آيات من القرآن الكريم

فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌﰍ ﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳ ﰿ ﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ

المنَاسَبَة: ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة سبع قصص: أولها قصة موسى وهارون، وثانيها قصة إبراهيم، وثالثها قصة نوح، ورابعها قصة هود، وخامسها قصة صالح وسادسها قصة لوط وسابعها قصة شعيب، وكل تلك القصص لتسلية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عما يلقاه من المشركين، ولا تزال الآيات تتحدث عن قصة موسى عليه السلام. اللغَة: ﴿أَسْرِ﴾ من الإِسراء وهو السير ليلاص فلا يقال لمن سار نهاراً أسرى وإِنما هو خاصٌ بالليل ﴿شِرْذِمَةٌ﴾ الشرذمة: الجمع القليل الحقير والجمع شراذم قال الجوهري: الشرذمة الطائفةُ من الناس، والقطعةُ من الشيء، وثوبٌ شراذم أي قطع ﴿أَزْلَفْنَا﴾ قرَّبنا ومنه ﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي قُرّبت قال الشاعر:

وكلُّ يوم مضى أو ليلةٍ سلفَتْ فيها النفوسُ إلى الآجال تزَّدلفُ
﴿فَكُبْكِبُواْ﴾ كَبْكَبَ الشيء: قلبَ بعضه على بعض قال ابن عطية: وهو مضاعف من كبَّ وهو قول الجمهور مثل صرّ، وصَرْصَر، وقال الزمخشري: الكبكبة: تكرير الكبِّ جُعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى كأنه إذا أُلقي في جهنم ينكبُّ مرة بعد مرة حتى يستقر في قعرها ﴿فَكُبْكِبُواْ﴾ الحميم: الصديق الخالص الذي يهمه ما أهمَّك ﴿كَرَّةً﴾ الكرة: العودة والرجوع مرة أُخرى.
التفسِير: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بعبادي﴾ أي أمرنا موسى بطريق الوحي أن يسير ليلاً إلى جهة البحر ببني إسرائيل قال القرطبي: أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً، وسمّاهم عباده لأنهم آمنوا بموسى ﴿إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ﴾ أي يتبعكم فرعون وقومه ليردوكم إلى أرض مصر ويقتلوكم ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدآئن حَاشِرِينَ﴾ أي أرسل فرعون في طلبهم حين أَخبر بمسيرهم وأمر أن يُجمع له الجيش من كل المُدُن قائلاً لهم ﴿إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ أي طائفة قليلة قال الطبري: كان بنو إسرائيل ستمائة وسبعين ألفاً ولكنه قلَّلهم بالنسبة إلى كثرة جيشه ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ﴾ أي وإنهم يفعلون أفعالاً تغيظنا وتضيق صدورنا ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ أي ونحن قوم متيقظون منتبهون، من عادتنا التيقظ والحذر، واستعمالُ الحزم في الأمور قال الزمخشري: وهذه معاذير اعتذر بها إلى قومه لئلا عادتنا التيقظ والحذر، واستعمالُ الحزم في الأمور قال الزمخشري: وهذه معاذير اعتذر بها إلى قومه لئلايُظنَّ به ما يكسر من قهره وسلطانه، قال تعالى {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن

صفحة رقم 350

جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أي أخرجنا فرعون وقومه من بساتين كانت لهم وأنهار جارية ﴿وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ أي وأخرجناهم من الأموال التي كنزوها من الذهب والفضة، ومن المنازل الحسنة والمجالس البهية ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيلَ﴾ أي مثل ذلك الإِخراج الذي وضعناه فعلنا بهم، وأورثنا بني إسرائيل ديارهم وأموالهم بعد إغراق فرعون وقومه ﴿فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ﴾ أي فلحقوهم وقت شروق الشمس ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان﴾ أي فلما رأى كلٌّ منهما اللآخر، والمراد جمعُ موسى وجمع فرعون ﴿قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ إي مُلحقون يلحقنا فرعون وجنوده فيقتلوننا، قالوا ذلك حين رأوا فرعون الجبار وجنوده وراءهم، والبحر أمامهم، وساءت ظنُونُهم ﴿قَالَ كَلاَّ﴾ أي قال موسى كلاَّ لن يدركوكم فارتدعوا عن مثل هذا الكلام وانزجروا ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ إنَّ ربي معي بالحفظ والنصرة، وسيهديني إلى طريق النجاة والخلاص قال الرازي: قوَّى نفوسهم بأمرين: أحدهما أن ربه معه وهذا دلالة النصرة والتكفل بالمعونة والثاني قوله ﴿سَيَهْدِينِ﴾ أي إلأى طريق النجاة والخلاص، وإِذا دلَّه على طريق نجاته وهلاك أعدائه فقد بلغ النهاية في النصرة ﴿فَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر﴾ أي أمرنا موسى بطريق الوحي أن يضرب البحر بعصاه ﴿فانفلق﴾ أي فضربه فانشق وانفلق ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم﴾ أي فكان كل جزء منه كالجبل الشامخ الثابت قال ابن عباس: صار فيه اثنا عشر طريقاً لكل سبطٍ منهم طريق ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين﴾ أي وقربنا هناك فرعون وجماعته حتى دخلوا البحر على إثر دخول بني إسرائيل ﴿وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ﴾ أي أندينا موسى والمؤمنين معه جميعاً ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين﴾ أي أغرقنا فرعون وقومه قال المفسرون: لما انفلق البحر جعله الله يبَساً لموسى وقومه، وصار في اثنا عشر طريقاً ووقف الماء بينها كالطود العظيم، فلما خرج أصحاب موسى وتكامل دخول أصحاب فرعون أمر الله البحر أن يطبق عليهم فغرقوا فيه، فقال بعض أصحاب موسى: ما غرق فرعون! فبذ على ساحل البحر حتى نظروا إليه ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ أي إنَّ في إغراق فرعون وقومه لعبرة عظيمة على إِنجاء الله لأوليائه، وإِهلاكه لأعدائه ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أي ومع مشاهدة هذه الآية العظمى لم يؤمن أكثر البشر، وفيه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووعيدٌ لمن عصاه ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ أي المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه ﴿واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ﴾ هذه بداية قصة إبراهيم أي اقصص عليهم يا محمد خبر إبراهيم الهام وشأنه العظيم ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَِ﴾ أي حين قال لأبيه وعشيرته أيَّ شيءٍ تعبدون؟ سألهم مع علمه بأنهم يعبدون الأصنام ليبيّن لهم سفاهة عقولهم في عبادة ملا لا ينفع، ويقيم عليهم الحجة ﴿قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ أي نعبد أصناماً فنبقى مقيمين على عبادتها لا نتركها،

صفحة رقم 351

قالوا ذلك على سبيل الابتهاج والافتخار، وكان يكفيهم أن يقولوا: نعبد الأصنام ولكنهم زادوا في الوصف كالمفتخر بما يصنع ﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ﴾ أي قال هم إبراهيم على سبيل التبكيت والتوبيخ: هل يسمعون دعاءكم حين تلجأون إليهم بالدعاء؟ ﴿أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ أي وهل يبذلونلكم منفعة، أو يدفعون عنكم مضرة؟ ﴿قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ أي وجدنا آباءنا يعبدونهم ففعلنا مثلهم قال أبو السعود: اعترفوا بأنها لا تنفع ولا تضر بالمرَّة، واضطروا إلى إظهار الحقيقة وهي انه لا سند لهم سوى التقليد، وهاذ من علامات انقطاع الحجة ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الأقدمون﴾ أي قال إبراهيم: أفرأيتم هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله أنتم وآباؤكم الأولون؟ ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ العالمين﴾ أي فإِن هذه الأصنام أعداء لي لا أعبدهم، ولكن أعبد الله ربَّ العالمين فهو وليي في الدنيا والآخرة، أسند العداوة لنفسه تعريضاً به وهو أبلغ في النصيحة من التصريح ﴿الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ أي اللهُ الذي خلقني هو الذي يهديني إلى طريق الرشاد لا هذه الأصنام ﴿والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾ أي هو تعالى الذي يرزقني الطعام والشراب فهو الخالق الرازق الذي ساق المُزْن، وأنزل المطر، وأخرج به أنواع الثمرات رزقاً للعباد ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ أي وإِذا أصابني المرض فإِنه لا يقدر على شفائي أحدٌ غيره، وإنما أسند المرض إلى نفسه ﴿مَرِضْتُ﴾ وأسند الشفاء إلى الله رعايةً للأدب، وإلاّ فالمرض والشفاء من الله جل وعلا فاستعمل في كلامه حسن الأدب ﴿والذي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين﴾ أي وهو تعالى المحيي المميت لا يقدر على ذلك أحد سواه، يميتني إذا شاء ثم يحييني إذا أراد بعد مماتي ﴿والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين﴾ أي أرجو من واسع رحمته أن يغفر لي ذنبي يوم الحساب والجزاء حيث يُجازى العباد بأعمالهم، وفيه تعليم للأمة أن يستغفروا من ذنوبهم ويقرُّوا بخطاياهم ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾ أي هب لي الفهم والعلم وألحقني في زمرة عبادك الصالحين ﴿واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ﴾ أي اجعلْ لي ذكراً حسناً وثناءً عاطراً ﴿فِي الآخرين﴾ أي فيمن يأتي بعدي إلى يوم القيامة، أُذكر به ويُقتدى بي قال ابن عباس: هو اجتماعُ الأمم عليه، فكلُّ أمةٍ تتمسك به وتُعظّمه ﴿واجعلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم﴾ أي من السعداء في الآخرة الذين يستحقون ميراث جناتِ الخُلد ﴿واغفر لأبي﴾ أي اسفح عنه واهده إلى الإيمان ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين﴾ أي ممن ضلَّ عن سبيل الهدى قال الصاوي: وقد أجابه الله تعالى في جميع دعواته سوى الدعاء بالغفران لأبيه وقال القرطبي: كان أبوه وعده أن يؤمن به فلذلك استغفر له، فلما بان له انه لا يفي تبرأ منه ﴿وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ أي لا تُذلَّني ولا تُهِنيِّي يومَ بتعث الخلائق للحساب، وهذا تواضعٌ منه امام عظمة الله وجلاله وإلا فقد أثنى الله عليه بقوله
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل: ١٢٠] الآية ﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ﴾ أي في ذلك اليوم العصيب لا ينفع أحداً فيه مالٌ ولا ولد ﴿إِلاَّ مَنْ أَتَى﴾ إي إلا من جاء ربَّه في الآخرة ﴿الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ أي بقلب نقيٍّ

صفحة رقم 352

طاهر، سليم من الشرك والنفاق، والحسد والبغضاء، وإِلى هنا تنتهي دعوات الخليل إبراهيم ثم قال تعالى ﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي قُرِّبت الجنة للمتقين لربهم ليدخلوها قال الطبري: وهم الذين اتقوا عقابَ الله بطاعتهم إيّاه في الدنيا ﴿وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ﴾ أي وأُظهرتِ النارُ للمجرمين الضالين حتى رأوها بارزة أمامهم مكشوفة للعيان، فالمؤمنون يرون الجنة فتحصل لهم البهجة والسرور، والغاوون يرون جهنم فتحصل لهم المساءة والأحزان ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ أي قيل للمجرمين على سبيل التقريع والتوبيخ ﴿أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي أين آلهتكم الذين عبدتموهم من الأصنام والأنداد؟ ﴿هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ﴾ أي هل ينقذونكم من عذاب الله، أو يستطيعون أن يدفعوه عن أنفسه؟ وهذا كله توبيخ ﴿فَكُبْكِبُواْ فِيهَا﴾ أي أُلقوا على رءوسهم في جهنم قال مجاهد: دُهوروا في جهنم وقال الطبري: رُمي بعضُهم على بعض، وطُرح بعضُهم على بعض منكبين على وجوههم ﴿هُمْ والغاوون﴾ أي الأصنامُ ولامسركون والعابدون والمعبودون كقوله
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] ﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ أي وأتباعُ إبليس قاطبة من الإِنس والجن ﴿قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ أي قال العابدون لمعبوديهم وهم في الجحيم يتنازعون ويتخاصمون ﴿تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي نقسم بالله لقد كنا في ضلالٍ واضح وبعدٍ عن الحق ظاهر ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العالمين﴾ أي حين عبدناكم من عربّالعلامين وجعلناكم مثله في استحقاق العبادة ﴿وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ المجرمون﴾ أي وما أضلنا عن الهدى إلاّ الرؤساء والكبراء الذين زينوا لنا الكفر والمعاصي ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ﴾ أي ليس لنا من يشفع لنا من هول هذا اليوم ﴿وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ أي ولا صديقٍ خالص الود ينقذنا من عذاب الله ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ أي لو أن لنا رجعةً إلى الدنيا ﴿فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين﴾ أي فنؤمن بالله ونحسن عملنا ونطيع ربنا ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ أي إن فيما ذكر من نبأ إبراهيم وقومه لعبرةً يعتبر بها أولو الأبصار ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ اي وما كان أكثر هؤلاء المشركين الذين تدعوهم إلى الإِسلام بمؤمنين ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ أي المنتقم من أعدائه، الرحيم بأوليائه.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِيجاز بالحذفِ ﴿فانفلق﴾ أي فضرب البحر فانفلق.
٢ - التشبيه المرسل المجمل ﴿كالطود العظيم﴾ أي كالجبل في رسوخه وثباته ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه.
٣ - الطباق بين ﴿يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ وكذلك بين ﴿يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾.
٤ - مراعاة الأدب ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ لم يقل: وإِذا أمرضني بل أسند المرض لنفسه تأدباً مع الله لأنَّ الشرَّ لا يُنسب إليه تعالى أدباً، وإِن كان المرضُ والشفاء كلاهما من الله.
٥ - الاستعارة اللطيفة ﴿واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ﴾ استعار اللسان للذكر الجميل والثناء الحسن وهو من ألطف الاستعارات.

صفحة رقم 353

٦ - المقابلة البديعة ﴿وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ﴾ مقابل قوله عن السعداء ﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ﴾.
٧ - مراعاة الفواصل في أواخر الآيات مثل ﴿الْمُتَّقِينَ، الْغَاوِينَ، ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ وهو من السجع الحسن الذي يزيد في جمال البيان.
تنبيه: «روي أن إبراهيم يلقى أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترةٌ وغبرة فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصن! فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم يا رب: إنك وعدتني ألاّ تخزني يوم يُبعثون، فأي خزيٍ أخزى من ابي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقول يا إبراهيم: انظر تحت رجلك فينظر فإِذا هو بذيخ - ذكر من الضباع - متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار» رواه البخاري.

صفحة رقم 354
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية