آيات من القرآن الكريم

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
ﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍ ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ

والخلاصة- إن هذه المدن كانت قاعدة لملوك جبارين وكانت ذات رياض غناء وغياض غنيه بوفرة مائها وحيراتها وشمل أهلها الفساد ورتعوا فى شهواتهم البهيمية ولم يبق فيها برّ إلا لوط وأهله، فانتقم الله منهم فأمطر عليهم نارا وكبريتا من السماء، فألهب البراكين النارية التي فيها، فعجلت دمارهم، وخسفت الأرض بهم، وظهرت البحيرة على ما يراه الآن.
قصص شعيب عليه السلام
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٧٦ الى ١٩١]
كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠)
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥)
وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١)

صفحة رقم 98

تفسير المفردات
الأيكة: غيضة كثيرة الشجر قرب مدين بعث الله إلى أهلها شعيبا كما بعثه إلى أهل مدين ولم يكن منهم نسبا، من المخسرين: أي المطففين الآخذين من الناس أكثر ممّا لكم، والقسطاس: الميزان، والمستقيم: أي العدل، ولا تعثوا: أي لا تفسدوا، والجبلة: بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، وبضمهما وتشديد اللام: الخلقة والطبيعة، ويقال جبل فلان على كذا: أي خلق، والمراد أنهم كانوا على خلقة عظيمة، كسفا:
واحدها كسفة كقطعة (وزنا ومعنى) والظلة: السحابة التي استظلوا بها.
المعنى الجملي
قص الله تعالى علينا فى هذه الآيات قصص شعيب مع قومه أهل مدين، وقد بعثه إليهم فنصحهم بإيفاء الكيل والميزان وألا يعثوا فى الأرض فسادا فكذبوه، فسلط الله عليهم الحر الشديد فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أحر من غيرها فيخرجون، ثم أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا جميعا.
الإيضاح
(كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) سبق تفسير هذا.
وبعد أن نصحهم بتلك النصائح وعظهم بعظة أخرى، فنهاهم عن نقيصة كانت شائعة بينهم وهى التطفيف فى الكيل والميزان فقال:
(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) أي إذا بعتم للناس فكيلوا لهم الكيل كاملا ولا تبخسوهم حقهم فتعطوه ناقصا، وإذا اشتريتم فخذوا كما لو كان البيع لكم.

صفحة رقم 99

وخلاصة ذلك- خذوا كما تعطون، وأعطوا كما تأخذون.
(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي وزنوا بالميزان السوي العدل، وقد جاء فى سورة المطففين مثل هذا مع التحذير منه فقال: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا، عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ».
ثم عمم النهى عن البخس فى كل حق فقال:
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي ولا تنقصوا الناس حقهم فى كيل أو وزن أو غيرهما كالمذروعات والمعدودات كأخذ بيض كبير وإعطاء بيض صغير، وإعطاء رغيف صغير وأخذ رغيف كبير وهكذا.
ثم نهاهم عن جرم أعظم شأنا وأشد خطرا، وهو الفساد فى الأرض بجميع ضروبه وأشكاله فقال:
(وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي ولا تكثروا فيها الفساد بالقتل والغارة وقطع الطريق والسلب والنهب ونحوها.
وبعد أن نهاهم عن ذلك خوّفهم سطوة الجبار الذي خلقهم وخلق من قبلهم ممن كانوا أشد منهم بطشا وعتوّا فقال:
(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) أي وخافوا بأس الله الذي خلقكم من العدم للإصلاح فى الأرض، وخلق من قبلكم ممن كانوا أشد منكم قوة وأكثر مالا، كقوم هود الذين قالوا من أشد مناقوة، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وقد تمخض هذا النصح عن شيئين: القدح فى رسالته أولا، واستصغار الوعيد ثانيا.
(١) (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أي ما أنت إلا ممن سحر عقله مرة بعد أخرى، فصار كلامه جزافا لا يعبّر عن حقيقة، ولا يصيب هدف الحق.
(وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فما وجه تفضيلك علينا وإرسالك رسولا إلينا.

صفحة رقم 100

ثم أكدوا هذا الإنكار بقولهم:
(وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) أي وإنا لنعتقد أنك ممن يتعمد بالكذب فيما يقول، ولم يرسلك الله نبيّا إلينا.
(٢) (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي فإن كنت صادقا فى دعواك الرسالة فأنزل علينا من السحاب قطعا يكون فيها العذاب لنا.
وهذا شبيه بما قالته قريش لنبيهم فيما حكى الله عنهم بقوله: «وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً- إلى أن قالوا- أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا» وقوله: «وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ».
فأجابهم شعيب:
(قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم به، فإن شاء عجل لكم العذاب، وإن شاء أخره إلى أجل معلوم، وما علىّ إلا البلاغ، وأنا مأمور به، فلم أنذركم من تلقاء نفسى، ولا ادّعى القدرة على عذابكم.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي وهكذا دأبوا على التكذيب فجازاهم بجنس ما طلبوا من إسقاط الكسف من السماء، فجعل عقوبتهم أن أصابهم حرّ عظيم أخذ بأنفاسهم، لم ينفعهم فيه ظل ولا ماء ولا شراب، فاضطروا أن يخرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما فاجتمعوا كلهم تحتها، فأمطرتهم شواظا من نار فاحترقوا.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن فى ذلك الإنجاء لكل رسول ومن أطاعه، والعذاب لكل من عصاه فى كل العصور- لدلالة واضحة على صدق الرسل، وما كان أكثر قومك بمؤمنين، مع أنك قد أتيتهم بما لا يكون معه شك، لما يصحبه من الدليل والبرهان.

صفحة رقم 101
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية