آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ

وقال مكحول: يغفرها الله لهم فيجعلها حسنات (١). وقال عمرو بن ميمون: يتمنى العبد أن سيئاته أكثر مما هي (٢).
وقوله: ﴿وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا﴾ قال ابن عباس ومقاتل: ﴿غَفُورًا﴾ لما صنعوا في الشرك ﴿رَحِيمًا﴾ بهم في الإسلام (٣).
٧١ - [قوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: ومن آمن: يريد رجلاً قبل هؤلاء ممن كان

= أبو السعود ٦/ ٢٣٠. وذكر القولين العز، في تفسيره ٢/ ٤٣٢. ومال القرطبي ١٣/ ٧٨، إلى القول بان التبديل حقيقي. واقتصر عليه البرسوي ٦/ ٢٤٧. واختاره ابن عاشور ١٩/ ٧٦. وقد تكلم ابن القيم، على هذه المسألة بتوسع، وذكر حجج الفريقين، ثم خلص إلى الجمع بينهما؛ فقال: وعلى هذا فقد زال بحمد الله الإشكال، واتضح الصواب، وظهر أن كل واحدة من الطائفتين ما خرجت عن موجب العلم والحجة. "طريق الهجرتين" ص ٤٥٠.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٣٥.
(٢) والقول بأن التبديل حقيقي، ذكره ابن أبي حاتم، عن سلمان -رضي الله عنه- وعلي بن الحسين. وأما ما أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٣٣، عن أبي العالية، أنه قيل له: إن ناساً يقولون: ودوا أنهم استكثروا من الذنوب؟ فقال أبو العالية: ولمَ يقولون ذلك؟ قيل: يتأولون هذه الآية: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تلا هذه الآية: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران: ٣٠]. فهذا القول منه استنكار لقولهم هذا في الدنيا، فإنه لا يجوز للمسلم أن يتمنى أن يكون قد أكثر من المعصية بهذه الحجة، بل الواجب أن يكون حاله الشفقة، والخوف، فأنكر عليهم أبو العالية ذلك، والآية التي ذكرها في من مات ولم يتب من سيئاته. والله أعلم. وذكر النحاس قولاً آخر في التبديل، وحسنه؛ فقال: ومن حسن ما قيل فيه: أنه يكتب موضح كافر: مؤمن، وموضع عاصٍ: مطيع. إعراب القرآن ٣/ ١٦٩. وهو مخالف لظاهر الآية. والله أعلم.
(٣) "تفسير مقاتل" ص ٤٧ أ.

صفحة رقم 598

آمن من أهل مكة، وهاجر ولم يكن قتل، ولا زنا ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ يريد الفرائض] (١) ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ يريد: أي فضلتهم وقدمتهم على من قاتل نبيي عليه السلام، واستحل محارمي (٢).
وعلى هذا معنى الآية: من آمن وأدى ما افتُرض عليه، ولم يكن ممن قتل وزنا، فإنه يصير إلى ما آتاه الله من التفضيل والتقديم على من قتل وزنا ثم تاب. وقال الكلبي: ومن تاب من الشرك وعمل صالحًا بعد التوحيد فإنه يتوب إلى الله متابًا، يقول: يجد عند الله متابًا (٣).
وقال مقاتل: ﴿وَمَنْ تَابَ﴾ من الشرك ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ يعني: مناصحًا (٤) لا يعود في شركه، ولا إلى ذلك الذنب (٥).
هذا ما ذكره أهل التفسير في هذه الآية؛ وهو غير مقنع، ولا شاف. وكشف أرباب المعاني عن معنى الآية؛ قال صاحب النظم: ليس في نظم العرب، أن يقولوا: من قام وصلى فإنه يصلي صلاة؛ لأنه ليس في ظاهره فائدة إلا بأن يكونا مختلفين في المعنى، فالتأويل -إن شاء الله-: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ فإنه يرجع يوم القيامة إلى الله عز وجل فيكافئه ويثيبه بعمله. وعلى هذا التوبة الأولى: رجوع عن الشرك والمعصية، والثانية: رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة، كقوله: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ

(١) ما بين المعقوفين، ساقط من: (ج).
(٢) ذكره الواحدي، في "الوسيط" ٣/ ٣٤٧، بسياق قريب من هذا.
(٣) "تنوير المقباس" ص ٣٠٥، بلفظ: يجد ثوابها عند الله.
(٤) الناصح: الخالص. "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٥٠ (نصح)، و"لسان العرب" ٢/ ٦١٥.
(٥) "تفسير مقاتل" ص ٤٧ ب، وعلى هذا فالتوبة في الآية عن جميع السيئات. ومعناه: ومن أراد التوبة، وعزم عليها فليتب لوجه الله. "تفسير البغوي" ٦/ ٩٨.

صفحة رقم 599

مَتَابِ} [الرعد: ٣٠] أي: مرجعي في المعاد (١).
وقال ابن الأنباري: يُسأل عن هذه الآية فيقال: ما الفائدة في قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ﴾ بعد قوله: ﴿وَمَنْ تَابَ﴾ وهل يجوز لقائل أن يقول: من قام فإنه يقوم، ومن ركب فإنه يركب؟ والجواب: أن التكرير وجب لزيادةٍ في المعنى؛ ومعنى الآية: من أراد التوبة وقصد حقيقتها ينبغي أن يريد الله بها، ولا يخلط بها أمرًا من أمور الدنيا. كما يقول الرجل: من تجر فإنه يتجر في البَزِّ (٢)، ومن ناظر فإنه يناظر في النحو. أي: من أراد التجارة فينبغي له أن يتجر في البَزِّ، ومن أراد حسن المناظرة ودقة الاستخراج فينبغي له أن يناظر في النحو (٣).
وقال أبو علي الفارسي: وجه دخول الفاء في قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ﴾ كما ذكرنا في قوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ﴾ [البقرة: ١٥٨] ومعنى قوله: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ﴾ فالقول في هذا: أن اللفظ على شيء، والمعنى على غيره، وذلك غير ضيق في كلامهم، ألا ترى أنهم قد قالوا: ما أنت وزيد، والمعنى لم تؤذيه، واللفظ إنما هو على المسألة من المخاطب، وزيد معطوف عليه، وكذلك قولهم: أمكنك الصيد، والمعنى: ارمه، وكذلك: هذا الهلال أي: انظر إليه، فكذلك قوله: ﴿وَمَن تَابَ﴾ كأنه: ومن عزم على التوبة فينبغي أن يبادر إليها ويتوجه بها إلى الله سبحانه، وهذا كما قال: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ﴾ [النحل: ٩٨] أي: إذا عزمت على ذلك، وعلى هذا المعنى قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ أي: ينبغي أن يتوب، كقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ

(١) ذكر هذا القول البغوي ٦/ ٩٧، ولم ينسبه.
(٢) البَزُّ: ضرب من الثياب. "تهذيب اللغة" ١٣/ ١٧٣ (بز).
(٣) ذكره ابن الجوزي ٦/ ١٠٨، عن ابن الأنباري.

صفحة رقم 600
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية