آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا
ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

شرح الكلمات:
عليه من أجر: أي على البلاغ من أجر اتقاضاه منكم.
سبيلا: أي طريقاً يصل به إلى مرضاته والفوز بجواره، وذلك بإنفاق ماله في سبيل الله.
وسبح بحمده: أي قل سبحان الله وبحمده.
في ستة أيام: أي من أيام الدنيا التي قدرها وهي الأحد... والجمعة.
ثم استوى على العرش: العرش سرير الملك والاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب.
فاسأل به خبيراً: أي أيها الإنسان إسأل خبيراً بعرش الرحمن ينبئك فإنه عظيم.
وزادهم نفوراً: أي القول لهم اسجدوا للرحمن زادهم نفوراً من الإيمان.
جعل في السماء بروجاً: هي إثنا عشر برجاً انظر تفصيلها في معنى الآيات.
سراجاً: أي شمساً.
خلفة: أي يخلف كل منهما الآخر كما هو مشاهد.
أن يذكر: أي ما فاته في أحدهما فيفعله في الآخر.
أو أراد شكوراً: أي شكراً لنعم ربه عليه فيهما بالصيام والصلاة.
معنى الآيات:
بعد هذا العرض العظيم لمظاهر الربوبية الموجبة للألوهية أمر الله تعالى رسوله أن يقول للمشركين ما أسألكم على هذا البيان الذي بينت لكم ما تعرفون به إلهكم الحق فتعبدونه وتكملون على عبادته وتسعدون أجراً أي مالاً، لكن من شاء أن ينفق من ماله في وجوه البر والخير يتقرب به إلى ربه فله ذلك ليتخذ١ بنفقته في سبيل الله طريقاً إلى رضا ربه عنه ورحمته له.
وقوله ﴿وتوكل٢ على الحي الذي لا يموت﴾ يأمر تعالى رسوله أن يمضي في طريق

١ وجائز أن يكون ﴿اتخذ إلى ربه سبيلا﴾ بإتباع ديني أي: الإسلام حتى ينال كرامة الدنيا والآخرة والإنفاق في سبيل الله تعالى داخل فيه، والحمد لله.
٢ التوكل معناه: اعتماد القلب على الله تعالى في كل الأمور مع إتيان الأسباب المشروعة للبلوغ إلى المطلوب مما هو خير ومعروف وأمر إدراك المطلوب إلى الله تعالى مع الرضا بما يتم من ربح أو خلافه ونجاح وغيره.

صفحة رقم 625

دعوته مبلغاً عن ربه داعياً إليه متوكلاً عليه أي مفوضاً أمره إليه إذ هو الحي الذي لا يموت وغيره يموت، وأمره أن يستعين على دعوته وصبره عليها بالتسبيح فقال ﴿وسبح بحمده﴾ أي قل سبحان الله وبحمده، وسبحانك اللهم وبحمدك وهو أمر بالذكر والصلاة وسائر العبادات فإنها العون الكبير للعبد على الثبات والصّبر. وقوله تعالى ﴿وكفى به بذنوب عباده خبيراً﴾ أي فلا تكرب لهم ولا تحزن عليهم من أجل كفرهم وتكذيبهم وشركهم فإن ربك عالم بذنوبهم محص عليهم أعمالهم وسيجزيهم بها في عاجل أمرهم أو آجله. ثم أثنى تبارك وتعالى على نفسه بقوله ﴿الذي خلق السموات والأرض وما بينهما١ في ستة أيام﴾ مقدرة بأيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة، ثم استوى على العرش العظيم استواء يليق بجلاله وكماله. ﴿الرحمن﴾ الذي عمًت رحمته العالمين ﴿فاسأل به خبيراً﴾ أي فاسأل يا محمد٢ بالرحمن خبيراً بخلقه فإنه خالق كل شيء والعليم بكل شيء فهو وحده العليم بعظمة عرشه وسعة ملكه وجلال وكمال نفسه لا إله إلا هو ولا رب سواه وقوله ﴿وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن﴾ أي وإذا قال لهم الرسول أيها المشركون اسجدوا للرحمن ولا تسجدوا لسواه من المخلوقات. قالوا منكرين متجاهلين ﴿ما الرحمن٣؟﴾ أنسجد لما تأمرنا أي أتريد أن تفرض علينا طاعتك ﴿وزادهم﴾ هذا القول ﴿نفوراً﴾، أي بعداً واستنكاراً للحق والعياذ بالله تعالى. وقوله تعالى ﴿تبارك الذي جعل في السماء بروجاً﴾ أي تقدس وتنزه أن يكون له شريك في خلقه أو في عبادته الذي بعظمته جعل في السماء بروجاً وهي منازل الكواكب السبعة السيارة فلذا سميت بروجاً جمع برج وهو القصر الكبير وتعرف هذه البروج الاثنا عشر بالحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. والكواكب السبعة السيارة هي: المريخ، والزهرة وعطارد، والقمر، والشمس، والمشتري، وزحل. فهذه الكواكب تنزل في البروج كالقصور لها.

١ قال ﴿بينهما﴾ ولم يقل بينهن لأنه أراد الصنفين أو النوعين أو الشيئين وهو أخص من كلمة بينهن وأخف على اللسان والمقصود ظاهر بكل من العبارتين جمع أو تثنية.
٢ رجح بعضهم أن الباء هنا بمعنى عن أي: اسأل عن الرحمن خبيرا واستشهد بقول الشاعر:
فإن سألوني بالنساء فإنني
خبير بأدواء النساء طبيب
فقوله بالنساء أي: عن النساء. ورأي ابن كثير أن المسؤول هنا هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه أعرف الخلق بالخالق وبعزته وعظمته جل جلاله.
٣ إنهم بجهلهم أنكروا اسم الرحمن لله، وقالوا: يأمر بعبادة إله واحد وهو يدعو الله ويدعو الرحمن فأنزل الله تعالى: ﴿قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى﴾ الإسراء.

صفحة رقم 626

وقوله تعالى ﴿وجعل فيها سراجاً﴾ هو الشمس ﴿وقمراً منيراً﴾ ١ هو القمر أي تعاظم وتقدس الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وقوله ﴿وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة٢﴾ أي يخلف بعضهما بعضاً فلا يجتمعان أبداً وفي ذلك من المصالح والفوائد مالا يقادر قدره ومن ذلك أن من نسي عملاً بالنهار يذكره في الليل فيعمله، ومن نسي عملاً بالليل يذكره بالنهار فيعمله٣، وهو معنى قوله ﴿لمن أراد أن يذكر﴾ وقوله ﴿أو أراد شكوراً﴾ فإن الليل والنهار ظرفان للعبادة الصيام بالنهار والقيام بالليل فمن أراد أن يشكر الله تعالى على نعصه فقد وهبنا له فرصة لذلك وهو الليل للتهجد والقيام والنهار للجهاد والصيام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- دعوة الله ينبغي أن لا يأخذ الداعي عليها أجراً ممن يدعوهم٤ إلى الله تعالى ومن أراد أن يتطوع من نفسه فينفق في سبيل الله فذلك له.
٢- وجوب التوكل على الله فإنه الحي الذى لا يموت وغيره يموت.
٣- وجوب التسبيح والذكر والعبادة وهذه هي زاد العبد وعدته وعونه.
٤- مشروعية السجود عند قوله تعالى وزادهم نفوراً للقارىء والمستمع٥.
٥- صفة استواء الرحمن على عرشه فيجب الإيمان بها على ما يليق بجلال الله وكماله
ويحرم تأويلها بالاستيلاء والقهر ونحوهما.
٦- الترغيب في الذكر والشكر، واغتنام الفرص للعبادة والطاعة.

١ قرىء فى الشاذ قُمرا بضم القاف وإسكان الميم وصاحب القراءة هو عصمة الذي يروي القراءات قال فيه أحمد بن حنبل: لا تكتبوا عنه وقد أولع أبو حاتم بالرواية عنه مع الأسف.
٢ الخلفة: كل شيء بعد شيء ومنه قيل لليل والنهار خلفة لأن كلا منهما يخلف الثاني إذا ذهب ومنه قيل لورق النبات الذي يخلف الورق الأول خلفة ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
بها العين والآرام يمشين خلفة
وأطلاؤهن ينهض من كل مجثم
خلفة: هذه تذهب وتلك تأتي. والعين: جمع عيناء وأعين: واسعات العيون والمراد بقر الوحش والأطلاء: جمع طلا: ولد البقرة وولد الظبية الصغير، والمجثم: موضع الجثوم: أي المقام.
٣ روى مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما لمن صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل".
٤ لو أعطي الداعي إلى الله تعالى من أوقاف وقفت لهذا الغرض أو أعطي من بيت المال ما يسد به خلته ويقضي به حاجته فأخذ فلا حرج.
٥ هذه السجدة من عزائم السجدات فلا ينبغي أن يتركها القارىء ولا المستمع.

صفحة رقم 627
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية