آيات من القرآن الكريم

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

عظيم اقتداره برزخا حائلا من قدرته، وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَحِجْراً مَحْجُوراً؟ الْجَوَابُ: هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يَقُولُهَا الْمُتَعَوِّذُ وقد فسرناها، وهي هاهنا وَاقِعَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ يَتَعَوَّذُ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ لَهُ حِجْرًا مَحْجُورًا، كَمَا قَالَ: لَا يَبْغِيانِ [الرَّحْمَنِ: ٢٠] أَيْ لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْمُمَازَجَةِ فانتفاء البغي [ثمة] «١» كالتعوذ، وهاهنا جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صُورَةِ الْبَاغِي عَلَى صَاحِبِهِ، فَهُوَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُ وَهِيَ مِنْ أَحْسَنِ الِاسْتِعَارَاتِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لَا وُجُودَ لِلْبَحْرِ العذب، فكيف ذكره اللَّه تعالى هاهنا؟ لَا يُقَالُ: هَذَا مَدْفُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَوْدِيَةُ الْعِظَامُ كَالنِّيلِ وَجَيْحُونَ الثَّانِي: لَعَلَّهُ جَعَلَ فِي الْبِحَارِ مَوْضِعًا يَكُونُ أَحَدُ جَانِبَيْهِ عَذْبًا وَالْآخَرُ مِلْحًا، لِأَنَّا نَقُولُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْدِيَةَ لَيْسَ فيها ماء مِلْحٌ، وَالْبِحَارُ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ عَذْبٌ، فَلَمْ يَحْصُلِ الْبَتَّةَ مَوْضِعُ التَّعَجُّبِ وَأَمَّا/ الثَّانِي فَضَعِيفٌ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِدْلَالِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَأَمَّا بِمَحْضِ التَّجْوِيزِ فَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَالُ، لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ مِنَ الْبَحْرِ الْعَذْبِ هَذِهِ الْأَوْدِيَةُ، وَمِنَ الْأُجَاجِ الْبِحَارُ الْكِبَارُ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا، أَيْ حَائِلًا مِنَ الْأَرْضِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ هاهنا بَيِّنٌ، لِأَنَّ الْعُذُوبَةَ وَالْمُلُوحَةَ إِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ طَبِيعَةِ الْأَرْضِ أَوِ الْمَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِوَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَادِرٍ حَكِيمٍ يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الأجسام بصفة خاصة معينة.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٤]
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤)
[النوع الخامس من دلائل التوحيد] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النوع الْخَامِسُ مِنْ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَفِيهِ بَحْثَانِ:
الْأَوَّلُ: ذَكَرُوا فِي هَذَا الْمَاءِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْمَاءُ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ أُصُولُ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ [النُّورِ: ٤٥] وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ النُّطْفَةُ لِقَوْلِهِ: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطَّارِقِ: ٦]، مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٠].
الْبَحْثُ الثَّانِي: الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى قَسَّمَ الْبَشَرَ قَسَمَيْنِ ذَوِي نَسَبٍ، أَيْ ذُكُورًا يُنْسَبُ إِلَيْهِمْ، فَيُقَالُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَفُلَانَةُ بِنْتُ فلان، وذوات صهر، أي إناثا (يصاهرن) «٢» وَنَحْوَهُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [الْقِيَامَةِ: ٣٩]، وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً حَيْثُ خَلَقَ مِنَ النُّطْفَةِ الْوَاحِدَةِ نَوْعَيْنِ مِنَ الْبَشَرِ الذَّكَرَ والأنثى.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٥ الى ٥٨]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ عَادَ إِلَى تَهْجِينِ سِيرَتِهِمْ في عبادة الأوثان، وفي الآية مسائل:

(١) زيادة من الكشاف.
(٢) في الكشاف (يصاهر بهن).

صفحة رقم 475

المسألة الْأُولَى: قِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ أَبُو جَهْلٍ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ، لِأَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ لَا يَقْدَحُ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ، وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا فِي الظَّهِيرِ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنَّ الظَّهِيرَ بِمَعْنَى الْمُظَاهِرِ، كَالْعَوِينِ بِمَعْنَى الْمُعَاوِنِ، وَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ غَيْرُ (غَرِيبٍ) «١»، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ يُظَاهِرُ الشَّيْطَانَ عَلَى رَبِّهِ بِالْعَدَاوَةِ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ فِي الْكَافِرِ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى رَبِّهِ بِالْعَدَاوَةِ؟ قُلْنَا إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ نَفْسَهُ وَأَرَادَ رَسُولَهُ كَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ [الْأَحْزَابِ: ٥٧] وَثَانِيهَا: يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالظَّهِيرِ الْجَمَاعَةَ، كَقَوْلِهِ: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [التَّحْرِيمِ: ٤] كَمَا جَاءَ الصَّدِيقُ وَالْخَلِيطُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْجِنْسَ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ مُظَاهِرٌ لِبَعْضٍ عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ [دِينِ] «٢» اللَّه تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ [الْأَعْرَافِ: ٢٠٢]، وَثَالِثُهَا: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: الظَّهِيرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: ظَهَرَ فُلَانٌ بِحَاجَتِي إِذَا نَبَذَهَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا [هُودٍ: ٩٢] ويقال فيمن يستهين بالشيء: نبذه وراء وَقِيَاسُ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُقَالَ مَظْهُورٌ، أَيْ مُسْتَخَفٌّ بِهِ مَتْرُوكٌ وَرَاءَ الظَّهْرِ، فَقِيلَ فِيهِ ظَهِيرٌ فِي مَعْنَى مَظْهُورٍ، وَمَعْنَاهُ هَيِّنٌ عَلَى اللَّه أَنْ يَكْفُرَ الْكَافِرُ وَهُوَ تَعَالَى مُسْتَهِينٌ بِكُفْرِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً فَتَعَلُّقُ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ، هُوَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَطْلُبُونَ الْعَوْنَ عَلَى اللَّه تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ، واللَّه تَعَالَى بَعَثَ رَسُولَهُ لِنَفْعِهِمْ، لِأَنَّهُ بَعَثَهُ لِيُبَشِّرَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُنْذِرَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَيَسْتَحِقُّوا الثَّوَابَ وَيَحْتَرِزُوا عَنِ الْعِقَابِ، فَلَا جَهْلَ أَعْظَمُ مِنْ جَهْلِ مَنِ اسْتَفْرَغَ جُهْدَهُ فِي إِيذَاءِ شَخْصٍ اسْتَفْرَغَ جُهْدَهُ فِي إِصْلَاحِ مُهِمَّاتِهِ دِينًا وَدُنْيَا، وَلَا يَسْأَلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْبَتَّةَ أَجْرًا.
أَمَّا قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ شاءَ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا مُتَقَارِبَةً أَحَدُهَا: لَا يَسْأَلُهُمْ عَلَى الْأَدَاءِ وَالدُّعَاءِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا أَنْ يَتَقَرَّبُوا بِالْإِنْفَاقِ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ، فَيَتَّخِذُوا بِهِ سَبِيلًا إِلَى رَحْمَةِ رَبِّهِمْ وَنَيْلِ ثَوَابِهِ وَثَانِيهَا: قَالَ الْقَاضِي:
مَعْنَاهُ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا لِنَفْسِي وَأَسْأَلُكُمْ أَنْ تَطْلُبُوا الْأَجْرَ لِأَنْفُسِكُمْ بِاتِّخَاذِ السَّبِيلِ إِلَى رَبِّكُمْ وَثَالِثُهَا: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : مِثَالُ قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ شاءَ وَالْمُرَادُ إِلَّا فِعْلَ مَنْ شَاءَ، وَاسْتِثْنَاؤُهُ عَنِ الْأَجْرِ قَوْلُ ذِي شَفَقَةٍ عَلَيْكَ قَدْ سَعَى لَكَ فِي تَحْصِيلِ مَالٍ مَا أَطْلُبُ مِنْكَ ثَوَابًا عَلَى مَا سَعَيْتُ، إِلَّا أَنْ تَحْفَظَ هَذَا الْمَالَ وَلَا تُضَيِّعَهُ، فَلَيْسَ حِفْظُكَ الْمَالَ لِنَفْسِكِ مِنْ جِنْسِ الثَّوَابِ، وَلَكِنْ صَوَّرَهُ هُوَ بِصُورَةِ الثَّوَابِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ فَأَفَادَ فَائِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا قَلْعُ شُبْهَةِ الطَّمَعِ فِي الثَّوَابِ مِنْ أَصْلِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَكَ إِنْ كَانَ حِفْظُكَ لِمَالِكَ ثَوَابًا، فَإِنِّي أَطْلُبُ الثَّوَابَ، وَالثَّانِيَةُ إِظْهَارُ الشَّفَقَةِ الْبَالِغَةِ، وَأَنَّ حِفْظَكَ لِمَالِكَ يَجْرِي مَجْرَى الثَّوَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي تُوصِلُهُ إِلَيَّ، وَمَعْنَى اتِّخَاذِهِمْ إِلَى اللَّه سَبِيلًا، تَقَرُّبُهُمْ إِلَيْهِ وَطَلَبُهُمْ عِنْدَهُ الزُّلْفَى بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ التَّقَرُّبُ بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّه.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُتَظَاهِرُونَ عَلَى إِيذَائِهِ، فَأَمَرَهُ بِأَنْ لَا يَطْلُبَ مِنْهُمْ أَجْرًا الْبَتَّةَ، أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ جَمِيعِ الْمَضَارِّ، وَفِي جَلْبِ جَمِيعِ الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا قَالَ: عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ لِأَنَّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى الحي الذي يموت، فإذا مات المتوكل

(١) في الكشاف (عزيز) ٣/ ٩٧ ط. دار الفكر.
(٢) زيادة من الكشاف.

صفحة رقم 476
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية