أبو الهيثم: البائر: الهالك. والبوار: الهلاك. وقال الحسن، وابن زيد: البور الذي ليس فيه من الخير شيء (١). ومعنى هذه الآية أن المعبودين قالوا: ما أضللناهم ولكنهم ضلوا.
١٩ - قال الله -عز وجل-: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾ أي: فيقال للكفار حينئذ (٢) ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ﴾ أي: كذبكم المعبودون بقولكم: إنهم آلهة، وإنهم شركاء (٣).
ومن قرأ ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بالياء (٤)، فالمعنى ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾ بقولهم: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ الآية (٥).
وقوله: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا﴾ أي: ما يستطيع الشركاء والمعبودون صرف العذاب عنكم (٦). هذه قراءة العامَّة بالياء (٧). ولا يحسن
(٢) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٤٨. و"تفسير مقاتل" ص ٤٣ و"تفسير الطبري" ١٨/ ١٩٢.
(٣) تفسير هود الهوّاري ٣/ ٢٠٤. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٠. و"تفسير الماوردي" ٤/ ١٣٧، ونسبه لمجاهد.
(٤) قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي قنبل عن أبي بزة عن ابن كثير ﴿يَقُولُونَ﴾ ﴿يَسْتَطِيعُونَ﴾ بالياء جميعاً. السبعة في القراءات ٤٦٣، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٤.
(٥) قال مقاتل ٤٣ ب: بقولهم إنهم لم يأمروكم أن تعبدوها.
(٦) "تنوير المقباس" ص ٣٠٢. و"تفسير مقاتل" ص ٤٣ ب. و"معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٢. و"تفسير هود الهوّاري" ٣/ ٢٠٤. وذكر الماوردي ٤/ ١٣٧، أربعة أوجه، هذا أحدها.
(٧) قرأ عاصم في رواية حفص: ﴿بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ بالتاء جميعاً. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بالتاء ﴿فما يستطيعون﴾ بالياء، =
أن يجعل ﴿يَسْتَطِيعُونَ﴾ بالياء للمتخذين الشركاء على الانصراف من الخطاب إلى الغيبة؛ لأن قبله خطابًا، وبعده خطابًا، وهو قوله: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾ (١) وهذا مذهب مجاهد؛ لأنه قال: المشركون لا يستطيعونه (٢). ونحو ذلك روى عطاء عن ابن عباس قال: لا يصرفون عن أنفسهم سوء العذاب. يعني المشركين. ولكن ﴿يَسْتَطِيعُونَ﴾ خبر عن الشركاء على ما ذكرنا، وهو مذهب مقاتل (٣). ومن قرأ بالتاء فالمعنى: ﴿يَسْتَطِيعُونَ﴾ أيها المتخذون الشركاء صرفًا ولا نصرًا (٤).
قال أبو عبيد: والاختيار الياء، وتصديقها حرف ابن مسعود: ﴿فَمَا يسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلاَ نَصْرًا﴾ (٥) فلما جاءت المخاطبة بقوله: ﴿لَكُمُ﴾ تبين أنه أخبر بالاستطاعة عن قوم.
وتفسير الصرف هاهنا: صرف العذاب، في قول ابن عباس ومقاتل، وأكثر المفسرين، وأهل المعاني (٦). وروي عن يونس أنه قال: الصرف:
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٤٠، بنصه.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٨/ ١٩٢، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٧٤. وتفسير مجاهد ٢/ ٤٤٩.
(٣) "تفسير مقاتل" ص ٤٣ ب.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٤٠.
(٥) أخرج هذه القراءة بإسناده ابن جرير ١٨/ ٣١٩، نصها: (مَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً) ولعل هذا تصحيف من: لكم، إلى: لك. ثُمَّ قال: فإن تكن هذه الرواية عنه صحيحة، صح التأويل.... وذكره ابن عطية ١١/ ٢٠، نقلاً عن ابن أبي حاتم، لكنِّي لم أجده عنده.
(٦) "تفسير مقاتل" ص ٤٤ أ. وذكره السمرقندي ٢/ ٤٥٦. والثعلبي ٩٤ أ. ونسبه الماوردي ٤/ ١٣٧، لزيد بن أسلم. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦١.
الحيلة. ومنه قيل: فلان يتصرف أي: يحتال (١). ويقال للمحتال: صيرف، وصيرفي (٢).
وقوله: ﴿وَلَا نَصْرًا﴾ معناه على قراءة العامَّة: ولا أن ينصروكم من عذاب الله بدفعه عنكم. وعلى قراءة من قرأ: ﴿تَسْتَطِيعُونَ﴾ بالتاء معناه: ولا نصرًا من العذاب لأنفسكم. يعني: ولا أن تنصروا أنفسكم بمنعها من العذاب (٣). وقال المبرد: ولا أن ينصر بعضكم بعضًا كقوله: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ﴾ [الصافات: ٢٥] أي: لا ينصر المشركون بعضهم بعضًا. وهذا على تفسير مجاهد وعطاء لقوله: ﴿فما يَسْتَطِيعونَ صرْفًا﴾ بالياء (٤).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾ قال ابن عباس، والحسن ومقاتل: ومن يشرك منكم (٥). قال مقاتل: ومن يشرك بالله
(٢) في (ج): (صرف، وصرفي).
(٣) "تنوير المقباس" ص ٣٠٢.
(٤) قول مجاهد، وعطاء، في الصفحة السابقة.
(٥) أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٧٤، عن ابن عباس من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك، كل شيء نسبه إلى غير الإسلام، من اسم مثل: مسرف، وظالم، ومجرم، وفاسق، وخاسر، فإنما يعني به: الكفر. وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به: الذنب، قال: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾ يقول: من يكفر منكم. وذكر القرطبي ١٣/ ١٢، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أنه الشرك. وأخرجه عن الحسن عبد الرزاق ٢/ ٦٧. وعنه ابن جرير ١٨/ ١٩٣. و"تفسير مقاتل" ص٤٤ أ. قال ابن عطية ١١/ ٢٠، بعد ذكره هذا لقول: وقد يحتمل أن يعم غيره من المعاصي. إلا أن سياق الآية لا يشهد له. والله أعلم.