
وقال ابن عباس: خيراً من ذلك، أي: من مشيك في الأسواق، والتماسك المعاش. ثم بين ما هو الذي يجعل له فقال: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾، قال خيثمة: " قيل للنبي ﷺ: إن شئت أن يعطوك خيرا من الدنيا ومفاتيحها، ولم يعط ذلك من قبلك، ولا يعطه أحد بعدك، وليس ذلك يناقصك في الآخرة شيئا، وإن شئت جمعنا لك ذلك في الآخرة.
فقال: يجمع لي ذلك في الآخرة "، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ / خَيْراً مِّن ذلك﴾ الآية.
قال: مجاهد: قصوراً بيوتا مبنية مشيدة. وكانت قريش ترى البيت من حجارة قصراً كائناً ما كان.
قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً﴾، أي: ما فعل

هؤلاء المشركون، ما فعلوا من تكذيب يا محمد إلا لأنهم كذبوا بالبعث، والنشر والقيامة.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً﴾، أي: ناراً تسعر عليهم وتتقد. ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾، أي: إذا رأت النار أشخاصهم من مكان بعيد. ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾، أي: غلياناً وفواراً.
يقال، فلان يتغيظ على فلان: إذا غضب عليه فغلى صدره من الغضب عليه. وزفيراً: أي: صوتها حين تزفر، والتقدير سمعوا صوت التغيظ من التلهب والتوقد.
وقيل: معناه: سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظاً وزفيراً.
وقال المسيب بن رافع: يكون الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، فتخرج عنق من النار. فتقول: إني وكلت بثلاثة بمن دعا مع الله إلهاً آخر وبالعزيز الكريم، وبكل جبار عنيد. فتنطوي بهم فتدخلهم النار قبل

الناس بنصف يوم. ثم ينطلق الفقراء إلى الجنة فتقول لهم خزنة الجنة: أنَّ لكم هذا قبل الحساب؟ فيقولون والله ما أعطيتمونا أموالاً وما كنا أمراء فتصدقهم الملائكة فتأذن، فيدخلون الجنة قبل الناس بنصف يوم ويبقى الحساب على الأغنياء والأمراء، فيقول الرب تبارك وتعالى: (إياكم أعطيت، وإياكم ابتليت) فيحاسبون.
وقوله: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾، أتى على لفظ التأنيث، والسعير مذكر، فإنما ذلك: لأن التأنيث راجع إلى النار، لأن السعير هي النار وهذا كقول الشاعر:
إن تميما خلقت ملوما... فقال خلقت لأن تميما قبيلة، ثم رجع إلى لفظ تميم فقال: (مَلُومَاً) ثم رجع إلى الجماعة فقال:
قوما ترى واحدهم صهميما.... والصهميم: الجمل القوي الشديد النفس.

قال ابن عباس: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي، وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن مالك؟ قالت: إنه يستجيرك مني فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار. فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك. فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهيق البغل إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جأث.
وقيل: معنى ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾، إذا رآه خزانها من مكان بعيد ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾، حرصا على عذابهم رغضبا لله عليهم، فأخبر عن النار والسعير، والمراد خزان النار الموكلون بها، كما قال تعالى ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا﴾ [الحج: ٤٨]، يريد أهل القرية، وكما قال ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣]، يريد أهل القرية بدلالة قوله بعد ذلك ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ﴾ [محمد: ١٣] فرجع الخبر عن أهل القرية.