آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

كان جليلا أو حقيرا، كبيرا أو صغيرا، فقال تعالى: وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
[النِّسَاءِ: ١١٠] الآية، وقال تَعَالَى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [التوبة: ١٠٤] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: ٥٣] الآية، أي لمن تاب إليه.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧٢ الى ٧٤]
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤)
وَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قِيلَ: هُوَ الشِّرْكُ وَعِبَادَةُ الْأَصْنَامِ، وَقِيلَ الْكَذِبُ والفسق والكفر واللغو والباطل، وقال محمد ابن الحنفية: هو اللغو والغناء. وقال أبو العالية وطاوس وابن سِيرِينَ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ: هِيَ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ.. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، هِيَ مَجَالِسُ السُّوءِ وَالْخَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: شُرْبُ الْخَمْرِ لَا يَحْضُرُونَهُ وَلَا يَرْغَبُونَ فِيهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ».
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أَيْ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَهِيَ الكذب متعمدا على غيره، كما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «إلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ فَقَالَ «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ «١». وَالْأَظْهَرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أَيْ لَا يَحْضُرُونَهُ، ولهذا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً أَيْ لَا يَحْضُرُونَ الزُّورَ، وَإِذَا اتَّفَقَ مُرُورُهُمْ بِهِ مَرُّوا وَلَمْ يَتَدَنَّسُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلِهَذَا قَالَ مَرُّوا كِراماً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو الحسن الْعِجْلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَرَّ بِلَهْوٍ معروضا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقَدْ أَصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَمْسَى كَرِيمًا» وَحَدَّثَنَا الحسين بن محمد بن سلمة النحوي، ثنا حبان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد بن مسلم، أخبرني مَيْسَرَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَرَّ بِلَهْوٍ مُعْرِضًا فَلَمْ يَقِفْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقَدْ أَصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَمْسَى كَرِيمًا». ثُمَّ تَلَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ ميسرة وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً.

(١) تقدم الحديث مع تخريجه في تفسير الآية ٣١ من سورة النساء.

صفحة رقم 118

وقوله تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً وهذه أيضا مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الْأَنْفَالِ: ٢] بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَإِنَّهُ إِذَا سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُؤَثِّرُ فيه ولا يتغير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ بَلْ يَبْقَى مُسْتَمِرًّا عَلَى كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَجَهْلِهِ وَضَلَالِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التَّوْبَةِ: ١٢٤- ١٢٥].
فَقَوْلُهُ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً أَيْ بخلاف الكافر الذي إذا سمع آيات الله فلا تؤثر فيه، فيستمر عَلَى حَالِهِ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا أَصَمَّ أَعْمَى.
قَالَ مُجَاهِدٌ قَوْلُهُ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً قال: لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُبْصِرُوا وَلَمْ يَفْقَهُوا شَيْئًا. وقال الحسن البصري رضي الله عنه: كَمْ مِنْ رَجُلٍ يَقْرَؤُهَا وَيَخِرُّ عَلَيْهَا أَصَمَّ أَعْمَى. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً يَقُولُ: لَمْ يَصِمُّوا عَنِ الْحَقِّ وَلَمْ يَعْمَوا فِيهِ، فَهُمْ وَاللَّهِ قَوْمٌ عَقَلُوا عَنِ الحق وَانْتَفَعُوا بِمَا سَمِعُوا مِنْ كِتَابِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمْرَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ قُلْتُ: الرَّجُلُ يَرَى الْقَوْمَ سُجُودًا وَلَمْ يَسْمَعْ مَا سَجَدُوا، أَيَسْجُدُ مَعَهُمْ؟ قال:
فتلا هذه الآية: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يتدبر أمر السجود، ولا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ إِمَّعَةً بَلْ يَكُونُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَيَقِينٍ وَاضِحٍ بَيِّنٍ.
وقوله تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ يَعْنِي الَّذِينَ يَسْأَلُونَ الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم مَنْ يُطِيعُهُ وَيَعْبُدُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قال ابن عباس: يعنون من يعمل بطاعة الله فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة. قال عِكْرِمَةُ: لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ صَبَاحَةً وَلَا جَمَالًا، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين. وسئل الحسن البصري عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: أَنْ يُرِيَ اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنْ زَوجَتِهِ وَمِنْ أَخِيهِ وَمِنْ حميمه طاعة الله، لا والله لا شَيْءٌ أَقَرَّ لِعَيْنِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَنْ يَرَى ولدا أو ولد ولدا أَوْ أَخَا أَوْ حَمِيمًا مُطِيعًا لِلَّهِ عَزَّ وجل. قال ابْنُ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ قال: يعبدونك فيحسنون عِبَادَتَكَ وَلَا يَجُرُّونَ عَلَيْنَا الْجَرَائِرَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَعْنِي يَسْأَلُونَ الله تعالى لِأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا يَعْمُرُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رأيت

(١) المسند ٦/ ٢، ٣.

صفحة رقم 119
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية