آيات من القرآن الكريم

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

٤- يتمنى المعذّبون في جهنم الموت والهلاك، للخلاص من شدة العذاب، ولكن لا يتحقق لهم ذلك، ويبقون فيها معذّبين، لا أمل لهم في النجاة أو الخلاص مما هم فيه.
٥- لا مجال أصلا للمقارنة بين عذاب النار ونعيم الجنة، فلا خير في النار، وإنما يقال للكفار: أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ للتنبيه على التفاوت بين المنزلتين، وللتهكم بهم والتحسير لهم، وتفادي ما يؤدي بهم إلى النار، وهذا رحمة من الله عز وجل بهم، وإنذار مسبق، ولقد أعذر من أنذر.
٦- في الجنة تحقيق كل الرغبات والمطالب، ففيها ما لا تتصوره العقول في الدنيا.
٧- وعد الله المؤمنين الجنة جزاء على أعمالهم، ووعده حق وصدق ومنجز لا محالة، فسألوه ذلك الوعد، وقالوا: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ أو أن الملائكة تسأل لهم الجنة، كما قال تعالى: رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ. قال زيد بن أسلم: سألوا الله الجنة في الدنيا، ورغبوا إليه بالدعاء، فأجابهم في الآخرة إلى ما سألوا وأعطاهم ما طلبوا.
أحوال الكفار مع معبوداتهم يوم القيامة
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٧ الى ١٩]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩)

صفحة رقم 33

المفردات اللغوية:
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ للجزاء، وقرئ: نحشرهم. وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي من غير الله، ويشمل كل معبود من الملائكة والجن وعيسى وعزير، والأصنام، واستعمال ما لأنه أعم، أو لتغليب الأصنام تحقيرا. والأصنام ينطقها الله، أو تتكلم بلسان الحال، كما قيل في كلام الأيدي والأرجل. فَيَقُولُ تعالى للمعبودين، إثباتا للحجة على العابدين، وقرئ: فنقول: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ: هل أنتم أوقعتموهم في الضلال، بأمركم إياهم بعبادتكم. أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ أي أم أخطئوا طريق الحق بأنفسهم لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح. وهو استفهام تقريع وتبكيت للعابدين. وضلّ السبيل: فقده وخرج عنه.
سُبْحانَكَ تنزيها لك عما لا يليق بك، وكان جوابهم تعجبا مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون أو جمادات لا تقدر على شيء. ما كانَ يَنْبَغِي لَنا ما كان يصح أو يستقيم لنا. مِنْ دُونِكَ غيرك، ومرادهم أنه لا يتصور منا دعوة أحد إلى عبادتنا، للعصمة أو للعجز، فكيف يصح لنا أن ندعو غيرنا أن يتولى أحدا دونك. وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ من قبلهم بإطالة العمر وسعة الرزق وأنواع النعم، فاستغرقوا في الشهوات. حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن، وغفلوا عن ذكرك أو التذكر لآلائك ونعمك والتدبر في آياتك، والذِّكْرَ:
ما ذكّر به الناس بواسطة أنبيائهم، وهو هنا القرآن والشرائع، أو ذكر الله والإيمان به.
بُوراً هلكى أو هالكين، من البوار، أي الهلاك.
كَذَّبُوكُمْ كذب المعبودون العابدين، وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب للتنويع في الأسلوب ولفت الأنظار. بِما تَقُولُونَ أنهم آلهة. فما يستطيعون أي هم، وقرئ بالتاء:
أي أنتم. صَرْفاً دفعا للعذاب عنكم. وَلا نَصْراً منعا لكم منه. وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يشرك أو يكفر منكم أيها المخاطبون. عَذاباً كَبِيراً شديدا في الآخرة، وهو النار، وقوله:
وَمَنْ يَظْلِمْ شرط، وإن عمّ كل من كفر أو فسق لكنه في اقتضاء الجزاء مقيد بعدم التوبة من العبد، والعفو من الله تعالى.
المناسبة:
بعد بيان ما أعد الله للكافرين من شدة العذاب يوم القيامة، ومقارنته بنعيم أهل الجنة، ذكر الله تعالى مشهدا من مشاهد القيامة وهو حال العابدين مع المعبودين من غير الله الذين يحشرهم الله تعالى، ويسألهم: أهم الذين أوقعوا عابديهم في الضلال عن طريق الحق، أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟

صفحة رقم 34

التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عما يقع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم من عبدوا من دون الله كالملائكة وغيرهم فقال:
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَقُولُ: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ أي واذكر أيها الرسول لأولئك المشركين يوم يجمعهم مع معبوديهم من الملائكة والمسيح وعزير والأصنام التي ينطقها الله وغيرهم من الناس كفرعون، الذين عبدوا من دون الله، فيقال لأولئك المعبودين على سبيل التقرير والتثبيت: أأنتم أوقعتم عبادي في الضلال عن طريق الحق، أو هل دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني، أم هم ضلوا عنه بأنفسهم أو عبدوكم من تلقاء أنفسهم من غير دعوة منكم لهم، كما قال الله تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالَ: سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ، تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي، وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة ٥/ ١١٦].
واستعمال ما في قوله تعالى: وَما يَعْبُدُونَ لأنها موضوعة للعقلاء وغيرهم: على العموم، وفائدة أَنْتُمْ ويَحْشُرُهُمْ لأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه وفاعله، فلا بد من ذكره، ليعلم أنه المسؤول عنه. والسؤال ليس لإخبار الله، فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه، ففائدته أن يجيبوا بما أجابوا به لتقريع عبدتهم بتكذيبهم إياهم، فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم، ويكون ذلك كشفا وافتضاحا لعبدة الأصنام والأوثان وغيرهم، ومسوغا لإلحاق غضب الله وعذابه، كما أبان الزمخشري.
وظاهر السؤال في قوله: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ.. من الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذلك من الملائكة بأمر الله تعالى.

صفحة رقم 35

ثم أخبر الله تعالى عما يجيب به المعبودون يوم القيامة فقال:
قالُوا: سُبْحانَكَ، ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ، وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ، وَكانُوا قَوْماً بُوراً أي قال المعبودون بلسان المقال أو الحال على طريق التعجب مما قيل لهم: تنزيها لك يا ربّ مما نسبه إليك المشركون، ما كان يصح لنا بحال أن نتخذ أنصارا من دونك، فنحن الفقراء إليك، وليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك، فنحن ما دعوناهم إلى عبادتنا، بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا، ونحن برآء منهم ومن عبادتهم، وإذا كنا لا نرى من دونك أولياء، فكيف ندعو غيرنا إلى ذلك؟ ولكن طال عليهم العمر، وشغلوا بما أنعمت عليهم من صنوف الخيرات، واستغرقوا في اللذات والشهوات، ونسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك، وكانوا قوما لا خير فيهم، وهلكى في نهاية الأمر.
ونظير الآية: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ، قالُوا: سُبْحانَكَ [سبأ ٣٤/ ٤٠- ٤١].
فيقال للعابدين:
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ، فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً أي فقد كذّبكم الذين عبدتم من دون الله فيما زعمتم أنهم لكم أولياء مناصرون، وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى، فلا يقدرون، أي الآلهة المزعومة، على صرف العذاب عنهم، ولا الانتصار لأنفسهم بأي حال أبدا، كما قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الأحقاف ٤٦/ ٥- ٦].
ثم أعلن الله تعالى حكم كل ظالم، فقال:

صفحة رقم 36

وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً أي ومن يشرك بالله أو يكفر، أو يفسق نذقه يوم القيامة عذابا شديدا لا يعرف قدره. والظلم هنا هو الإشراك ونحوه كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان ٣١/ ١٣] وقال سبحانه:
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات ٤٩/ ١١].
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه صورة مسبقة من الحوار، معروضة في الدنيا، للعظة والعبرة بين المعبودين الذين اتخذوا آلهة من غير رضا منهم، وبين العابدين الذين ضلوا عن الحق، فعبدوا من لا يستحق العبادة، يبيّن فيها سلفا مصير الكافرين. وهذا غير مألوف في أحكام الدنيا التي لا تعرف إلا بإعلان القاضي لها.
وكانت نتيجة الجواب والسؤال بيان حصر المسؤولية عن الضلال في العابدين دون المعبودين، وجعل تبرؤ المعبودين عن العابدين سببا واضحا في حسرتهم وحيرتهم.
ويقول الله تعالى عند تبرّي المعبودين: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ أي كذبتكم تلك الآلهة المزعومة في نظركم في قولكم: إنهم آلهة، وحينئذ لا يستطيع هؤلاء الكفار لما كذّبهم المعبودون صرف العذاب عن أنفسهم، ولا نصر أنفسهم مما ينزل بهم من العذاب بتكذيبهم إياكم.
ونوع العذاب الذي سيوقع عليهم وعلى أمثالهم هو كما قال تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً أي ومن يشرك منكم ثم يموت عليه من غير توبة، نذقه في الآخرة عذابا كبيرا أي شديدا، كما قال تعالى: وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً [الإسراء ١٧/ ٤] أي شديدا.

صفحة رقم 37
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية