آيات من القرآن الكريم

بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

الفضل علينا وهو مثلنا في هذه الأمور؟ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ أي هلا ينزل على صورته مَلَكٌ لا يأكل ولا يشرب فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أي فيكون معينا له في الإنذار يشهد له ويرد من خالفه أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ من السماء، فينفقه، فلا يحتاج إلى التردد لطلب المعاش أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها.
وقرأ الأعمش وقتادة «يكون» بالياء التحتية، وقرأ حمزة والكسائي «نأكل» بالنون.
وَقالَ الظَّالِمُونَ أي المشركون أبو جهل، والنضر، وأمية وأصحابهم للمؤمنين: إِنْ تَتَّبِعُونَ أي ما تتبعون أيها المؤمنون إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (٨) أي مختل النظر والعقل انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ أي انظر يا أفضل الخلق كيف اشتغل القوم بضرب هذه التي لا فائدة فيها من الأقوال العجيبة الخارجة عن العقول، فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩) أي فأرادوا القدح في نبوتك، فضلوا عن طريق المحاجة، فلم يجدوا سبيلا إلى القدح في نبوتك وفي معجزاتك، وضلوا عن الحق فلا يجدون طريقا موصلا إليه. تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ أي تكاثر خير من الذي إن شاء جَعَلَ لَكَ في الدنيا شيئا خَيْراً لك مِنْ ذلِكَ الذي قالوه جَنَّاتٍ أي بساتين كثيرة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) أي بيوتا مشيدة رفيعة في الدنيا، فقوله تعالى: جَنَّاتٍ بدل من خير.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر برفع «يجعل» على أنه معطوف على جواب الشرط، لأن الشرط إذا كان ماضيا جاز في جوابه الجزم والرفع، أو مستأنف بوعد ما يكون له صلّى الله عليه وسلّم في الآخرة. وقرأ الباقون بإدغام لام «يجعل» في لام «لك» إما بتقدير الجزم على أنه معطوف على محل جواب الشرط وهو جزم، أو بتقدير الرفع، وإنما سكن اللام لأجل الإدغام، فعلى الرفع حسن الوقف على «الأنهار» فإن المعنى: وسيجعل لك قصورا في الآخرة وعلى الجزم لا يحسن الوقوف على «الأنهار» فإن المعنى: إن شاء يجعل لك قصورا في الدنيا.
روي عن طاوس عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس وجبريل عليه السلام عنده قال جبريل عليه السلام: هذا ملك قد نزل من السماء استأذن ربه في زيارتك فلم يلبث إلا قليلا حتى جاء الملك وسلم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: إن الله يخيرك بين أن يعطيك مفاتيح كل شيء لم يعطها أحدا قبلك ولا يعطيها أحدا بعدك من غير أن ينقصك مما ادخر لك شيئا، وبين أن يجمعها لك في الآخرة فقال صلّى الله عليه وسلّم: «بل يجمعها جميعا في الآخرة» «١» فنزل قوله تعالى:
تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ الآية.
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ. وهذا جواب ثالث كأنه تعالى قال: ليس ما تعلقوا به شبهة علمية في نفس المسألة لأنهم لا يعتقدون فيك كذبا بل الذي حملهم على تكذيبك تكذيبهم بوجود

(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٥: ٦٨).

صفحة رقم 127

وقت الجزاء استثقالا للاستعداد له، فإنهم لا يتحملون مشقة النظر، فلهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) أي جعلنا نارا عظيمة شديدة الاشتعال معدة لمن كذب بوجود القيامة، إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أي من مسيرة عام كما قاله الكلبي والسدي سَمِعُوا لَها أي النار تَغَيُّظاً أي صوت غليانها، وَزَفِيراً (١٢) أي صوتا شديدا كصوت الحمار وَإِذا أُلْقُوا مِنْها أي النار مَكاناً ضَيِّقاً.
وقرأه ابن كثير بسكون الياء مُقَرَّنِينَ في السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم دَعَوْا هُنالِكَ أي في ذلك المكان ثُبُوراً (١٣) بأن يقولوا: يا ثبور هذا زمانك ويتمنوا موتا.
وقال الكلبي: الأسفلون يرفعهم اللهيب والأعلون يخفضهم الداخلون، فيزدحمون في تلك الأبواب الضيقة. وقال ابن عمر: إن جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزج على الرمح.
وتقول لهم: خزنة جهنم لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً أي لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) فإن ما أنتم فيه من العذاب مستوجب لتكرير الدعاء في كل آن لغاية شدته وطول مدته قُلْ لهم تحسيرا على ما فاتهم: أَذلِكَ السعير التي هيئت لمن كذب بوجود القيامة خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ التي لا ينقطع نعيمها الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أي التي وعدها من يجتنبون الكفر. وهذا يحسن في مقام التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالا فأبى واستكبر، فضربه ضربا وجيعا وقال له على سبيل التوبيخ، هذا أحب إليك أم ذاك كانَتْ أي تلك الجنة لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) أي مسكنا فما وعد الله به فهو كائن لا بد من وقوعه، فكأنه قد كان، ولأنه كان مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله بأزمان متطاولة: أن الجنة جزاؤهم ومستقرهم. لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ فكل فريق منهم مشتغل بما فيه من اللذات فلا يلتفتون إلى ما فوق ذلك من المراتب العالية، وفي هذا تنبيه على أن حصول المرادات بأسرها لا يكون إلا في الجنة. خالِدِينَ حال من الهاء في «لهم» فإن من شرط نعيم الجنة أن يكون دائما إذ لو انقطع لكان مخلوطا بنوع من الغم كنعيم الدنيا، ولذلك
قال صلّى الله عليه وسلّم: «من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق» فقيل: وما هو يا رسول الله؟ فقال: «سرور يوم»
كانَ أي ما يشاءونه عَلى رَبِّكَ يا أفضل الخلق وَعْداً مَسْؤُلًا (١٦) أي موعودا مطلوبا لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون، فإن المكلفين سألوه بلسان الحال، لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعته تعالى كان ذلك قائما مقام السؤال وما في «على» من معنى الوجوب لاستحالة الخلف في وعده تعالى، فإن تعلق إرادته تعالى بالوعود متقدم على الوعد الموجب للإنجاز، وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ.
وقرأ ابن كثير وحفص بالياء. والباقون بالنون وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي من غيره، أي ويوم القيامة يحشر الله العابدين لغير الله ومعبوديهم فَيَقُولُ. قرأ ابن عامر بالنون.
والباقون بالياء كأن يخلق في الأصنام الحياة فينطقها أو كأن جوابها بلسان الحال كما ذكره بعضهم

صفحة رقم 128

في تسبيح الموات وفي شهادة الأيدي والأرجل أي يقول الله للمعبودين تقريعا للعابدين أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ بأن دعوتموهم لعبادتكم أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) أي أم هم ضلوا عن السبيل بأنفسهم بتركهم النظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد وعبدوكم بهوى أنفسهم. قالُوا أي المعبودين متبرئين عن العابدين: سُبْحانَكَ أي قالوه تعجبا مما قيل لهم أو إشعارا بأنهم منزّهون الله تعالى عما لا يليق به، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده أو قصدا لتنزيهه تعالى عن الأنداد ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ فنتخذ متعد لواحد، و «من أولياء» مفعول، و «من» زائدة، و «من دونك» حال، لأن نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا. وعن أبي جعفر وابن عامر أنهما قرءا «تتخذ» بالبناء للمفعول فهو متعد لمفعولين، والمفعول الأول نائب الفاعل، و «من أولياء» مفعول ثان، و «من» للتبعيض وتنكير «أولياء» من حيث إنهم أولياء مخصوصون، وهم الجن والأصنام. ومعنى الآية: لا يستحق لنا أن يتخذ بعضنا أولياء. والحاصل إن كان معبودهم ملائكة قالت: نحن عبيدك فلا يستقيم لعبيدك أن يتخذوا من غيرك أحباء يعبدونهم فإذا كنا نعتقد أن غيرك لا يجوز أن يكون معبودا، فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا وإن كان أصناما قالت: لا يصح منا أن نكون من العابدين فكيف يمكننا أن ندعي أننا من المعبودين فما أضللناهم. وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ أي ولكن يا إلهنا أكثرت عليهم وعلى آبائهم من النعم فجعلوا ذلك ذريعة إلى ضلالهم حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ أي تركوا الإيمان بالقرآن وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) أي وصاروا قوما هالكين فاسدة القلوب. فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ أي فقال الله تعالى عند ذلك: فقد كذبكم أيها الكفرة معبودكم في قولكم: إنهم آلهة. فالباء بمعنى في أو هي صلة للتكذيب على أن الجار والمجرور بدل اشتمال من الضمير المنصوب، أي فقد كذبوا قولكم: إنهم آلهة. وانظر كيف أظهر الله صدق الأصنام وكذب الكفار، وتقولون بالتاء الفوقانية باتفاق العشرة.
وقرئ شاذة بالياء، أي كذبوكم بقولهم: سُبْحانَكَ الآية. فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً. وقرأ حفص بالتاء على الخطاب، أي فما تستطيعون أيها الكفار صرف الأصنام والملائكة عن شهادتهم عليكم ولا نصر أنفسكم في إضافة الصدق إلى أنفسكم ولا تستطيعون دفع العذاب عنكم ولا منعه عنكم بأنفسكم ولا بغيركم. وقرأ الباقون بالياء على الغيبة أي فما تستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب ويحتالوا لكم، ولا أن ينصروكم بوجه من الوجوه.
وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) أي ومن يكفر منكم يا معشر المؤمنين، أو ومن يستمر منكم يا معشر الكفار على ما أنتم عليه من الكفر والعناد نذقه عذابا كبيرا في الدنيا والآخرة والعامة. قرءوا «نذقه» بنون العظمة. وقرئ بالياء والضمير عائد لله تعالى أو للظلم المفهوم من الفعل على سبيل المجاز بإسناد إذاقة العذاب إلى السبب وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ و «إن» مكسورة باتفاق العشرة و «اللام» لام

صفحة رقم 129
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية