك، وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الأنعام ٦/ ٢٨] وقال سبحانه أيضا: وَلَوْ رَحِمْناهُمْ، وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ، لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [المؤمنون ٢٣/ ٧٥].
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أي في ذلك المذكور من قصة إبراهيم، ومحاجته لقومه، وإقامة الحجج عليهم في التوحيد، وتغلبه عليهم، وفي مخاصمة أهل النار، لعظة وعبرة، ودلالة واضحة جلية على أن:
لا إله إلا الله، وألا معبود سواه، ولا رب غيره، وما كان أكثر قوم إبراهيم بمؤمنين بالله وبرسوله.
وفي هذا تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عما يلقاه من تكذيب قومه وإعراضهم عن دعوته، مع إقامة الأدلة، وظهور المعجزات.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ أي وإن ربك الذي أحسن إليهم بإرسالك لهم لهدايتهم، لقادر على الانتقام منهم، ورحيم بهم إذ لم يعجل إهلاكهم، ورحيم بالمؤمنين الطائعين.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه الآيات الكريمة تصوير تام شامل لليوم الآخر، ووصف موجز ليوم القيامة بما فيه من ثواب المتقين وعقاب العصاة الكافرين، وندم المشركين على ضلالهم في الدنيا.

صفحة رقم 180

وهو تصوير محبّب، ووصف جذاب يأخذ بمجامع القلوب، فالجنة تقرّب وتدنى للمتقين فتتعلق بها نفوسهم ويأخذهم الفرح والحبور، وتعمهم الغبطة، وجهنم تبرز وتكشف للكافرين الذين ضلوا عن الهدى، وتظهر لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن، فيبدو منها عنق، فإذا زفرت زفرة بلغت القلوب منها الحناجر، كما يستشعر أهل الجنة الفرح، لعلمهم أنهم يدخلون الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
ويقال لأهل جهنم تقريعا وتوبيخا: أين آلهتكم من الأصنام والأنداد التي كنتم تعبدونها من دون الله، هل ينصرونكم وينجونكم من عذاب الله، وهل ينتصرون لأنفسهم؟! إنهم يقلبون على رؤوسهم، ويدهورون في النار، ويلقى بعضهم على بعض، الآلهة المعبودة وعابدوها وجنود إبليس أجمعون، وهم من كان من ذريته، وكل من دعاه إلى عبادة الأصنام ونحوها فاتّبعه.
حينئذ لا يجد هؤلاء الكفرة مناصا من الإقرار بكفرهم، ويقول الإنس والشياطين والغاوون والمعبودون المتخاصمون في جهنم: والله إننا كنا في ضلال مبين، أي في خسار وتبار وحيرة عن الحق بينة، إذ اتخذنا مع الله آلهة، فعبدناها كما يعبد الإله الحق، ونجعلها مساوية في العبادة لرب العالمين، وهذه الآلهة لا يستطيعون الآن نصرنا ولا نصر أنفسهم، ولقد أضلنا الشياطين الذين زينوا لنا عبادة الأصنام، أو أسلافنا الذين قلدناهم، قال أبو العالية وعكرمة:
الْمُجْرِمُونَ: إبليس وابن آدم القاتل: هما أوّل من سنّ الكفر والقتل وأنواع المعاصي.
فليس لنا شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين، ولا صديق مشفق علينا. قال الزمخشري رحمه الله: وجمع الشافع لكثرة الشافعين، ووحّد

صفحة رقم 181
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية