آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

تعرف طريق مرعاها وتستجيب لنداء راعيها وهم على خلاف ذلك فجهلوا ربهم الحق ولم يستجيبوا لنداء رسوله إليهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان ما كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلاقي في سبيل الدعوة من سخرية به واستهزاء.
٢- يتجاهل الإنسان الضال الحق وينكره حتى إذا عاين العذاب عرف ما كان ينكر، وآمن بما كان يكفر.
٣- هداية الإنسان ممكنة حتى إذا كفر بعقله وآمن بشهوته وعبد هواه تعذرت هدايته وأصبح أضل من الحيوان وأكثر خسراناً منه.
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا (٤٥) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (٤٩)
شرح الكلمات:
ألم تر إلى ربك كيف مد الظل: أي ألم تنظر إلى صنيع ربك في الظل كيف بسطه.
ولو شاء الله لجعله ساكناً: أي ثابتاً على حاله في الطول والامتداد ولا يقصر ولا يطول
ثم جعلنا الشمس عليه دليلا: أي علامة على وجوده إذ لولا الشمس لما عرف الظل.

صفحة رقم 618

ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا: أي أزلناه بضوء الشمس على مهل جزءاً فجزءاً حتى ينتهي.
ثم جعلنا الليل لباساً: أي يستركم بظلامه كما يستركم اللباس.
والنوم سباتاً: أي راحة لأبدانكم من عناء عمل النهار.
وجعل النهار نشوراً: أي حياة إذ النوم بالليل كالموت والانتشار بالنهار كالبعث.
بشراً بين يدي رحمته: أي مبشرة بالمطر قبل نزوله، والمطر هو الرحمة.
ماء طهوراً: أي تتطهرون به من الأحداث والأوساخ.
لنحيي به بلدة ميتاً: أي بالزروع والنباتات المختلفة.
أنعاماً وأناسي كثيراً: أي حيواناً وأناساً كثيرين.
ولقد صرفناه بينهم: أي المطر فينزل بأرض قوم ولا ينزل بأخرى لحكم عالية.
ليذكروا: أي يذكروا فضل الله عليهم فيشكروا فيؤمنوا ويوحدوا.
فأبى أكثر الناس إلا كفوراً: أي فلم يذكروا وأبى أكثرهم إلا كفوراً جحوداً للنعمة.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿ألم تر إلى١ ربك كيف مد الظل﴾ ٢ هذا شروع في ذكر مجموعة من أدلة التوحيد وهي مظاهر لربوبية الله تعالى المقتضية لألوهيته فأولاً الظل وهو المشاهد من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس وقد مده الخالق عز وجل أي بسطه في الكون، ثم تطلع الشمس فتأخذ في زواله وانكماشه شيئاً فشيئاً، ولو شاء الله تعالى لجعله ساكناً لا يبارح ولا يغادر ولكنه حسب مصلحة عباده جعله يتقاصر ويقبض حتى تقف الشمس في كبد السماء فيستقر ثم لما تدحض الشمس مائلة إلى الغروب يفيء أي يرجع شيئاً فشيئاً فيطول تدريجياً لتعرف به ساعات النهار وأوقات الصلوات حتى يبلغ من الطول حداً كبيراً كما كان في أول النهار ثم يقبض قبضاً يسيراً خفياً سريعاً حين تغرب الشمس ويغشاه ظلام الليل. هذه آية من آيات قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته بعباده تجلت في الظل الذي

١ جائز أن تكون الرؤية هنا بصرية وعلمية، معاً إذ بالعين يشاهد الظل وزواله وبالقلب يعلم ذلك كذلك.
٢ الظل بالغداء والفيء بالعشي قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحا نستطيعه
ولا الفيء من برد العشي نذوق

صفحة رقم 619

قال تعالى فيه ﴿ألم تر﴾ أيها الرسول أي تنظر إلى صنيع ربك جل جلاله ﴿كيف مد الظل، ولو شاء لجعله ساكنا﴾ ينتقل، ﴿ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً﴾ إذ بضوءها يعرف، فلولا الشمس لما عرف الظل وقوله تعالى ﴿ثم قبضناه إلينا قبضاه يسيراً﴾ حسب سنته ففي خفاء كامل وسرعة تامة يقبض الظل نهائياً ويحل محله الظلام الحالك.
وثانياً: في الليل والنهار قال تعالى: ﴿وهو الذي جعل لكم الليل لباساً١﴾ أي ساتراً يستركم بظلامه كما تستركم الثياب ﴿والنوم٢ سباتاً﴾ أي وجعل النوم قطعاً للعمل فتحصل به راحة الأبدان ﴿وجعل النهار نشوراً٣﴾ أي حياة بعد وفاة النوم فيتنشر فيه الناس لطلب الرزق بالعمل بالأسباب والسنن التي وضع الله تعالى لذلك.
وثالثا: إرسال الرياح للقاح السحب للمطار لإحياء الأرض بعد موتها بالقحط والجدب قال تعالى: ﴿وهو الذي أرسل الرياح٤﴾ هو لا غيره من الآلهة الباطلة ﴿أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته﴾ أي مبشرات بالمطر متقدمة عليه وهو الرحمة. وهي بين يديه فمن يفعل هذا غير الله؟ اللهم إنه لا أحد.
ورابعاً: إنزال الماء الطهور العذب الفرات للتطهير به وشرب الحيوان والإنسان قال تعالى ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهوراً٥ لنحي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً أي إبلاً وبقراً وغنماً {وأناسي كثيراً﴾ أي أناساً كثيرين وهم الآدميون ففي خلق الماء وإنزاله وإيجاد حاجة في الحيوان والإنسان إليه ثم هدايتهم لتناوله وشربه كل هذا آيات الربوبية الموجبة لتوحيد الله تعالى.
وخامساً: تصريف المطر بين الناس فيمطر في أرض ولا يمطر في أخرى حسب لحكمة الإلهية والتربية الربانية. قال تعالى: ﴿ولقد صرفناه بينهم٦﴾ أي بين الناس كما

١ قال ابن العربي ظنّ بعض الجهال أن كون الليل لباساً يجزىء من صلى فيه عارياً وهو لا يجزىء ولو أجزأ لأجزأ من أغلق باب غرفته وصلى عرياناً.
٢ أصل السبت: القطع والتمدد فهو بانقطاع البدن عن العمل تحصل له الراحة لذا قيل للنوم سبات لأنه بالتمدد يكون، وفي التمدد معنى الراحة.
٣ كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أصبح يقول: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور".
٤ قيل: إن تكوين الرياح سببه التقاء حرارة جانب من الجر ببرودة جانب آخر تنشأ السحب.
٥ أكثر الفقهاء على أن الماء الطهور غير الطاهر فالطهور: هو الذي تزال به الأحداث بخلاف الطاهر فلذا كل طهور طاهر وليس كل طاهر طهوراً.
٦ وجائز أن يراد بقوله ﴿صرفناه بينهم﴾ القرآن الكريم إذ جرى ذكره أول السورة وفي أثنائها أيضاً.

صفحة رقم 620

هو مشاهد إقليم يسقى وآخر يحرم، وقوله تعالى: ﴿فأبى أكثر الناس إلا كفوراً١﴾ أي جحوداً لإنعام الله عليهم وربوبيته عليهم وألوهيته لهم. وهو أمر يقتضى التعجب والاستغراب. هذه مظاهر الربويية المقتضية للألوهية، ﴿فأبى أكثر الناس إلا كفوراً﴾ والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- عرض الأدلة الحسية على وجوب عبادة الله تعالى وتوحيده فيها ووجوب الإيمان بالبعث والجزاء الذي أنكره المشركون فضلوا ضلالاً بعيداً.
٢- بيان فائدة الظل إذ به تعرف ساعات النهار وبه يعرف وقت صلاة الظهر والعصر فوقت الظهر من بداية الفيء، أي زيادة الظل بعد توقفه من النقصان عند وقوف الشمس في كبد السماء، ووقت العصر من زيادة الظل مثله بمعنى إذا دخل الظهر والظل أربعة أقدام أو ثلاثة أو أقل أو أكثر فإذا زاد مثله دخل وقت العصر فإن زالت الشمس على أربعة أقدام فالعصر يدخل عندما يكون الظل ثمانية أقدام وإن زالت الشمس على ثلاثة أقدام فالعصر على ستة أقدام وهكذا.
٣- الماء الطهور وهو الباقي على أصل٢ خلقته فلم يخالطه شيء يغير طعمه أو لونه أو ريحه. وبه ترفع الأحداث وتغسل النجاسات، ويحرم منعه عمن احتاج إليه من شرب أو طهارة.
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا (٥٠) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (٥١) فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ

١ قال عكرمة: هو قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا، وأيّده النحاس وقال: لا نعلم خلافاً أن الكفر هنا هو قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا روى الربيع بن صبيح قال: مُطر الناس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة فلما أصبحوا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أصبح الناس فيها رجلين: شاكراً وكافراً فأما الشاكر فيحمد الله تعالى على سقياه وغياثه. وأما الكافر فيقول مطرنا بنوء كذا وكذا".
٢ أحكام المياه: ١- قليل الماء ينجسه قليل النجاسة وكثيره لا ينجسه. ٢- الماء طهور ما بقي على أصل خلقته فإن خالطه ما غيّر أحد أوصافه: الريح واللون والطعم سلبت طهوريته. ٣- الماء المتغيّر بطول المكث طهور. ٤-كره بعض أهل العلم الوضوء بسؤر النصراني، وقد توضأ عمر من بيت نصرانية وقال لها: اسلمي تسلمي فكشف عن رأسها وإذا به مثل الثغامة وقالت: عجوز كبيرة وإنما أموت الآن فقال عمر: اللهم أشهد خرجه الدارقطني ٥- سؤر الكلب لا يتوضأ به ويغسل الإناء سبعاً. ٦- ما مات في الماء مما لا دم له كالحشرات لا يسلب طهورية الماء. ٧- سؤر الهر طاهر لحديث أبي قتادة.

صفحة رقم 621
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية