آيات من القرآن الكريم

فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ

فإن قلت: إن ما هنا يدل على أن البادىء بالكلام هو موسى عليه السلام، وفي سورة طه: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥)﴾، فيدل على أن البادىء هم السحرة، فبين الآيتين معارضة في تعيين البادىء، فبين وجه الجمع بينهما؟
قلتُ: يجمع بينهما يحمل ما هنا على أنه قال لهم: ألقوا، بعد أن قالوا هذا القول، فحينئذ البادىء بالكلام هم السحرة.
٤٤ - ﴿فـ﴾ بعد أن قال لهم موسى ألقوا ﴿أَلْقَوْا حِبَالَهُمْ﴾: جمع حبل ﴿وَعِصِيُّهُمْ﴾: جمع عصا، اثنين وسبعين ألف حبل، واثنتين وسبعين ألف عصا ﴿وَقَالُوا﴾ عند الإلقاء حالفين ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ﴾ وعظمته ﴿إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ على موسى وهارون. أقسموا (١) بعزته على أن الغلبة لهم لفرط اعتقادهم في أنفسهم وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى من السحر، والقسم بغير الله من أيمان الجاهلية، وفي الحديث: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالطواغيت، ولا تحلفوا إلا بالله إلا وأنتم صادقون".
وقال الشوكاني: قولهم: ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ﴾ يحتمل وجهين:
الأول: أنه قسم، وجوابه: ﴿إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾.
والثاني: أنه متعلق بمحذوف، والباء للسببية؛ أي: نغلب بسبب عزته. قال بعضهم (٢): رأوا كثرة تمويهاتهم وقلة العصا، فنظروا إليها بنظر الحقارة، وظنوا غلبة الكثير على القليل، وما علموا أن القليل من الحق يبطل الكثير من الباطل، كما أن قليلًا من النور يمحو كثيرًا من الظلمة، اهـ.
قال أبو حيان (٣): وعدلوا عن الخطاب إلى اسم الغيبة، في قولهم: ﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ﴾ تعظيمًا له، كما يقال للملوك: أمروا بكذا، فيخبر عنه إخبار الغائب، وهذا من نوع أيمان الجاهلية، وقد سلك كثير من المسلمين في الأيمان ما هو

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.

صفحة رقم 198
حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأرمي العلوي الهرري الشافعي
راجعه
هاشم محمد علي مهدي
عدد الأجزاء
1