
ثم حقق أمرها تأكيدا للبشارة بقوله:
(كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً) أي كانت هذه الجنة لهم جزاء أعمالهم فى الدنيا بطاعته، وثوابا لهم على تقواه، ومرجعا لهم ينتقلون إليه فى الآخرة.
ثم وصف مقدار تنعمهم فيها بقوله:
(لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ) أي لهم فى جنة الخلد ما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ونحو ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهم فيها خالدون أبدا بلا انقطاع ولا زوال.
(كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا) أي وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم وأحسن به إليهم حين سألوه بقولهم: «رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ»
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٧ الى ١٩]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩)
تفسير المفردات
ضل السبيل: فقده وخرج عنه، والذكر: ما ذكّر به الناس على ألسنة أنبيائهم، بورا: أي هالكين وهو لفظ يستوى فيه الواحد والجمع، صرفا: أي دفعا للعذاب، يظلم: أي يكفر.

المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه ما أعدّ لأولئك المكذبين بيوم القيامة من الشدائد والأهوال فى النار ودعائهم على أنفسهم بالويل والثبور- أردفه ذكر أحوالهم مع معبوداتهم من دون الله وتوبيخهم على عبادة من عبدوا من الملائكة وغيرهم، ثم ذكر أن معبوداتهم تكذبهم فيما نسبوه إليهم، ثم بين أن العابدين لا يستطيعون دفع العذاب عن أنفسهم ولا يجدون من يستنصرون به.
الإيضاح
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ؟) أي واذكر لقومك تخويفا وتحذيرا يوم يحشر عابدو الأصنام والملائكة عيسى وعزير وأضرابهم من العقلاء الذين عبدوا من دون الله، ثم يقال لأولئك المعبودين: ء أنتم دعوتم عبادى إلى الغى والضلال حتى دسّوا أنفسهم وهلكوا، أم هم الذين ضلوا سبيل الرشد والحق، وسلكوا سبيل الهلاك بإعراضهم عن اتباع الرسول؟ فأجاب المعبودون:
(قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً) أي قال المعبودون على طريق التعجب مما قيل لهم، لأنهم ملائكة أو أنبياء معصومون، فما أبعدهم عن الإضلال: تنزهت ربنا مما نسب إليك هؤلاء المشركون، ما كان يليق بنا ونحن لا نتخذ من دونك أولياء أن ندعو غيرنا إلى ذلك، ولكنك ربنا أكثرت عليهم وعلى آبائهم نعمك ليعرفوا حقها ويشكروك، فاستغرقوا فى الشهوات، وانهمكوا فى اللذات وغفلوا عن ذكرك والإيمان بك، فكانوا من الهالكين، فحينئذ يقال لأولئك العابدين.
(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً) أي فقد كذبكم أيها الكافرون من زعمتم أنهم أضلوكم ودعوكم إلى عبادتهم- فيما تقولون،