آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

أَمَّا قَوْلُهُ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ فَهُوَ خَبَرٌ عَنْ قَوْمٍ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ جَهِلُوا اللَّه تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ وَإِنْ عَرَفُوهُ لَكِنَّهُمْ جَحَدُوهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ وَإِنِ اعْتَرَفُوا بِهِ لَكِنَّهُمْ جَهِلُوا أَنَّ هَذَا الِاسْمَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ قَالُوا الرَّحْمَنُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّه مَذْكُورٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْعَرَبُ مَا عَرَفُوهُ
قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ إِنَّ الَّذِي يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ شِعْرٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الشِّعْرُ غَيْرُ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا كَلَامُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ بَخٍ بَخٍ لَعَمْرِي واللَّه إِنَّهُ لَكَلَامُ الرَّحْمَنِ الَّذِي بِالْيَمَامَةِ هُوَ يُعَلِّمُكَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الرَّحْمَنُ الَّذِي هُوَ إِلَهُ السَّمَاءِ وَمِنْ عِنْدِهِ يَأْتِينِي الْوَحْيُ» فَقَالَ يَا آلَ غَالِبٍ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّه وَاحِدٌ، وَهُوَ يَقُولُ اللَّه يُعَلِّمُنِي وَالرَّحْمَنُ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُمَا إِلَهَانِ ثم قال رَبُّكُمُ اللَّه الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، أَمَّا الرَّحْمَنُ فَهُوَ مُسَيْلِمَةُ.
قَالَ الْقَاضِي وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ إِنْكَارُهُمْ للَّه لَا لِلِاسْمِ، لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَرَبِيَّةٌ، وَهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِنْعَامِ، ثُمَّ إِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُنْكِرِينَ للَّه كَانَ قَوْلُهُمْ: وَمَا الرَّحْمنُ سُؤَالَ طَالِبٍ عَنِ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى قَوْلِ فِرْعَوْنَ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ [الشُّعَرَاءِ: ٢٣] وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ باللَّه لَكِنَّهُمْ جَهِلُوا كَوْنَهُ تَعَالَى مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ كَانَ قَوْلُهُمْ وَمَا الرَّحْمنُ سُؤَالًا عَنِ الِاسْمِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا فَالْمَعْنَى لِلَّذِي تَأْمُرُنَا بِسُجُودِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَمَرْتُكَ بِالْخَيْرِ، أَوْ لِأَمْرِكَ/ لَنَا، وَقُرِئَ يَأْمُرُنَا بِالْيَاءِ كَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ لِبَعْضٍ أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ أَوْ يَأْمُرُنَا الْمُسَمَّى بِالرَّحْمَنِ وَلَا نَعْرِفُ مَا هُوَ، وَزَادَهُمْ أَمْرُهُ نُفُورًا، وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ بَاعِثًا عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَبُولِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعَمْرُو بْنُ عَنْبَسَةَ، وَلَمَّا رَآهُمُ الْمُشْرِكُونَ يَسْجُدُونَ تَبَاعَدُوا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ مُسْتَهْزِئِينَ. فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قوله: وَزادَهُمْ نُفُوراً أي فزادهم سجودهم نفورا.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦١ الى ٦٢]
تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢)
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ مَزِيدَ النَّفْرَةِ عَنِ السُّجُودِ ذَكَرَ مَا لَوْ تَفَكَّرُوا فِيهِ لَعَرَفُوا وُجُوبَ السُّجُودِ وَالْعِبَادَةِ لِلرَّحْمَنِ فَقَالَ: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً أَمَّا تَبَارَكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَأَمَّا الْبُرُوجُ فَهِيَ مَنَازِلُ السَّيَّارَاتِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ سُمِّيَتْ بِالْبُرُوجِ الَّتِي هِيَ الْقُصُورُ الْعَالِيَةُ لِأَنَّهَا لِهَذِهِ الْكَوَاكِبِ كَالْمَنَازِلِ لِسُكَّانِهَا، وَاشْتِقَاقُ الْبُرُوجِ مِنَ التَّبَرُّجِ لِظُهُورِهِ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ الْبُرُوجَ هِيَ الْكَوَاكِبُ الْعِظَامُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلَ فِيها أَيْ فِي الْبُرُوجِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِيها رَاجِعًا إِلَى السَّمَاءِ دُونَ الْبُرُوجِ؟ قُلْنَا لِأَنَّ الْبُرُوجَ أَقْرَبُ فَعَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَيْهَا أَوْلَى. وَالسِّرَاجُ الشَّمْسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نُوحٍ: ١٦] وَقُرِئَ سُرُجًا وَهِيَ الشَّمْسُ وَالْكَوَاكِبُ الْكِبَارُ فِيهَا وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْمَشُ وَقَمَراً مُنِيراً وَهِيَ جمع ليلة قمراء كأنه قيل وذا قمرا منيرا، لِأَنَّ اللَّيَالِيَ تَكُونُ قَمْرَاءَ بِالْقَمَرِ فَأَضَافَهُ إِلَيْهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقُمْرُ بِمَعْنَى الْقَمَرِ كَالرَّشَدِ وَالرُّشْدِ وَالْعَرَبِ وَالْعُرْبِ. وَأَمَّا الْخِلْفَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ:
أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ أَحَدُهُمَا يَخْلُفُ الْآخَرَ وَيَأْتِي خَلْفَهُ، يُقَالُ بِفُلَانٍ خِلْفَةٌ وَاخْتِلَافٌ، إِذَا اخْتَلَفَ كَثِيرًا إِلَى مُتَبَرَّزِهِ، وَالْمَعْنَى جَعَلَهُمَا ذَوَيْ خِلْفَةٍ أَيْ ذَوَيْ عُقْبَةٍ يَعْقُبُ هَذَا ذَاكَ وَذَاكَ هَذَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه

صفحة رقم 479
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية