آيات من القرآن الكريم

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
ﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الشعراء
هذه السورة مكية كلها فيما قال جمهور الناس، وقال مقاتل منها مدني الآية التي تذكر فيها الشعراء وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [الشعراء: ١٩٧].
قوله عز وجل:
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور مستوعبا، وتِلْكَ رفع بالابتداء وهو وخبره ساد مسد الخبر عن طسم في بعض التأويلات، والإشارة ب تِلْكَ هي بحسب الخلاف في طسم وعلى بعض الأقوال تكون تِلْكَ إشارة إلى حاضر وذلك موجود في الكلام، كما أن هذه قد تكون الإشارة بها إلى غائب معهود كأنه حاضر، والْكِتابِ الْمُبِينِ القرآن، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «طسم» بكسر الطاء، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بفتحها وبإدغام النون من سين في الميم، وقرأ حمزة وحده بإظهارها وهي قراءة أبي جعفر، ورويت عن نافع، وروى يعقوب عن أبي جعفر ونافع قطع كل حرف منها على حدة، قال أبو حاتم الاختيار فتح الطاء وإدغام آخر سين في أول ميم، فتصير الميم متعلقة، وقوله لَعَلَّكَ الآية تسلية لمحمد ﷺ لما كان من القلق والحرص على إيمانهم فكان من شغل البال في حيز الخوف على نفسه، و «الباخع» القاتل والمهلك بالهم قاله ابن عباس والناس ومن ذلك قول ذي الرمة: [الطويل]
ألا أيها ذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر
وخوطب «بلعل» على ما في نفوس البشر من توقع الهلاك في مثل تلك الحال، ومعنى الآية أي لا تهتم يا محمد بهم وبلغ رسالتك وما عليك من إيمانهم فإن ذلك بيد الله. لو شاء لآمنوا، وقوله «أن لا» مفعول من أجله. وقوله تعالى: إِنْ نَشَأْ شرط وما في الشرط من الإبهام هو في هذه الآية في حيزنا، وأما

صفحة رقم 224

الله تعالى فقد علم أنه لا ينزل عليهم آية اضطرار وإنما جعل الله تعالى آية الأنبياء والآيات الدالة عليه معرضة للنظر والفكر ليهتدي من سبق في علمه هداه ويضل من سبق ضلاله وليكون للنظر تكسب به يتعلق الثواب والعقاب، وآية الاضطرار تدفع جميع هذا أن لو كانت، وقرأ «تنزّل» بفتح النون وشد الزاي أبو جعفر ونافع وشيبة والأعرج وعاصم والحسن، وقرأ أبو عمرو وأهل البصرة بسكون النون وتخفيف الزاي، وروى هارون عن أبي عمرو «يشأ ينزل» بالياء فيهما والخضوع للآية المنزلة كان يترتب بأحد وجهين إما بخوف هلاك في مخالفة الأمر المقترن بها كنتق الجبل على بني إسرائيل، وإما أن تكون من الوضوح وبهر العقول، بحيث يقع الإذعان لها وانقياد النفوس، وكل هذين لم يأت به نبي، ووجه ذلك ما ذكرناه، وهو توجيه منصوص للعلماء. وقرأ طلحة «فتظل أعناقهم» وهو المراد في قراءة الجمهور وجعل الماضي موضع المستقبل إشارة إلى تقوية وقوع الفعل، وقوله تعالى: أَعْناقُهُمْ يحتمل تأويلين أحدهما: وهو قول مجاهد وأبي زيد والأخفش، أي يريد جماعاتهم، يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة، ومنه قول الشاعر: [مجزوء الكامل]
إن العراق وأهله... عنق إليك فهيت هيتا
وعليه حمل قول أبي محجن:
واكتم السر فيه ضرب العنق ولهذا قيل عتق رقبة ولم يقل عتق عنق فرارا من الاشتراك قاله الزهراوي، فعلى هذا التأويل ليس في قوله خاضِعِينَ موضع قول، والتأويل الآخر أن يريد الأعناق الجارحة المعلمة وذلك أن خضوع العنق والرقبة هو علامة الذلة والانقياد ومنه قول الشاعر: [الكامل]
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم... خضع الرقاب نواكس الأبصار
فعلى هذا التأويل يتكلم على قوله خاضِعِينَ كيف جمعه جمع من يعقل، وذلك متخرج على نحوين من كلام العرب: أحدهما أن الإضافة إلى من يعقل أفادت حكم من يعقل كما تفيد الإضافة إلى المؤنث تأنيث علامة المذكر، ومنه قول الأعشى:
«كما شرقت صدر القناة من الدم» وهذا كثير، والنحو الآخر أن الأعناق لما وصفت بفعل لا يكون إلا مقصودا للبشر وهو الخضوع، إذ هو فعل يتبع أمرا في النفس، جمعها فيه جمع من يعقل وهذا نظير قوله تعالى: أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: ١١]. وقوله: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤]. وقرأ ابن أبي عبلة «لها خاضعة» ثم عنف الكفار ونبه على سوء فعلهم بقوله: وَما يَأْتِيهِمْ الآية، وقوله مُحْدَثٍ يريد محدث الإتيان، أي مجيء القرآن للبشر كان شيئا بعد شيء. وقالت فرقة يحتمل أن يريد ب «الذكر» محمد ﷺ كما قال تعالى في آية أخرى: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً [الطلاق: ١٠]. فيكون وصفه بالمحدث متمكنا.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أفصح.

صفحة رقم 225
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية