آيات من القرآن الكريم

وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ
ﭥﭦﭧﭨ

خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ رَأَيْتَ نَعِيمًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا [وَاللَّهِ يَا رَبِّ] (١). وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا كَانَ فِي الدُّنْيَا، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ" أَيْ: مَا كَأَنَّ شَيْئًا كَانَ (٢) ؛ وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ:
كأنَّك لَمْ تُوتِر مِنَ الدّهْر لَيْلَةً... إِذَا أنْتَ أدْرَكْتَ الَّذِي كنتَ تَطْلُبُ...
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَدْلِهِ فِي خُلُقِهِ: أنَّه مَا أَهْلَكَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، وَالْإِنْذَارِ لَهُمْ وَبِعْثَةِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ وَقِيَامِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ. ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٥]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا [وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا (٣) ] وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [الْقَصَصِ: ٥٩].
﴿وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ: أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ الْمُؤَيَّدُ مِنَ اللَّهِ، ﴿وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَا (٤) يَنْبَغِي لَهُمْ، أَيْ: لَيْسَ هُوَ مِنْ بُغْيتهم وَلَا مِنْ طِلْبَتِهِمْ؛ لِأَنَّ مِنْ سَجَايَاهُمُ الْفَسَادَ وَإِضْلَالَ الْعِبَادِ، وَهَذَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَنُورٌ وَهُدًى وَبُرْهَانٌ عَظِيمٌ، فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيَاطِينِ مُنَافَاةٌ عَظِيمَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ﴾.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أَيْ: وَلَوِ انْبَغَى لَهُمْ لَمَا اسْتَطَاعُوا ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الْحَشْرِ: ٢١].
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَوِ انْبَغَى (٥) لَهُمْ وَاسْتَطَاعُوا حَمْلَهُ وَتَأْدِيَتَهُ، لَمَا وَصَلُوا إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَعْزِلٍ عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ حَالَ نُزُولِهِ؛ لِأَنَّ السَّمَاءَ مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا فِي مُدّة إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى رَسُولِهِ، فَلَمْ يَخْلُصْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ إِلَى اسْتِمَاعِ حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ، لِئَلَّا يَشْتَبِهُ الْأَمْرُ. وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ، وَحِفْظِهِ لِشَرْعِهِ، وَتَأْيِيدِهِ لِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْجِنِّ: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الْجِنِّ: ٨-١٠].
﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠) ﴾

(١) زيادة من ف، أ، والمسند.
(٢) رواه أحمد في مسنده (٣/٢٠٣) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٣) زيادة من ف، أ. وفي هـ: "إلى قوله".
(٤) في ف: "لا".
(٥) في ف: "ابتغى".

صفحة رقم 165

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُخْبِرًا أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ عَذَّبَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى آمِرًا لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (١) أَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الْأَقْرَبِينَ، أَيِ: الْأَدْنَيْنَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يُخَلِّص أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا إيمانهُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُلِينَ جَانِبَهُ لِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَنْ عَصَاهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَلْيَتَبَرَّأْ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾. وَهَذِهِ النِّذارة الْخَاصَّةُ لَا تُنَافِي الْعَامَّةَ، بَلْ هِيَ فَرْدٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، كَمَا قَالَ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس: ٦]، وَقَالَ: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشُّورَى: ٧]، وَقَالَ: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٥١]، وَقَالَ: ﴿لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٩٧]، وَقَالَ: ﴿لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٩]، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هُودٍ: ١٧].
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أحدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِي إِلَّا دَخَلَ النَّارَ".
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَلْنَذْكُرْهَا:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْر، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾، أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفَا فَصَعِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ نَادَى: "يَا صَبَاحَاهُ". فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ بَيْنَ رَجُلٍ يَجِيءُ إِلَيْهِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ يَبْعَثُ رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي لُؤَيٍّ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، صَدَّقْتُمُونِي؟ ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٍ". فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَمَا دَعَوْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [الْمَسَدِ: ١].
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ (٢).
الْحَدِيثُ الثَّانِي:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ". انفرد بإخراجه مسلم (٣).

(١) في ف، أ: "صلوات الله عليه وسلامه".
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٨٠١) وصحيح مسلم برقم (٢٠٨) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٧١٤) وسنن الترمذي برقم (٣٣٦٣).
(٣) المسند (٦/١٨٧) وصحيح مسلم برقم (٢٠٥).

صفحة رقم 166

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ:
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَير، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قُرَيْشًا] (١)، فعمَّ وخصَّ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. [يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ] (٢)، فَإِنِّي -وَاللَّهِ -مَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا أَنَّ لَكُمْ رَحمًا سأبُلها بِبلالها".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهِ (٣). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ (٤). وَالْمَوْصُولُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (٥).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ -عَنْ أَبِي الزنَاد، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ. يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنَ اللَّهِ، لَا أُغني عَنْكُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلَانِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا".
تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (٦). وَتَفَرَّدَ بِهِ أَيْضًا، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ (٧). وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ حَسَنٍ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنِ (٨) الْأَعْرَجِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا (٩).
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا سُوَيد بْنُ سَعيد، حَدَّثَنَا (١٠) ضِمَام بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بَنِي قُصَي، يَا بَنِي هَاشم، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. أَنَا النَّذِيرُ وَالْمَوْتُ الْمُغِيرُ. وَالسَّاعَةُ الْمَوْعِدُ" (١١).
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ:
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ قَبِيصة بْنِ مُخَارق

(١) زيادة من ف، أ، والمسند.
(٢) زيادة من ف، أ، والمسند.
(٣) المسند (٢/٣٦٠) وصحيح مسلم برقم (٢٠٤) وسنن الترمذي برقم (٣١٨٥).
(٤) سنن النسائي (٦/٢٤٨).
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٧٧١) وصحيح مسلم برقم (٢٠٦).
(٦) المسند (٢/٤٤٨).
(٧) المسند (٢/٣٩٨).
(٨) في ف: "ثنا".
(٩) المسند (٢/٣٥٠).
(١٠) في ف: "عن".
(١١) مسند أبي يعلى (١١/١٠) وسويد بن سعيد متكلم فيه.

صفحة رقم 167

وزُهَير بْنِ عَمْرٍو قَالَا لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ صَعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضْمَةً مِنْ جَبَلٍ عَلَى أَعْلَاهَا حَجَرٌ، فَجَعَلَ يُنَادِي: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَرَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ، فَذَهَبَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ، يَخْشَى أَنْ يَسْبِقُوهُ، فَجَعَلَ يُنَادِي وَيَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهُ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ طِرْخان التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُل النَّهْديّ، عَنْ قَبِيصة وزُهيَر بْنِ عَمْرو الْهِلَالِيِّ، بِهِ (١).
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيك عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ المْنهَال، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ جَمَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَاجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا قَالَ: وَقَالَ لَهُمْ: "مَنْ يَضْمَنُ عَني دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي، وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟ ". فَقَالَ رَجُلٌ -لَمْ يُسَمِّهِ شَرِيكٌ -يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ كُنْتَ بَحْرًا (٢) مَنْ يَقُومُ بِهَذَا؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ، قَالَ: فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ عَليٌ: أَنَا (٣).
طَرِيقٌ أُخْرَى بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِذٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَوْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُمْ رَهْطٌ، كُلُّهُمْ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ وَيَشْرَبُ الفّرَق -قَالَ: وَصَنَعَ (٤) لَهُمْ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا -قَالَ: وَبَقِيَ الطَّعَامُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ. ثُمَّ دَعَا بغُمَرٍ (٥) فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا، وَبَقِيَ الشَّرَابُ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ -أولم يُشْرَبْ -وَقَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ عَامَّةً، وَقَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رَأَيْتُمْ، فَأَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَصَاحِبِي؟ ". قَالَ: فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ. قَالَ: فقمتُ إِلَيْهِ -وَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ -قَالَ: فَقَالَ: "اجْلِسْ". ثُمَّ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ أَقْوَمُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لِيَ: "اجْلِسْ". حَتَّى كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِي (٦).
طَرِيقٌ أُخْرَى أَغْرَبُ وَأَبْسَطُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ": أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُس بْنُ بُكَيْر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ -وَاسْتَكْتَمَنِي اسْمَهُ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بادأتُ بِهَا قومِي، رَأَيْتُ مِنْهُمْ ما أكره،

(١) المسند (٥/٦٠) وصحيح مسلم برقم (٢٠٧) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٧٩).
(٢) في أ: "تجري".
(٣) المسند (١/١١١) وقال الهيثمي في المجمع (٨/٣٠٢) "رجال أحمد رجال الصحيح، غير شريك وهو ثقة".
(٤) في ف، أ: "فصنع".
(٥) في ف، أ: "بعس".
(٦) المسند (١/١٥٩) وقال الهيثمي في المجمع (٨/٣٠٢) "رجاله ثقات".

صفحة رقم 168

فَصَمَتُّ. فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ عَذَّبَكَ رَبُّكَ". قَالَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَدَعَانِي فَقَالَ: "يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي [أَنْ] (١) أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ، فَعَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُهُمْ بِذَلِكَ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمت عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ عَذَّبَكَ رَبُّكَ. فَاصْنَعْ لَنَا يَا عَلِيُّ شَاةً عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَأَعِدَّ لَنَا عُسَّ لَبَنٍ، ثُمَّ اجْمَعْ لِيَ (٢) بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ". ففعلتُ فَاجْتَمَعُوا لَهُ، وَهُمْ يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا يَزِيدُونَ رَجُلًا أَوْ يَنْقُصُونَ رَجُلًا. فِيهِمْ أَعْمَامُهُ: أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ الْكَافِرُ الْخَبِيثُ. فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الجَفْنَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حِذْيَة فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ رَمَى بِهَا فِي نَوَاحِيهَا، وَقَالَ: "كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ". فَأَكَلَ القومُ حَتَّى نَهلوا عَنْهُ مَا يُرَى إِلَّا آثَارُ أَصَابِعِهِمْ، وَاللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْقِهِمْ يَا عَلِيُّ". فَجِئْتُ بِذَلِكَ القَعب فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، بَدَره أَبُو لَهَبٍ إِلَى الْكَلَامِ فَقَالَ: لَهَدّ مَا سَحَّرَكُمْ صَاحِبُكُمْ. فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ الغدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَلِيُّ، عُدْ لَنَا بِمِثْلِ الَّذِي كُنْتَ صَنَعْتَ بِالْأَمْسِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ بَدَرني إِلَى مَا سمعتَ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَوْمَ". فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ لَهُ، فَصَنَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعَ بِالْأَمْسِ، فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اسْقِهِمْ يَا عَلِيُّ". فَجِئْتُ بِذَلِكَ القَعب فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا. وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يُكَلِّمَهُمْ بَدَره أَبُو لَهَبٍ بِالْكَلَامِ فَقَالَ: لَهَدَّ مَا سَحَّرَكُمْ صَاحِبُكُمْ. فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَلِيُّ، عُدْ لَنَا بِمِثْلِ الَّذِي كُنْتَ صنعتَ لَنَا بِالْأَمْسِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ بَدَرني إِلَى مَا سمعتَ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَوْمَ". فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ لَهُ فَصَنَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كَمَا صَنَعَ] (٣) بِالْأَمْسِ، فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ، ثُمَّ سَقَيْتُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْقَعْبِ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا وَيَشْرَبُ مِثْلَهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي -وَاللَّهِ -مَا أَعْلَمُ شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ إِنَّمَا (٤) سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ (٥).
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "إِنِّي جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ". "وَقَدْ أَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي (٦) عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي، وَكَذَا وكذا"؟ قال: فأحجم

(١) زيادة من ف، أ، ودلائل النبوة.
(٢) في ف: "لنا".
(٣) زيادة من ف، أ، ودلائل النبوة.
(٤) في ف: "لما".
(٥) دلائل النبوة (٢/١٧٨).
(٦) في ف: "وازرني".

صفحة رقم 169

الْقَوْمُ عَنْهَا جَمِيعًا، وَقُلْتُ -وَإِنِّي لَأَحْدَثُهُمْ سِنًّا، وأرمصُهم عَيْنًا، وَأَعْظَمُهُمْ بَطْنًا، وَأَحْمَشُهُمْ سَاقًا. أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ يَرْقُبُني ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا أَخِي، وَكَذَا وَكَذَا، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". قَالَ: فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ وَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعَ لِابْنِكَ وَتُطِيعَ (١).
تَفَرَّدَ بِهَذَا السِّيَاقِ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ أَبِي مَرْيَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ شِيعِيٌّ، اتَّهَمَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى بْنِ مَيْسَرة الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اصْنَعْ لِي رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَإِنَاءً لَبَنًا". قَالَ: فَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ بَنِي هَاشِمٍ". قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ وَإِنَّهُمْ يَوْمئِذٍ لَأَرْبَعُونَ غَيْرَ رَجُلٍ -أَوْ: أَرْبَعُونَ وَرَجُلٌ -قَالَ: وَفِيهِمْ عَشَرَةٌ كُلُّهُمْ يَأْكُلُ الجذَعَة بِإِدَامِهَا. قَالَ: فَلَمَّا أَتَوْا بِالْقَصْعَةِ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذرْوَتها ثُمَّ قَالَ: "كُلُوا"، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَهِيَ على هيئتها (٢) لم يرزؤوا مِنْهَا إِلَّا يَسِيرًا، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُمْ بِالْإِنَاءِ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا. قَالَ: وفَضَل فَضْلٌ، فَلَمَّا فَرَغُوا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فبدرُوه الْكَلَامَ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ فِي السَّحْرِ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "اصْنَعْ [لِي] (٣) رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ". فَصَنَعْتُ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا أَكَلُوا وَشَرِبُوا، قَالَ: فَبَدَرُوهُ فَقَالُوا مِثْلَ مَقَالَتِهِمُ الْأُولَى، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِيَ: "اصْنَعْ [لِي] (٤) رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ. فَصَنَعْتُ، قَالَ: فَجَمَعْتُهُمْ، فَلَمَّا أَكَلُوا وَشَرِبُوا بَدَرهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَلَامَ فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يَقْضِي عَنِّي دَيني (٥) وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟ ". قَالَ: فَسَكَتُوا وَسَكَتَ الْعَبَّاسُ خَشْيَةَ أَنْ يُحِيطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، قَالَ: وسكتُّ أَنَا لسِنّ الْعَبَّاسِ. ثُمَّ قَالَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَسَكَتَ الْعَبَّاسُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. [فَقَالَ: "أَنْتَ"] (٦) قَالَ: وَإِنِّي يَوْمَئِذٍ لَأَسْوَأُهُمْ هَيْئَةً، وَإِنِّي لَأَعْمَشُ الْعَيْنَيْنِ، ضَخْمُ الْبَطْنِ، حَمْش السَّاقَيْنِ.
فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَمَعْنَى سُؤَالِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (٧) لِأَعْمَامِهِ وَأَوْلَادِهِمْ أَنْ يَقْضُوا عَنْهُ دَيْنَهُ، وَيَخْلُفُوهُ فِي أَهْلِهِ، يَعْنِي إِنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَأَنَّهُ خَشِيَ إِذَا قَامَ بِأَعْبَاءِ الْإِنْذَارِ أَنْ يُقْتَلَ، وَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٦٧]، فَعِنْدَ ذَلِكَ أمِن.
وَكَانَ أَوَّلًا يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾. وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي هَاشِمٍ إِذْ ذَاكَ أَشَدُّ إِيمَانًا وَإِيقَانًا وَتَصْدِيقًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا (٨) بَدَرَهُمْ إِلَى الْتِزَامِ مَا طَلَبَ مِنْهُمْ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَ هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -دُعَاؤُهُ النَّاسَ جَهرًة عَلَى الصَّفَا، وَإِنْذَارُهُ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ عُمُومًا وَخُصُوصًا، حَتَّى سَمّى مَنْ سَمَّى مِنْ أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ وَبَنَاتِهِ، لِيُنَبِّهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، أَيْ: إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

(١) تفسير الطبري (١٩/٤٠).
(٢) في ف: "وهي كهيئتها".
(٣) زيادة من ف.
(٤) زيادة من ف.
(٥) في ف: "ديني عني".
(٦) زيادة من ف.
(٧) في ف: "صلى الله عليه وسلم".
(٨) في ف: "فلهذا".

صفحة رقم 170

وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الدِّمَشْقِيِّ -غَيْرِ مَنْسُوبٍ -مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ النَّاسَ وَيُفْتِيهِمْ، وَوَلَدُهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ جُلُوسٌ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ يَتَحَدَّثُونَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا بَالُ النَّاسِ يَرْغَبُونَ فِيمَا عِنْدَكَ مِنَ الْعِلْمِ، وَأَهْلُ بَيْتِكَ جُلُوسٌ لَاهِينَ؟ فَقَالَ: لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الْأَنْبِيَاءُ، وَأَشَدُّهُمْ عَلَيْهِمُ الْأَقْرَبُونَ". وَذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الْعَالِمِ أَهْلُهُ حَتَّى يُفَارِقَهُمْ". وَلِهَذَا قَالَ [اللَّهُ تَعَالَى] :(١) ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (٢).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ أَيْ: فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ؛ فَإِنَّهُ مُؤَيِّدُكَ وَنَاصِرُكَ وَحَافِظُكَ وَمُظَفِّرُكَ ومُعْلٍ كَلِمَتَكَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أَيْ: هُوَ مُعْتَنٍ بِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ (٣) لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطُّورِ: ٤٨].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ يَعْنِي: إِلَى الصَّلَاةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَرَى قِيَامَهُ وَرُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ : إِذَا صَلَّيْتَ وَحْدَكَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ.﴾ أَيْ: مِنْ فِرَاشِكَ أَوْ مَجْلِسِكَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ﴾ : قَائِمًا وَجَالِسًا وَعَلَى حَالَاتِكَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ : قَالَ قَتَادَةُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ، يَرَاكَ وَحْدَكَ وَيَرَاكَ فِي الجَمْع. وَهَذَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى مَنْ خَلْفَهُ كَمَا يَرَى مَنْ أَمَامَهُ؛ وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ: "سَوّوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي" (٤).
وَرَوَى الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَعْنِي تَقَلُّبَهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍّ إِلَى صُلْبِ نَبِيٍّ، حَتَّى أَخْرَجَهُ نَبِيًّا.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أَيِ: السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ، الْعَلِيمُ بِحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ الآية. [يونس: ٦١].

(١) زيادة من أ.
(٢) تاريخ دمشق (١٠/٥٨٧ المخطوط).
(٣) في جميع النسخ: "فاصبر". والصواب ما أثبتناه.
(٤) رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٢٣).

صفحة رقم 171
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية