آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

ولقد صرف الله المطر، وغير أحواله فتارة يكثر، وطورا يقل، بل وينعدم والله- سبحانه- يسوقه إلى حيث يشاء حسب إرادته وعلمه، وصرفه الله وقلب أحواله ليذكر الناس ويتدبروا، ويعلموا أن ذلك صادر من فاعل مختار، ولا يمكن أن يكون بالطبع والعلة كما يقول الطبعيون، ومع ذلك فقد أبى وكفر أناس كثيرون.
وقيل المراد تصريف القرآن، وتقليب حججه وآياته من حال إلى حال ليذكر الناس ويتعظوا. ومع هذا فقد كفر به خلق كثير...
ولو شاء ربك لبعث في كل قرية أو جماعة نذيرا ينذرهم ويبشرهم كما كان يحصل قديما، ولكن الله- سبحانه وتعالى- أرسل محمدا خاتم النبيين أرسله للناس جميعا، لأنه جمع خير الرسالات، وفضائل الأنبياء وصفاتهم، وكان بعثه فاتحة عصر جديد للعالم، يمكن فيه لسهولة الاتصالات وانتشار نواحي العلم والمدنية أن يعلم الكل ولو بالإجمال إرسال رسول للناس وقد كان ذلك. فما من أمة أو جماعة إلا وقد عرفت برسالة محمد صلّى الله عليه وسلم.
فلا تطع يا محمد الكافرين، وجاهدهم بكل سلاح جهادا كبيرا، جهادا يتناسب مع كل عصر وزمن، وهكذا يكون أمراء دينك وحكام أمتك، بل وأمتك كلها واجب عليها ألا تطيع الكافرين وأن تجاهدهم بكل سلاح والويل لها حين أطاعت ولم تجاهد!!
من دلائل التوحيد وجميل الإنعام وكريم التوجيه للنبي صلّى الله عليه وسلم [سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٣ الى ٦٢]
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢)

صفحة رقم 730

المفردات:
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ خلاهما وأرسلهما متجاورين فُراتٌ المراد شديد العذوبة وأصل الكلمة من فرته وهو مقلوب رفته إذا كسره لأنه يكسر سورة العطش ويزيلها أُجاجٌ شديد الملوحة مع مرارة بَرْزَخاً حاجزا يحجز كلا منهما عن الآخر نَسَباً أى: ذوى نسب أى: ذكورا ينسب إليهم وَصِهْراً أى: وذوى صهر أى: قرابة، واشتقاق الصهر من صهرت الشيء إذا خلطته، وسميت المناكح صهرا لاختلاط الناس بها ظَهِيراً أى: مظاهرا وقيل: هو من الظهر والمراد هينا ذليلا لا يعبأ به نُفُوراً أى: بعدا عن الدين بُرُوجاً أى: منازل كالقصور للكواكب السيارة خِلْفَةً أى: كل منها يأتى بعد الآخر.

صفحة رقم 731

المعنى:
وهو الذي مرج البحرين العذب والملح وخلى بينهما وخلط، وأفاض أحدهما إلى الآخر، فهما يلتقيان أحدهما عذب فرات، يزيل العطش، ويكسر سورته وذلك كمياه الأنهار والعيون والآبار، وهي المياه الجارية التي فرقها الله بين عباده لاحتياجهم إليها كأنهار النيل والفرات والمسيسبى في أمريكا وغير ذلك كثير في جميع بقاع العالم، وكذا العيون والآبار التي في الواحات والصحارى الكبرى وغالب هذه الأنهار وروافدها تتكون من الأمطار، وبعضها يتسرب في الأرض ثم يظهر على شكل عيون وآبار.
والثاني ملح أجاج، مر المذاق لا يستساغ شربه، كالبحار الكبيرة والمحيطات المعروفة، وهذه مياه ساكنة إلا من المد والجزر، وتصب فيها الأنهار الجارية.
وإنا نرى أن البحرين العذب والملح، يسيران جنبا إلى جنب بل وقد يصب العذب في الملح، مع ذلك يبقى كل منهما محافظا على خصائصه مسافة طويلة، هذا هو المشاهد عند مصاب الأنهار، ونشاهد كذلك أن الأرض تحمل النوعين، والقارة فيها الصنفان المتميزان كل عن الآخر، لا يبغى أحدهما على الآخر أبدا.
وعلى ذلك يصدق فيهم قوله تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً وقوله تعالى في سورة الرحمن مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ فالحاجز هو اليابس من الأرض ولقد صرح بذلك بعض أئمة التفسير كابن كثير وغيره، وإلى هذا أميل، وبعضهم يرى أن الحاجز ما يشاهد من نهر النيل مثلا يصب في البحر الأبيض وهو ملح، ومع هذا يظل ماء النيل سائرا في الملح مسافة وهو محتفظ بخاصيته وهذا من نعم الله التي أنعم بها على خلقه فللماء العذب فوائد كلنا يعرفها، وللماء الملح فوائد لا تخفى في تربية بعض الأسماك والأصداف والأحجار الكريمة كاللؤلؤ والمرجان. ولقد أثبت العلم الآن أن للمحيطات وملحها أثرا كبيرا في حياة الناس ولو كانت عذبة لفسد الجو.
وهو الذي خلق الإنسان من ماء مهين هو ماء النطفة، فسواه وعدله، وجعله كامل الخلقة ذكرا أو أنثى تكون لها مصاهرة وقرابات وأختان، وتبارك ربك الخلاق وكان ربك قديرا بالغ القدرة، خلق الإنسان، وكان أن جعل منه الذكر والأنثى يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أرأيت الله واهب الوجود مبدع ذلك

صفحة رقم 732

الكون الغريب؟ كيف ضل عن عبادته وكفر به المشركون، فهم يعبدون من دون الله أشياء لا تنفعهم ولا تضرهم لو أرادت ضررهم، لأنها لا تدفع عن نفسها الضرر، ولا تجلب لها الخير، فكيف بها معكم أيها الجهلة؟!.
وكان الكافر على عصيان ربه، ومخالفة أمره، وتكذيب رسله مظاهرا ومتعاونا مع الشيطان وهو وحزبه هم الخاسرون، وقيل المعنى: وكان الكافر هينا لا قيمة له عند ربه.
وأما أنت يا محمد فلا يهمنك هذا العناد والكفر، فما أنت إلا نذير، وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا، وعلى الله وحده الحساب والعقاب قل لهم: لم لا تطيعوني وقد قامت الأدلة على صدقى؟ هل سألتكم أجرا على رسالتي حتى تخالفوني، لا: لم أسألكم أجرا أبدا، لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا حسنا، ومن شاء أن يكون عند الله من المقربين بالإنفاق والعمل الصالح فليفعل، فكل ذلك عنده بمقدار ولا يضيع عنده مثقال ذرة من عمل.
وتوكل يا محمد على الحي الذي لا يموت، صاحب هذا الملكوت، القوى الباقي بعد فناء الخلق جميعا، فمن يتوكل عليه فهو حسبه وكافيه من كل شر إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا، والتوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب الظاهرة مع اعتقاد أن الله- سبحانه- بيده كل شيء، فهو كما ترى حي لا يموت، فسبحه وقدسه وأطعه واعبده فهو العالم الخبير، وكفى به بذنوب عباده خبيرا، وسيجازى كلا على عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وهو الرحمن الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام الله أعلم بمقدارها، ولا تسل عن عددها بل تذكر قول الله في عدد خزنة النار حيث يقول: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا [سورة المدثر آية ٣١].
خلق الله السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش استواء يليق بعظمته، وهو أعلم به- وهذا رأى السلف- أما الخلف فيؤولون ويقولون ثم استولى على العرش يدبر الأمر. ويقضى بالحق وهو خير الفاصلين، وثم للترتيب الإخبارى لا للترتيب الزمنى.

صفحة رقم 733
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية