
وقيل: الباء متعلقة بالمصدر. والتقدير: يذهب إذهابه بالأبصار. وكذلك أجازوا أُدِخِلَ بالمُدْخَلِ " السجن " الدار فجمعوا بين الهمزة والباء على أن يتعلق الباء بالمصدر. وهو قول علي بن سلمان عن المبرد.
ثم قال: ﴿يُقَلِّبُ الله الليل والنهار﴾، أي: يقلب من هذا في هذا، ومن هذا في هذا.
وقيل: معناه يعقب بينهما: إذا ذهب هذا أتى هذا، فيقلب موضع الليل نهاراً وموضع النهار ليلاً.
ثم قال: ﴿إِنَّ فِي ذلك لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأبصار﴾، أي: إن في إنشاء السحاب، ونزول المطر والبرد، وتقليب الليل والنهار لعبرة لمن اعتبر، والكاف من ذلك خطاب للنبي ﷺ.
قوله تعالى ذكره: ﴿والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ﴾، إلى قوله: ﴿أولئك هُمُ الظالمون﴾،
معناه: والله خلق كا ما يدب من نطفة، فمنهم من يمشي على بطنه كالحيات، ومنهم من يمشي على رجلين: كبني آدم، والطير، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم.

وجاز أن تأتي ﴿مَّن﴾ هنا لأنه لما خلط من يعقل لمن لا يعقل غَلَّبَ ما يعقل فقوله: ﴿والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ﴾، قد يدخل فيه الناس وغيرهم من البهائم ولذلك قال: " فمنهم " ولم يقل: فمنها ولا منهن.
﴿يَخْلُقُ الله مَا يَشَآءُ﴾، أي: يحدث من يشاء من الخلق ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ﴾، أي: علامات واضحات دالات على طريق الحق.
وقوله: ﴿والله يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾، أي: يرشد من يشاء من خلقه إلى دين الإسلام وهو الطريق المستقيم.
وقوله: ﴿على أَرْبَعٍ﴾، تمام. قوله مبينات، قطع حسن.
ثم قال: ﴿وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بالله وبالرسول وَأَطَعْنَا﴾، أي: ويقول المنافقون: صدقنا بالله وبالرسول وأطعناهما. ﴿ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذلك﴾، أي: ثم تُدْبِرُ طائفة منهم من بعد قولهم وإقرارهم بالإيمان.

ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أولئك بالمؤمنين﴾، أي: ليس قائلو هذه المقالة بمؤمنين. ﴿مِّن بَعْدِ ذلك﴾ قطع.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾، يعني هؤلاء المنافقين إذا دعوا إلى كتاب الله، وإلى رسوله ليحكم بينهم فيما اختصموا فيه بحكم الله ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾، أي: يعرضون عن قبول الحق.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يأتوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾، أي: إن يكن لهؤلاء المنافقين حق قِبَلَ الذين يدعونهم إلى كتاب الله يأتون إلى رسول الله منقادين لحكمه طائعين غير مكرهين.
يقال: أذعن فلان بالحق إذا أقر به طائعاً.
قال مجاهد: مذعنين سراعاً.