مشبه بالفعل وفي ذلك خبر مقدم واللام المزحلقة وآية اسم إن المؤخر والواو عاطفة أو حالية وما نافية وكان واسمها ومؤمنين خبرها يعني أن أكثريتهم الساحقة لم تؤمن ولذلك أخذوا ولو كان نصفهم مؤمنين على الأقل لنجوا. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة وهو ضمير فصل أو مبتدأ والعزيز خبر إن أو هو والرحيم خبر ثان وقد تقدم إعراب نظائرها مرارا.
البلاغة:
التكرير في قوله: «فاتقوا الله وأطيعون» للتأكيد والتقرير في النفوس مع كونه علق على كل واحد منهما بسبب وهو الأمانة في الأول، وقطع الطمع في الثاني، ونظيره قولك: ألا تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيرا؟ ألا تتقي الله في عقوقي وقد علمتك كبيرا؟.
وفيه أيضا التقديم، قدم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته لأن تقوى الله علة لطاعته.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٢٣ الى ١٤٠]
كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧)
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢)
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)
وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠)
اللغة:
(رِيعٍ) : الريع بكسر الراء وفتحها قال في الأساس واللسان:
«ونزلوا بريع وريع رفيع وريعة وريعة رفيعة وهي المرتفع من الأرض وتقول: يبنون بكل ريعة وملكهم كسراب بقيعة» وقال في القاموس: «والريع بالكسر والفتح المرتفع من الأرض أو كل فج أو كل طريق أو الطريق المنفرج في الجبل والجبل المرتفع الواحدة بهاء...
وبالكسر الصومعة وبرج الحمام والتلّ العالي... وبالفتح فضل كل شيء كريع العجين والدقيق والبذر» قلت واستعمال بمعنى استغلال الريع صحيح يقال طعام كثير الريع، وأراعت الحنطة وراعت زكت، وأراعها الله تعالى وأراع الناس هذا العام: زكت زروعهم ويقولون كم ريع أرضك وهو ارتفاعها قال المسيب بن علس:
في الآل يرفعها ويخفضها... ريع يلوح كأنه سحل
والضمير في البيت للظعائن أي هي في الآل وهو السراب يرفعها تارة ويخفضها أخرى ريع أي طريق مرتفع تارة ومنخفض أخرى أو مكان عال ترتفع بصعوده وتنخفض بالهبوط منه. ويقال ليس له ريع أي مرجوع وغلة.
(آيَةً) : الآية: العلم يهتدي به المارة وكان بناؤها للعبث واللهو لأنهم كانوا يهتدون بالنجوم في أسفارهم فلا يحتاجون إليها وقيل المراد بها القصور المشيدة ترفعون بناءها وتجتمعون فيها فتعبثون بمن يمربكم.
(تَعْبَثُونَ) : في المصباح: «عبث عبثا من باب تعب لعب وعمل مالا فائدة فيه فهو عابث».
(مَصانِعَ) : جمع مصنعة بفتح الميم مع فتح النون أو ضمها وهي الحوض أو البركة فقوله مصانع أي حيضانا وبركا تجمعون فيها الماء فهي من قبيل الصهاريج، وفي المختار: «المصنعة بفتح الميم وضم النون أو فتحها كالحوض يجمع فيه ماء المطر والمصانع الحصون» وفي القاموس وشرحه التاج: «المصنعة والمصنعة بفتح الميم وفتح النون وضمها ما يجمع فيه ماء المطر كالحوض والجمع مصانع والمصانع أيضا:
الفري والحصون والقصور والمصنعة أيضا الدعوة للأكل يقال كنا في مصنعة فلان وموضع يعزل للنحل بعيدا عن البيوت» وجميع هذه المعاني صالحة للتفسير.
(بَطَشْتُمْ) : البطش: السطوة والأخذ بعنف وللباء مع الطاء فاء وعينا للكلمة خاصة غريبة فهي تدل على السطوة والقوة وعدم المبالاة بالآخرين يقال: أبطأ علي فلان وبطؤ في مشيته وتباطأ في أمره وتباطأ
عني وفيه بطء وما كنت بطيئا ولقد بطؤت وفرس بطيء من خيل بطاء وما أبطأ بك عنا؟ وما بطأ بك؟ وما بطّأك؟ قال عمر بن ربيعة:
فقمت أمشي فقامت وهي فاترة | كشارب الرّاح بطّا مشيه السكر |
ولا زال من نوء السماك عليكما | ونوء الثريا وابل متبطّح |
هلّا سألت عن الذين تبطحوا | كرم البطاح وخير سرّة وادي |
لما رأيت المبطخين أبطخوا | فأكلوا منه ومنه لطخوا |
بعناه وثرائه، وبطر فلان تجاوز الحد في الزهو والمرح ورجل أشر بطر وأبطره الغنى ومن أقوالهم: «وما أمطرت حتى أبطرت» يعني السماء وان الخصب يبطر الناس كما قال:
قوم إذا اخضرّت نعالهم | يتناهقون تناهق الحمر |
ودعاني ما قال فيها عتيق | وهو بالحسن عالم بيطار |
البطالة بفتح الباء وقد بطل بضم الطاء وقد بطل بضم الطاء أيضا يبطل بالضم بطالة وبطولة صار شجاعا فهو بطل وجمعه أبطال ومؤنثه بطلة وجمعها بطلات، والبطن معروف وألقت الدجاجة ذات بطنها ونثرت المرأة للزوج بطنها إذا أكثرت الولد وبطنه وظهره أي ضربهما منه وقد بطن فلان بالبناء للمجهول إذا اعتل بطنه وهو مبطون وبطين ومبطان ومبطن أي عليل البطن وعظيمه وأبطن البعير شدّ بطانة وباطنت صاحبي شددته معه وبطّن ثوبه بطانة حسنة واستبطن أمره عرف باطنه وتبطّن الكلأ: جوّل فيه وتوسطه، قالت الخنساء:
فجاء يبشّر أصحابه: تبطّنت يا قوم غيثا خصيبا وتبطّن الجارية جعلها بطانة له، قال امرؤ القيس:
كأني لم أركب جوادا للذّة | ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال |
فبصبص بين أداني الغضى | وبين عنيزة شأوا بطينا |
(كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) فعل وفاعل ومفعول به والجملة مستأنفة مسوقة للشروع في القصة الرابعة. (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) الظرف متعلق بكذبت وقال لهم أخوهم فعل وفاعل وهود بدل من أخوهم وألا أداة عرض وتتقون فعل مضارع وفاعل والجملة مقول صفحة رقم 107
القول. (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) الجملة تعليل لعرضه عليهم الجنوح إلى التقوى وإن واسمها ولكم متعلقان بمحذوف حال أو برسول ورسول خبر إن وأمين صفة لرسول. (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) تقدم إعرابها كثيرا. (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) وهذه تقدم إعرابها بحروفها قريبا. (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ وتبنون فعل مضارع وفاعل وبكل ريع متعلقان بتبنون وآية مفعول به وجملة تعبثون في محل نصب على الحال. (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) وتتخذون عطف على تبنون وتتخذون فعل مضارع وفاعل ومصانع مفعول به ولعلكم تخلدون لعل واسمها والجملة خبرها وجملة الرجاء في محل نصب على الحال أي راجين ومؤملين أن تخلدوا في الدنيا. (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الواو عاطفة وإذا ظرف متعلق بالجواب وهو بطشتم الثانية، وجملة بطشتم الأولى في محل جر بإضافة إذا إليها وجبارين حال أي غير مبالين بالنتائج والعواقب وإنما أنكر عليهم ذلك لأنه ظلم وأما في الحق فالبطش بالسيف والسوط جائز (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) الفاء الفصيحة واتقوا الله فعل أمر وفاعل ومفعول به وأطيعون عطف على اتقوا.
(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) واتقوا فعل أمر وفاعل والذي مفعول به وجملة أمدكم صلة وبما متعلقان بأمدكم وجملة تعلمون صلة.
(أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) جملة أمدكم الثانية بدل من جملة أمدكم الأولى بدل بعض من كل لأنها أخص من الأولى باعتبار متعلقيهما فتكون داخلة في الأولى لأن ما تعلمون يشمل الانعام وغيرها وقيل هي مفسرة للجملة الأولى فتكون لا محل لها وسيأتي بحث بدل الجملة من الجملة في باب الفوائد. (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ان واسمها وجملة أخاف خبرها وعليكم متعلقان بأخاف وعذاب مفعول به
ويوم مضاف إليه وعظيم صفة. (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) سواء خبر مقدم وعلينا متعلقان بسواء والهمزة للاستفهام ووعظت فعل ماض وفاعل وأم لم تكن من الواعظين معادل لقوله أوعظت وهمزة التسوية وما في حيزها في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر أي سواء علينا وعظك، وأتى بالمعادل هكذا دون قوله أم لم تعظ لتواخي القوافي وقال الزمخشري: «وبينهما فرق لأن المعنى سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلا من أهله ومباشريه فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك أم لم تعظ». (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) إن نافية وهذا مبتدأ وإلا أداة حصر وخلق خبر هذا والأولين مضاف إليه والمعنى ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم كانوا يدينونه ونحن بهم مقتدون. (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) الواو عاطفة وما نافية حجازية ونحن اسمها والباء حرف جر زائد ومعذبين مجرور لفظا بالباء منصوب محلا على أنه خبر ما.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) الفاء الفصيحة وكذبوه فعل ماض وفاعل ومفعول به، فأهلكناهم عطف على فكذبوه وإن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبر إن واللام المزحلقة وآية اسم ان والواو حرف عطف وما نافية وكان فعل ماض ناقص وأكثرهم اسمها ومؤمنين خبرها. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) تكرر إعرابها كثيرا.
الفوائد:
تبدل الجملة من الجملة بشرط أن تكون الجملة الثانية أوفى من الأولى بتأدية المراد ولذلك لا يقع البدل المطابق في الجمل وإنما يقع بدل البعض من الكل كما تقدم في الآية أو بدل الاشتمال كقوله:
أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا | وإلّا فكن في السرّ والجهر مسلما |
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة | وبالشام أخرى كيف يلتقيان |
قال بعضهم: وهل يجوز عكسه؟ أعني ابدال المفرد من الجملة أو لا، وصرح أبو حيان في البحر بأن المفرد يبدل من الجملة كقوله تعالى «ولم يجعل له عوجا قيما» فقيما عنده بدل من جملة لم يجعل له عوجا لأنها في معنى المفرد أي جعله مستقيما، وقال ابن هشام في مغني اللبيب: «ان جملة «كيف خلقت» بدل من الإبل بدل اشتمال والمعنى الى الإبل كيفية خلقها ومثله «ألم تر الى ربك كيف مد الظل» وكل جملة فيها كيف من اسم مفرد». صفحة رقم 110