آيات من القرآن الكريم

فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا ۚ وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

أبو الهيثم: البائر: الهالك. والبوار: الهلاك. وقال الحسن، وابن زيد: البور الذي ليس فيه من الخير شيء (١). ومعنى هذه الآية أن المعبودين قالوا: ما أضللناهم ولكنهم ضلوا.
١٩ - قال الله -عز وجل-: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾ أي: فيقال للكفار حينئذ (٢) ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ﴾ أي: كذبكم المعبودون بقولكم: إنهم آلهة، وإنهم شركاء (٣).
ومن قرأ ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بالياء (٤)، فالمعنى ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾ بقولهم: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ الآية (٥).
وقوله: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا﴾ أي: ما يستطيع الشركاء والمعبودون صرف العذاب عنكم (٦). هذه قراءة العامَّة بالياء (٧). ولا يحسن

(١) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٦٧، عن الحسن، ومن طريقه أخرجه ابن جرير ١٨/ ١٩٠، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٧٣. وأخرجه عن ابن زيد: ابن جرير ١٨/ ١٩١. وذكره عنهما الثعلبي ٩٤ أ.
(٢) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٤٨. و"تفسير مقاتل" ص ٤٣ و"تفسير الطبري" ١٨/ ١٩٢.
(٣) تفسير هود الهوّاري ٣/ ٢٠٤. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٠. و"تفسير الماوردي" ٤/ ١٣٧، ونسبه لمجاهد.
(٤) قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي قنبل عن أبي بزة عن ابن كثير ﴿يَقُولُونَ﴾ ﴿يَسْتَطِيعُونَ﴾ بالياء جميعاً. السبعة في القراءات ٤٦٣، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٤.
(٥) قال مقاتل ٤٣ ب: بقولهم إنهم لم يأمروكم أن تعبدوها.
(٦) "تنوير المقباس" ص ٣٠٢. و"تفسير مقاتل" ص ٤٣ ب. و"معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٢. و"تفسير هود الهوّاري" ٣/ ٢٠٤. وذكر الماوردي ٤/ ١٣٧، أربعة أوجه، هذا أحدها.
(٧) قرأ عاصم في رواية حفص: ﴿بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ بالتاء جميعاً. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بالتاء ﴿فما يستطيعون﴾ بالياء، =

صفحة رقم 439

أن يجعل ﴿يَسْتَطِيعُونَ﴾ بالياء للمتخذين الشركاء على الانصراف من الخطاب إلى الغيبة؛ لأن قبله خطابًا، وبعده خطابًا، وهو قوله: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾ (١) وهذا مذهب مجاهد؛ لأنه قال: المشركون لا يستطيعونه (٢). ونحو ذلك روى عطاء عن ابن عباس قال: لا يصرفون عن أنفسهم سوء العذاب. يعني المشركين. ولكن ﴿يَسْتَطِيعُونَ﴾ خبر عن الشركاء على ما ذكرنا، وهو مذهب مقاتل (٣). ومن قرأ بالتاء فالمعنى: ﴿يَسْتَطِيعُونَ﴾ أيها المتخذون الشركاء صرفًا ولا نصرًا (٤).
قال أبو عبيد: والاختيار الياء، وتصديقها حرف ابن مسعود: ﴿فَمَا يسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلاَ نَصْرًا﴾ (٥) فلما جاءت المخاطبة بقوله: ﴿لَكُمُ﴾ تبين أنه أخبر بالاستطاعة عن قوم.
وتفسير الصرف هاهنا: صرف العذاب، في قول ابن عباس ومقاتل، وأكثر المفسرين، وأهل المعاني (٦). وروي عن يونس أنه قال: الصرف:

= وعن ابن كثير أنه قرأ بالياء في الموضعين. "السبعة" ص ٤٦٣، و"المبسوط في القراءات العشر" ص ٢٧١، و"التبصرة" ص ٦١٣، و"النشر" ٢/ ٣٣٤.
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٤٠، بنصه.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٨/ ١٩٢، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٧٤. وتفسير مجاهد ٢/ ٤٤٩.
(٣) "تفسير مقاتل" ص ٤٣ ب.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٤٠.
(٥) أخرج هذه القراءة بإسناده ابن جرير ١٨/ ٣١٩، نصها: (مَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً) ولعل هذا تصحيف من: لكم، إلى: لك. ثُمَّ قال: فإن تكن هذه الرواية عنه صحيحة، صح التأويل.... وذكره ابن عطية ١١/ ٢٠، نقلاً عن ابن أبي حاتم، لكنِّي لم أجده عنده.
(٦) "تفسير مقاتل" ص ٤٤ أ. وذكره السمرقندي ٢/ ٤٥٦. والثعلبي ٩٤ أ. ونسبه الماوردي ٤/ ١٣٧، لزيد بن أسلم. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦١.

صفحة رقم 440

الحيلة. ومنه قيل: فلان يتصرف أي: يحتال (١). ويقال للمحتال: صيرف، وصيرفي (٢).
وقوله: ﴿وَلَا نَصْرًا﴾ معناه على قراءة العامَّة: ولا أن ينصروكم من عذاب الله بدفعه عنكم. وعلى قراءة من قرأ: ﴿تَسْتَطِيعُونَ﴾ بالتاء معناه: ولا نصرًا من العذاب لأنفسكم. يعني: ولا أن تنصروا أنفسكم بمنعها من العذاب (٣). وقال المبرد: ولا أن ينصر بعضكم بعضًا كقوله: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ﴾ [الصافات: ٢٥] أي: لا ينصر المشركون بعضهم بعضًا. وهذا على تفسير مجاهد وعطاء لقوله: ﴿فما يَسْتَطِيعونَ صرْفًا﴾ بالياء (٤).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾ قال ابن عباس، والحسن ومقاتل: ومن يشرك منكم (٥). قال مقاتل: ومن يشرك بالله

(١) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣١١. حيث نسبه ليونس. وكذا الثعلبي ٩٤ أ. وعن ابن قتيبة، ذكره الماوردي ٤/ ١٣٧. وابن الجوزي ٦/ ٧٩.
(٢) في (ج): (صرف، وصرفي).
(٣) "تنوير المقباس" ص ٣٠٢.
(٤) قول مجاهد، وعطاء، في الصفحة السابقة.
(٥) أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٧٤، عن ابن عباس من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك، كل شيء نسبه إلى غير الإسلام، من اسم مثل: مسرف، وظالم، ومجرم، وفاسق، وخاسر، فإنما يعني به: الكفر. وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به: الذنب، قال: ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾ يقول: من يكفر منكم. وذكر القرطبي ١٣/ ١٢، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أنه الشرك. وأخرجه عن الحسن عبد الرزاق ٢/ ٦٧. وعنه ابن جرير ١٨/ ١٩٣. و"تفسير مقاتل" ص٤٤ أ. قال ابن عطية ١١/ ٢٠، بعد ذكره هذا لقول: وقد يحتمل أن يعم غيره من المعاصي. إلا أن سياق الآية لا يشهد له. والله أعلم.

صفحة رقم 441
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية