
دليله قوله سبحانه ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ وقيل: معناه إلّا من أنّهم، وهذا جواب لقول المشركين مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ.
وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً فالمريض فتنة للصحيح، والمبتلى فتنة للمعافى، والفقير فتنة للغني، فيقول السقيم: لو شاء الله لجعلني صحيحا مثل فلان، ويقول الفقير: لو شاء الله لجعلني غنيّا مثل فلان، وقال ابن عباس: إنّي جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا الهدى بغير أن أعطيهم عليه الدنيا، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت، ولكن قدّرت أن أبتلي العباد بكم وأبتليكم بهم.
أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يوسف ببخارى قال:
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن جمعان قال: حدّثنا محمد بن موسى قال: حدّثنا القاسم بن يحيى عن الحسن بن دينار عن الحسن عن أبي الدرداء أنّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «ويل للعالم من الجاهل، ويل للجاهل من العالم، وويل للمالك من المملوك، وويل للمملوك من المالك، وويل للشديد من الضعيف، وويل للضعيف من الشديد، وويل للسلطان من الرعية، وويل للرعية من السلطان، بعضهم لبعض فتنة فهو قوله سبحانه وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً» [٨٠].
أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً «١» قال مقاتل: نزلت هذه الآية في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل والنضر بن الحرث وذلك أنّهم لما رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمار وبلالا وصهيبا وعامر بن فهيرة ومهجع مولى عمر وجبر غلام ابن الحضرمي ودونهم قالوا: أنسلم فنكون مثل هؤلاء فانزل الله سبحانه يخاطب هؤلاء المؤمنين أَتَصْبِرُونَ يعني على هذه الحال من الشدّة والفقر، وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً بمن يصبر ويجزع، وبمن يؤمن وبمن لا يؤمن.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢١ الى ٣٤]
وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠)
وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)

وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ فتخبرنا أنّ محمدا صادق محقّ أَوْ نَرى رَبَّنا فيخبرنا بذلك نظيرها قوله سبحانه وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ الى قوله وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا.
قال الله تعالى لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ بهذه المقالة وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً قال مقاتل:
غلوّا في القول، والعتو: أشدّ الكفر وأفحش الظلم.
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ عند الموت وفي القيامة لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ للكافرين وَيَقُولُونَ يعني الملائكة للمجرمين حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرما عليكم البشرى بخير، وقيل: حرام عليكم الجنة، وقال بعضهم: هذا قول الكفار للملائكة، قال ابن جريج: كانت العرب إذا نزلت بهم شديدة أو رأوا ما يكرهون قالوا: حجرا محجورا، فقالوا حين عاينوا الملائكة هذا، وقال مجاهد: يعني عوذا معاذا، يستعيذون من الملائكة.
وَقَدِمْنا وعمدنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً باطلا لا ثواب له لأنّهم لم يعملوه لله سبحانه وإنّما عملوه للشيطان، واختلف المفسّرون في الهباء فقال بعضهم: هو الذي يرى في الكوى من شعاع الشمس كالغبار ولا يمسّ بالأيدي ولا يرى في الظلّ، وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد.
وقال قتادة وسعيد بن جبير: هو ما تسفيه الرياح وتذريه من التراب وحطام الشجر، وهي رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس، وقال ابن زيد: هو الغبار، والوالبي عن ابن عباس: هو الماء المهراق، مقاتل: ما يسطع من حوافر الدواب، والمنثور: المتفرق.
أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا من هؤلاء المشركين المتكبرين المفتخرين بأموالهم وَأَحْسَنُ مَقِيلًا موضع قائلة وهذا على التقدير، قال المفسرون: يعني أنّ أهل الجنة لا يمر بهم في الآخرة إلّا قدر ميقات النهار من أوله إلى وقت القائلة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة.
قال ابن مسعود: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار وقرأ: ثم ان مقيلهم لإلى الجحيم، هكذا كان يقرأها، وقال ابن عباس في هذه الآية: الحساب من ذلك اليوم في أوّله، وقال القوم حين قالوا في منازلهم في الجنة.
وروى ابن وهب عن عمرو بن الحرث أنّ سعيدا الصوّاف أو الصراف حدّثه أنّه بلغه أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس وأنّهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس، وقرأ هذه الآية.
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ قرأ أبو عمر وأهل الكوفة بتخفيف الشين على الحذف

والتخفيف هاهنا وفي سورة ق، وقرأ الآخرون بالتشديد فيهما على معنى تنشق السماء بالغمام أي عن الغمام، والباء وعن يتعاقبان كما يقال: رميت عن القوس وبالقوس بمعنى واحد.
وقال المفسّرون: وهو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم، وهو الذي قال الله سبحانه وتعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ «١».
وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا هكذا قراءة العامة، وقرأ ابن كثير وننزل بنونين الملائكة نصب الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ خالصا وبطلت ممالك غيره وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً صعبا شديدا نظيرها قوله سبحانه فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ «٢» والخطاب يدلّ على أنّه على المؤمنين يسير.
وفي الحديث: إنّه ليهوّن يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة صلّاها في دار الدنيا.
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ الآية.
نزلت في عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف وكانا متحابّين وذلك أنّ عقبة كان لا يقدم من سفر إلّا صنع طعاما فدعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلّم، فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاما فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى طعامه، فلمّا قرّب الطعام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله» فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من طعامه وكان أبىّ بن خلف غائبا، فلمّا أخبر بالقصة قال: صبأت يا عقبة: قال: لا والله ما أصبأت ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي ألّا أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدت له فطعم.
فقال أبىّ: ما أنا بالذي أرضى منك أبدا إلّا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه، ففعل ذلك عقبة وأخد رحم دابّة فألقاها بين كتفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا ألقاك خارجا من مكّة إلّا علوت رأسك بالسيف» [٨١]. فقتل عقبة يوم بدر صبرا، وأما أبىّ بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلّم بيده يوم أحد في المنابزة، وأنزل الله فيهما هذه الآية «٣».
وقال الضحّاك: لمّا بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم عاد بزاقه في وجهه وانشعب شعبتين فأحرق خدّيه، فكان أثر ذلك فيه حتّى الموت.
(٢) المدّثّر: ٩- ١٠.
(٣) الدرّ المنثور: ٥/ ٦٨.

وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلّم ويجالسه ويسمع إلى كلامه من غير أن يؤمن له فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك، فنزلت هذه الآية،
وقال الشعبي: كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأميّة بن خلف فأسلم عقبة فقال أميّة: وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمدا، فكفر وارتدّ لرضا أميّة فأنزل الله سبحانه وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ
يعني الكافر عقبة بن أبي معيط «١» لأجل طاعة خليله الذي صدّه عن سبيل ربّه يَقُولُ يا لَيْتَنِي وفتح تاءه أبو عمرو اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ محمد صلى الله عليه وسلّم سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا يعني أبي بن خلف الجمحي لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ يعني القرآن والرسول بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ وهو كلّ متمرّد عات من الجانّ، وكلّ من صدّ عن سبيل الله وأطيع في معصيته فهو شيطان لِلْإِنْسانِ خَذُولًا عند نزول البلاء والعذاب به.
وحكم هذه الآيات عامّ في كلّ متحابّين اجتمعا على معصية الله، لذلك قال بعض العلماء: أنشدنيه أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر قال: أنشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الصديق قال: أنشدنا أبو وائلة عبد الرحمن بن الحسين:
تجنّب قرين السوء واصرم حباله | فإن لم تجد عنه محيصا فداره |
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه | تنل منه صفو الودّ ما لم تماره |
وفي الشيب ما ينهى الحليم عن الصبا | إذا اشتعلت نيرانه في عذاره «٢» |
اصحب خيار الناس حيث لقيتهم | خير الصحابة من يكون عفيفا |
والناس مثل دراهم ميّزتها | فوجدت فيها فضّة وزيوفا «٣» |
سمعت أبا موسى يقول على المنبر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: مثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم ينلك يعبق بك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل القين إن لم يحرق ثيابك يعبق بك من ريحه.
وحدّثنا أبو القاسم بن حبيب لفظا سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو حاتم محمد
(٢) تفسير القرطبي: ١٣/ ٢٦.
(٣) تفسير القرطبي: ١٣/ ٢٦.

ابن حيان بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن أبي علي الخلادي قال: حدّثنا عبد الله بن الصقر السكري قال: حدّثنا وهب بن محمد النباتي قال: سمعت الحرث بن وجيه يقول: سمعت مالك ابن دينار يقول: إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الخبيص مع الفجّار.
وَقالَ الرَّسُولُ يعني ويقول الرسول في ذلك اليوم يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً أي قالوا فيه غير الحق فزعموا أنّه سحر وشعر وسمر من الهجر، وهو القول السيّئ، عن النخعي ومجاهد.
وقال الآخرون: هو من الهجران أي أعرضوا عنه وتركوه فلم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه.
أخبرنا أبو الطيب الربيع بن محمد الحاتمي وأبو نصر محمد بن علي بن الفضل الخزاعي قالا: حدّثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني قال: حدّثنا أبو القاسم الخضر بن أبان القرشي قال: حدّثنا أبو هدية إبراهيم بن هدية قال: حدّثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من تعلّم القرآن وعلّمه وعلّق مصحفا لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلّقا به يقول: يا ربّ العالمين عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه».
كَذلِكَ أي وكما جعلنا لك يا محمد أعداء ومن مشركي قومك كذلك جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ أي من مشركي قومه، فاصبر لأمري كما صبروا فإني هاد بك وناصرك على من ناواك.
وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً على الحال والتمييز وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ على محمد الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كما أنزلت التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى جملة واحدة قال الله سبحانه كَذلِكَ فعلنا لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ لنقوّي بها قلبك فتعيه وتحفظه، فإنّ الكتب نزلت على أنبياء يكتبون ويقرءون، والقرآن أنزل على نبيّ أمّي ولأنّ من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور، ففرّقناه ليكون أوعى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأيسر على العالم به.
وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا قال ابن عباس: ورسّلناه ترسيلا، وقال النخعي والحسن: فرّقناه تفريقا آية بعد آية وشيئا بعد شيء، وكان بين أوله وآخره نحو ثلاث وعشرين سنة، وقال ابن زيد:
وفسّرناه تفسيرا، والترتيل: التبيين في ترسّل وتثبّت.
وَلا يَأْتُونَكَ يا محمد يعني هؤلاء المشركين بِمَثَلٍ في إبطال أمرك إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ أي بما تردّ به ما جاءوا به من المثل وتبطله. وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً بيانا وتفصيلا، ثمّ وصف حال المشركين وبيّن حالهم يوم القيامة فقال الَّذِينَ يعني هم الذين يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ فيساقون ويجرّون إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا.