آيات من القرآن الكريم

فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣ

ويبدو أن الكفار كانوا يقولون فيما يقولونه عن القرآن: إن الشياطين تتنزل به على النبي ﷺ جريا على ما كانوا يعتقدونه من أن شياطين الجن كانوا يتصلون بالسحرة والكهنة والشعراء ويوحون إليهم أو يلقنونهم بما يقولونه، ومن أن الشياطين كانوا يسترقون أخبار السماء وينقلونها إلى الكهنة على ما شرحناه في سياق تفسير سورة الجن ومناسبات سابقة أخرى فأكدت الآيات [١٩٢- ١٩٥] أنه وحي رباني، وجاءت هذه الآيات لتؤكد نفي صلة الشياطين به مما قد قام في أذهان الكفار أو زعموه من وحي عقائدهم.
وينطوي في الآيات وخاصة في تعبير وَما يَنْبَغِي لَهُمْ معنى جليل فيما يتبادر لنا. وهو تقرير كون الشياطين الذين هم عناصر شريرة خبيثة لا يمكن أن يصدر عنهم إلّا الأذى ووسوسة المعاني الدنيئة والإغراء والشر، ولا يمكن أن توحي بالقرآن الذي يدعوا إلى الله تعالى وفضائل الأخلاق وصالح الأعمال، وينهى عن الفواحش والخبائث والإثم والبغي والاتجاه لغير الله وإشراك غيره في العبادة والدعاء ويحذر من الشياطين ووساوسهم، ولعلّ الآيات [١٩٢- ١٩٥] وهي تقرر نزول الروح الأمين بالقرآن قد انطوت على هذا المعنى بسبيل المقارنة والإفحام والإقناع كأنما جاءت لتقرر أن مثل هذا القرآن الذي يحتوي ما يحتوي من الدعوة إلى الحق والخير والتحذير من الباطل والشر لا يمكن أن ينزل به إلّا الروح الأمين بإذن الله البرّ الرحيم العادل الحكيم وأمره. ولقد كان السامعون يعتقدون بوجود الله وصفاته السامية. وهذا مما يقوي الإفحام والإقناع اللذين استهدفتهما الآيات. وهذا المعنى مؤيد بقوة ووضوح في آيات أخرى من السورة تأتي قريبا.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢١٣ الى ٢٢٠]
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧)
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)
. (١) العشيرة: هي الوحدة الاجتماعية التي ينضوي تحتها عدد من الأسر.
وهي بمعنى ما يعرف اليوم بالحمولة.
الآيات تحتوي أوامر ربانية للنبي ﷺ في صدد دعوته وسيرته. فعليه أن يظل متمسكا بدعوته وإخلاصه لله وعدم إشراك أحد غيره معه في الدعاء لئلا يكون في عداد المعذبين. وأن ينذر أقاربه الأدنين وأن يعامل المؤمنين الذين يتبعونه فيما يأمرهم به وينهاهم عنه باللين والعطف والتسامح، وأن يجعل اعتماده على الله وحده العزيز الرحيم الذي يراه ويراقبه ويرعاه في كل حالة من حالاته في قيامه وصلواته وخلواته ومع الساجدين معه والذي هو السميع لكل شيء العليم بكل شيء.
وحرف الفاء الذي بدئت به أولى الآيات يلهم أن بين هذه الآيات وما سبقها اتصالا، والمتبادر أنها جاءت معقبة عليها كأنما أريد الالتفات إلى النبي ﷺ بعد الآيات السابقة لتقول له إن عليه ألّا يهتمّ ولا يغتمّ لمواقف الكفار وتكذيبهم، وما عليه إلّا أن يدعوهم وينذرهم وخاصة عشيرته الأدنين وإلّا أن يستمر في إخلاصه لله سبحانه وحده ويجعل اعتماده عليه وموادّة الذين آمنوا به واتبعوه والتسامح معهم.
وبعض المفسرين يصرفون الضمير في فعل عَصَوْكَ إلى أقارب النبي ﷺ «١» وبعضهم إلى المؤمنين «٢». والمتبادر أن الرأي الأول هو الأوجه والأرجح والمتسق مع الظرف لأن احتمال العصيان من أقاربه هو المتوقع الأقوى.
وقد أورد بعض المفسرين في صدد جملة وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أقوالا وروايات عجيبة مفادها أنها تحتوي إشارة إلى تنقل النبي ﷺ في أصلاب مؤمنين ساجدين وأرحام مؤمنات ساجدات من لدن آدم وحواء إلى أن ولدته أمه، وأن بعض أجداده كان يسمع تسبيح النبي في صلبه وتلبيته بالحج... إلخ، أو أن

(١) انظر تفسيرها في الطبري والطبرسي مثلا.
(٢) انظر تفسير الكشاف للزمخشري.

صفحة رقم 268

النبي ﷺ ظل يتقلب في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي إلى أن ولد «١».
ونحن نرى التوقف في ما روي. ويتبادر لنا أن الجملة واضحة. وأنها عنت أن الله تعالى يراه وهو يصلي مع الناس ويراه حين يقوم وحده أي يراه في جميع حالاته ويراقبه. وقد قال هذا غير واحد من المفسرين. ومن العجيب أن هذا مما رواه المفسرون عن ابن عباس الذي رووا عنه بعض الأقوال السابقة.
ولقد أورد بعض المفسرين في هذا السياق حديثين متقاربين أحدهما رواه البخاري والترمذي عن أنس قال «أقيمت الصلاة فأقبل علينا النبي ﷺ بوجهه فقال أقيموا صفوفكم وتراصّوا فإني أراكم من وراء ظهري» «٢» والمتبادر أنه ليس بين مدى الآية وهذا الحديث أو الحديث الآخر المقارب له صلة ما ولا سيما أن الأحاديث مدنية في مضمونها ورواتها والله تعالى أعلم.
تعليق على آية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وأثر موقف أقرباء النبي من الدعوة
وقد روى المفسرون «٣» روايات وأحاديث متعددة منها أن النبي ﷺ دعا بمناسبة آية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وبعد نزولها أقاربه إلى وليمة فأكلوا وتفرقوا فورا لأن أبا لهب قال لهم إن محمدا سيسحرهم ثم دعاهم إلى وليمة ثانية فقال لهم: يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني؟ فأحجم القوم، فقال علي رضي الله عنه: أنا يا رسول الله. وتكرر الأمر ثلاث مرات فأخذ النبي ﷺ برقبة علي وقال هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب:
قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيعه. ومنها نفس الرواية المتقدمة بدون ذكر ما قاله

(١) انظر البغوي والخازن والطبرسي.
(٢) التاج ج ١ ص ٢٣٧.
(٣) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والخازن إلخ.

صفحة رقم 270

النبي ﷺ لعلي بل قال له فيها اجلس. ومنها أن النبي ﷺ لما نزلت الآية صعد على الصفا ونادى: يا بني فهر يا بني عدي- لبطون قريش- حتى اجتمعوا وأرسل الذي لم يستطع الحضور رسولا لينظر ما هو قائل لهم فقال لهم: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ؟ قالوا ما جرّبنا عليك كذبا، قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا، ومنها أن النبي ﷺ خاطب بني عبد المطلب والعباس عمّه وصفية عمته وفاطمة ابنته وقال لهم لا أغني عنكم من الله شيئا..
ومهما يكن من أمر هذه الروايات فمما لا ريب فيه أن النبي ﷺ قد نفذ أمر الله تعالى بوسيلة من الوسائل وأنه اختص في أحد مواقفه أقاربه الأدنين بالإنذار والدعوة.
وهذا يدل على أنهم أو جلّهم ظلّوا جاحدين لنبوته إلى أواسط العهد المكي، بل لقد تواترت الروايات على أن أكثرهم ظلوا كذلك طيلة العهد المكي وردحا غير قصير من العهد المدني أيضا بالرغم من نصرتهم له بدافع العصبية العائلية، ولقد مات عمّه وحاميه أبو طالب غير مؤمن، ولقد كان عمّه العباس وابن عمّه عقيل وآخرون من بني عمومته في جملة الذين اشتركوا في وقعة بدر مع مشركي قريش.
وهذا فضلا عن عمه أبي لهب الذي لم ينصره وكان من ألدّ أعدائه وأشدّ مكذّبيه.
ولعل موقف أقارب النبي ﷺ الأدنين من دعوته كان يؤثّر تأثيرا سلبيّا على سير الدعوة حيث كان يجعل لسائر العرب مجالا للقول إن النبي ﷺ لو كان صادقا لآمن به أقرب الناس إليه وأخصهم به رحما فكان هذا يحزّ في نفسه ويثير فيه الألم والحسرة، فأمره الله تعالى بأن يختصهم بالدعوة في موقف خاص لإبراء ذمته منهم، وهوّن عليه أمرهم حيث وصّاه بأن يجعل اعتماده عليه وحده وأن يهتم للذين آمنوا وانضووا إليه.
بناء الأخوة الدينية في الإسلام
ومن الممكن أن يلمح في أمر الله تعالى للنبي ﷺ بمعالنة أقاربه البراءة من

صفحة رقم 271

أعمالهم وكفرهم إذا عصوه ولم يستجيبوا إليه بعد الإنذار الخاص، وبخفض جناحه للذين اتبعوه من المؤمنين خطة قرآنية مستمرة التلقين في تقرير وجوب التضامن بين المؤمنين بقطع النظر عن عدم اتصالهم بوشائج الرحم والقربى بدلا من التضامن العائلي الذي كان قويّا في بيئة النبي ﷺ وعصره. وهكذا يصح أن يوصف الموقف الذي ترتب على هذه الآيات من المواقف الحاسمة في بناء الأخوة الدينية في الإسلام ومن الضربات الشديدة التي وجهت إلى بنيان العصبية العائلية والقبلية الضيقة. وقد جاءت آيات مدنية أخرى فأيدت هذه المعاني. من ذلك آية سورة المجادلة هذه لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢) ومنها آيات سورة الممتحنة هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) ومنها آيات سورة التوبة هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤) ومنها آية سورة الحجرات هذه إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) «١».

(١) يحسن أن ننبه في هذه المناسبة إلى أن الآيات تنهى عن اتخاذ الكفار أولياء وحلفاء من دون المؤمنين، وإلى أن هناك آيات في سورة الممتحنة احتوت خطة محكمة في معاملة المسلمين لغير المسلمين أقارب وغير أقارب وهي عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩).

صفحة رقم 272

ما في معالنة النبي لأقاربه بالبراءة من دلالة رائعة
وإذا لوحظ أن هذا الموقف الذي ترتب على الآيات التي نحن في صددها قد كان في ظرف كان النبي ﷺ فيه ضعيفا والمسلمون فيه قليلين وأكثرهم ضعفاء وفقراء، وكانت الحاجة إلى نصرة العصبية شديدة فإنه يلمح فيه جانب جدير بالإجلال والإعظام من جوانب عظمة السيد الرسول صلوات الله عليه وسيرته وقوة نفسه وشخصيته وبخاصة في إعلان ما أوحى الله تعالى به إليه من إنذار الكافرين من عشيرته الأقربين بالبراءة إذا عصوه وفي إعلان تضامنه مع الذين آمنوا معه على ما كانوا عليه من ضعف وقلّة، ولقد كان لإيمان النبي ﷺ العميق برسالته وبنصرة الله تعالى أثر قوي في ذلك من دون ريب. وفي كل هذا ما فيه من تلقين وأسوة وقدوة.
تلقين جملة وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وفي الآية التي تأمر النبي ﷺ بخفض جناحه للمؤمنين تعليم قرآني جليل، فالمؤمنون الأولون قد آمنوا برسالة النبي ﷺ واتبعوه والتفوا حوله وأيدوه وتحملوا في سبيل ذلك الأذى والضرر والقطيعة ووطنوا النفس على عداء أهلهم وحرمانهم من الحماية العائلية التي كان لها تلك الخطورة. فكل هذا جعلهم جديرين بأن يكونوا وحدة متضامنة تقوم على أسس الحق والخير والعدل ومكارم الأخلاق، وتحل محل تلك الوحدة العائلية الضيقة. وكل هذا من شأنه أن يجعلهم جديرين برعاية الله تعالى ثم ببرّ نبيه ورأفته وسعة صدره وحبه وتفضيله إياهم على أسرته الخاصة وعشيرته الأقربين ومن شأن ذلك أن يزيدهم قوة وتحملا وتضامنا وتفانيا.

صفحة رقم 273
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية