آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

وعظوا بها وخوفوا لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً أي بل أكبّوا عليها سامعين بآذان واعية، مجتلين لها بعيون راعية. وإنما عبر بنفي الضد، تعريضا بما يفعله الكفرة والمنافقون من شدة الإعراض والإباء والنفرة، المستعار لها (الخرور) على تلك الحالة استعارة بديعة. لما فيها من إسقاطهم عن الإنسانية إلى البهيمية، بل إلى أدنى منها، لأنها تسمع وتبصر، وقد نفيا عنهم.
وفي التنزيل الكريم من توصيف المؤمنين بوجل قلوبهم لذكره تعالى، وزيادة إيمانهم إذا تلي عليهم الذكر الحكيم، آيات عديدة. ولذا قال قتادة فيهم: هم قوم عقلوا عن الله، وانتفعوا بما سمعوا من كتابه ويرحم الله الحسن البصريّ: فقد قال:
كم من رجل يقرؤها، ويخر عليها أصم أعمى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفرقان (٢٥) : آية ٧٤]
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ أي أولادا وحفدة، تقر بهم العيون وتسر بمكانهم الأنفس، لحيازتهم الفضائل واتصافهم بأحسن الشمائل. و (قرة العين) إما من القر وهو البرد. لأن دمعة السرور باردة، ولذا قيل في ضده (أسخن الله عينه) أو من القرار لعدم النظر لغيره، وجوز في (من) أن تكون بيانية وعليه قول كثير من أن فيه الدعاء بصلاح الزوجات. وقوله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أي أئمة. اكتفى بالواحد لدلالته على الجنس، مع رعاية الفواصل. أي يقتدى بنا في الخير. أو هداة دعاة إلى الخير. فإن ذلك أكثر ثوابا وأحسن مآبا. قال في (الإكليل) : في الآية طلب الإمامة في الخير. وفي (العجائب) للكرمانيّ: قال القفال وغيره من المفسرين: في الآية دليل على أن طلب الرياسة في الدين واجب. انتهى.
وكذا قال الزمخشريّ، عن بعضهم: إن فيه ما يدل على أن الرياسة في الدين، يجب أن تطلب ويرغب فيها. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧٥ الى ٧٧]
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧)

صفحة رقم 445

أُوْلئِكَ إشارة إلى المتصفين بما ذكر. خبر ل (عباد الرحمن) أو مبتدأ خبره يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا أي على مشاق المجاهدات في الدعوة إلى الخيرات، والدأب على الخيرات، واجتناب المحظورات. و (الغرفة) الدرجة العالية من المنازل في الجنة وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً أي تحييهم الملائكة وتسلم عليهم. أو يحيّي بعضهم بعضا ويسلم عليه. والقصد أنهم يلقون فيها التوقير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً لسلامة أهلها عن الآفات، وخلودهم أبد الآباد.
قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ أي لا يبالي بكم ولا يبقيكم إلا إذا عبدتموه وآمنتم به وحده. فالدعاء بمعنى العبادة، كما مرّ.
ثم أشار إلى أنه كيف يمكن العبء بهم، أو يتصور، وقد وجد منهم ما ينافيه، بقوله تعالى: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أي بما جاءكم من الحق. أي وقد تلي عليكم سنة من كذب وأصرّ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (اللزام) مصدر مؤول باسم الفاعل أتى به للمبالغة. أي فسوف يكون هذا النبأ أو الذكر الحكيم، أو الأمر الجليل، أمر الرسالة، لازما وثابتا. يفتح من الحق رتاجا. وتدخل الناس في دين الله أفواجا. ولقد صدق الله وعده. ونصر عبده وأعز جنده. هزم الأحزاب وحده. نسأله تعالى خير ما عنده.

صفحة رقم 446

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الشعراء
وهي مكية، إلا قوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ [الشعراء:
٢٢٤- ٢٢٧]، إلى آخرها. وقوله: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [الشعراء: ١٩٧]، فقد روي أنهما نزلتا بالمدينة، وكان شعراؤه صلّى الله عليه وسلم بالمدينة، حسان وكعب بن مالك وابن رواحة، رضي الله عنهم.
وقال الداني: روي بسند صحيح أنها نزلت في شاعرين تهاجيا في الجاهلية، مع كل واحد منهم جماعة. فالسورة على هذا كلها مكية. انتهى.
وقال المهايميّ: سميت هذه السورة بها، لاختصاصها بتمييز الرسل عن الشعراء، لأن الشاعر، إن كان كاذبا فهو رئيس الغواة لا يتصور منه الهداية، وإن كان صادقا لا يتصور منه الافتراء على الله تعالى، وهذا من أعظم مقاصد القرآن، انتهى.
يشير إلى أن ذكر الشعراء فيها، لبيان أنهم في معزل عن الرسالة وتبرئة مقام الرسول صلوات الله عليه. عما افتروا عليه من أنه شاعر فالسورة على هذا كلها مكية، ردّا لفريتهم.
ولما كان لفظ (الشعراء) عامّا، جاز حمله على ما حكوه لشموله له، لا أنه نزل فيه خاصة دون غيره. وسيأتي، إن شاء الله تعالى، إيضاح ذلك وهي مائتان وسبع وعشرون آية. قال ابن كثير: وقع في تفسير مالك المرويّ عنه، تسميتها (الجامعة).

صفحة رقم 447
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية