آيات من القرآن الكريم

وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ
ﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓ

بأنهم إذا كثروا غَلَبُوهُ وَكَشَفُوا حَالَهُ وَعَارَضُوا قَوْلَهُ: إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ بقولهم: بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فجاؤوا بِكَلِمَةِ الْإِحَاطَةِ وَبِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ لِيُطَيِّبُوا قَلْبَهُ وَلِيُسْكِنُوا بَعْضَ قَلَقِهِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فَإِنْ قُلْتَ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ مَا الْعَامِلُ فِي (حَوْلِهِ) ؟ قُلْتُ: هُوَ مَنْصُوبٌ نَصْبَيْنِ نَصْبٌ فِي اللَّفْظِ وَنَصْبٌ فِي الْمَحَلِّ وَالْعَامِلُ فِي النَّصْبِ اللَّفْظِيِّ مَا يُقَدَّرُ فِي الظَّرْفِ، وَالْعَامِلُ فِي النَّصْبِ الْمَحَلِّيِّ هُوَ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٣٨ الى ٤٢]
فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)
وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى: الْيَوْمُ الْمَعْلُومُ يَوْمُ الزِّينَةِ وَمِيقَاتُهُ وَقْتُ الضُّحَى، لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ يَوْمِ الزِّينَةِ فِي قَوْلِهِ: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه: ٥٩] وَالْمِيقَاتُ مَا وُقِّتَ بِهِ أَيْ حُدِّدَ مِنْ مَكَانٍ وَزَمَانٍ وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا أَشَارُوا بِتَأْخِيرِ أَمْرِهِ وَبِأَنْ يَجْمَعَ لَهُ السَّحَرَةَ لِيَظْهَرَ عِنْدَ حُضُورِهِمْ فَسَادُ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَضِيَ فِرْعَوْنُ بِمَا قَالُوهُ وَعَمِيَ عَمَّا شَاهَدَهُ وَحُبُّ الشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ فَجَمَعَ السَّحَرَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ تَقَعَ تِلْكَ الْمُنَاظَرَةُ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الْخَلْقِ الْعَظِيمِ وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَطْلُبُ ذَلِكَ لِتَظْهَرَ حُجَّتُهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْخَلْقِ الْعَظِيمِ وَكَانَ هَذَا أَيْضًا مِنْ لُطْفِ اللَّه تَعَالَى فِي ظُهُورِ أَمْرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ بُعِثُوا عَلَى الْحُضُورِ لِيُشَاهِدُوا مَا يَكُونُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ فَالْمُرَادُ إِنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْغَلَبَةُ لَهُمْ فَنَتَّبِعُهُمْ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ ابتدءوا بِطَلَبِ الْجَزَاءِ، وَهُوَ إِمَّا الْمَالُ وَإِمَّا الْجَاهُ فَبَذَلَ لَهُمْ ذَلِكَ وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ لِأَنَّ نِهَايَةَ مَطْلُوبِهِمْ مِنْهُ الْبَذْلُ ورفع المنزلة فبذل كلا الأمرين.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٤٣ الى ٤٨]
قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧)
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨)

صفحة رقم 502

اعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمَّا اجْتَمَعُوا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْدَأَ مُوسَى أَوْ يَبْدَءُوا ثُمَّ إِنَّهُمْ تَوَاضَعُوا لَهُ فَقَدَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَقَالُوا: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى [طه: ٦٥] فَلَمَّا تَوَاضَعُوا لَهُ تَوَاضَعَ هُوَ أَيْضًا لَهُمْ فَقَدَّمَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَأْمُرَ السَّحَرَةَ بِإِلْقَاءِ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ وَذَلِكَ سِحْرٌ وَتَلْبِيسٌ وَكُفْرٌ وَالْأَمْرُ بِمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ الْجَوَابُ: لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَمْرٍ لِأَنَّ مُرَادَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُمْ كَانَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَا يَقْدُمُوا عَلَى مَا يَجْرِي/ مَجْرَى الْمُغَالَبَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ تَأْوِيلُ صِيغَةِ الْأَمْرِ وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: ذَلِكَ الْأَمْرُ كَانَ مَشْرُوطًا وَالتَّقْدِيرُ أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ... إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الْبَقَرَةِ: ٢٣] وَثَانِيهَا: لَمَّا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى كَشْفِ الشُّبْهَةِ صَارَ جَائِزًا وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَمْرٍ بَلْ هُوَ تَهْدِيدٌ، أَيْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَتَيْنَا بِمَا تُبْطِلُهُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لَئِنْ رَمَيْتَنِي لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَصْنَعَنَّ ثُمَّ يُفَوِّقُ لَهُ السَّهْمَ فَيَقُولُ لَهُ ارْمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ تَهْدِيدًا وَرَابِعُهَا: مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ لَمَّا تَوَاضَعُوا لَهُ وَقَدَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَهُوَ قَدَّمَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى رَجَاءِ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ التَّوَاضُعُ سَبَبًا لِقَبُولِ الْحَقِّ وَلَقَدْ حَصَلَ بِبَرَكَةِ ذَلِكَ التَّوَاضُعِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اللَّائِقَ بِالْمُسْلِمِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ التَّوَاضُعُ، لِأَنَّ مِثْلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا لَمْ يَتْرُكِ التَّوَاضُعَ مَعَ أُولَئِكَ السَّحَرَةِ، فَبِأَنْ يَفْعَلَ الْوَاحِدُ مِنَّا أَوْلَى.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ
فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ لَمَّا أَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَدْ كَانَتِ الْحِبَالُ مَطْلِيَّةً بِالزِّئْبَقِ وَالْعِصِيُّ مُجَوَّفَةً مَمْلُوءَةً مِنَ الزِّئْبَقِ فَلَمَّا حَمِيَتِ اشْتَدَّتْ حَرَكَتُهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا حَيَّاتٌ تَدِبُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الْأَرْضِ فَهَابَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ أَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ثُمَّ فَتَحَتْ فَاهَا فَابْتَلَعَتْ كُلَّ مَا رَمَوْهُ مِنْ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ حتى أكلت الكل ثم أخد مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ كَمَا كَانَتْ فَلَمَّا رَأَتِ السَّحَرَةُ ذَلِكَ قَالَتْ لِفِرْعَوْنَ كُنَّا نُسَاحِرُ النَّاسَ فَإِذَا غَلَبْنَاهُمْ بَقِيَتِ الْحِبَالُ وَالْعِصِيُّ، وَكَذَلِكَ إِنْ غَلَبُونَا وَلَكِنَّ هَذَا حَقٌّ فَسَجَدُوا وَآمَنُوا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْآثَارِ اخْتِلَافًا فَمِنْهُمْ مَنْ كَثَّرَ الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّطَ واللَّه أَعْلَمُ بِعَدَدِ ذَلِكَ، وَالَّذِي يَدُلُّ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ أَنَّهَا كَثِيرَةٌ مِنْ حَيْثُ حُشِرُوا مِنْ كُلِّ بَلَدٍ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بَلَغَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فِي الْعِظَمِ مَبْلَغًا يَبْعُدُ أَنْ يَدَّخِرَ عَنْهُ مَا يُمْكِنُ مِنْ جَمْعِ السَّحَرَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا مَا يَجْرِي مَجْرَى الْقَطْعِ عَلَى أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ كَانَ أَقْوَى لِأَمْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: مَا يَأْفِكُونَ مَا يَقْلِبُونَهُ عَنْ وَجْهِهِ وَحَقِيقَتِهِ بِسِحْرِهِمْ وكيدهم [ويزورونه] فَيُخَيِّلُونَ فِي حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ أَنَّهَا حَيَّاتٌ تَسْعَى، [بالتمويه على الناظرين أو إفكهم] «١» وَسَمَّى تِلْكَ الْأَشْيَاءَ إِفْكًا مُبَالَغَةً.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ فَالْمُرَادُ خَرُّوا سُجَّدًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الطَّبَقَةِ الْعَالِيَةِ مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ، فَلَا جَرَمَ كَانُوا عَالِمِينَ بِمُنْتَهَى السِّحْرِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ وَشَاهَدُوهُ خَارِجًا عَنْ حَدِّ السِّحْرِ عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِسِحْرٍ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ إِلَّا بِبَرَكَةِ تَحْقِيقِهِمْ فِي عِلْمِ السِّحْرِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَمَالَكُوا أَنْ رَمَوْا بأنفسهم إلى الأرض

(١) زيادة من الكشاف ٣/ ١١٣ ط. دار الفكر. [.....]

صفحة رقم 503
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية